حول الاصلاح والإنقاذ: تفاهم بري والأب لو بريه
كتب حسين حاموش
"ما ينقص لبنان بصورة أكيدة قبل الماء و الكهرباء والمواصلات ،هو فقدان فرق عمل تكرس نفسها للمصلحة العامة وتعمل بروح تعاونية على جميع المستويات في الحقلين الاقتصادي و الانساني … النزعة الفردية تفقد كل نجاح معناه وقيمته ، ولا ينقذ لبنان سوى العمل التضامني في الداخل و مع العالم ، ان تغيير الذهنية والسلوك والتضامن الوطني اليومي يسهلان تنفيذ خطة التنمية … انه لسلوك مرضي ان نترك لغيرنا انجاز ما يمكن ان نفعله بأنفسنا".
Louis-joseph Lebret ,”Besoins et possibilete’s de develloppem ent du Liban.2vol.Beyrouth, Mimiste’re du plan .Mission IRFED-Liban 1960-1961 p.476-477.
(من مقدمتي مؤلفي روجيه نسناس “نهوض لبنان نحو رؤية اقتصادية اجتماعية” و"نحو دولة الانماء ").
هذه الخلاصة خلصت اليها “بعثة ارفيد ” عام 1960 -1961 -حول حاجات انماء لبنان “.
تزامنا مع زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الثانية لبيروت نشرت السفارة الفرنسية ” مشروع برنامج للحكومة الجديدة “.
“المشروع – البرنامج هو افكار مستقاة من اللقاء مع المسؤولين اللبنانيين “؟!.
وحدها كتلة التنمية والتحرير النيابية التي يرأسها الرئيس نبيه بري تقاطعت مع خلاصة رأي الأب لوبريه :”انه لسلوك مرضي ان نترك لغيرنا انجاز ما يمكن ان نفعله بأنفسنا “،حيث أعدت ورقة اصلاحية قدمها باسمها النائب ابراهيم عازار للرئيس ماكرون ولممثلي الكتل النيابية والقوى السياسية التي حضرت لقاء ” قصر الصنوبر”.
وقبل البحث في ابرز ما جاء في مضمون الورقتين الاصلاحيين المذكورتين لا بد من التوقف عند محطات أساسية حصلت في آب 2019 .
*اسئلة ستاندرز آند بورز *
وجهت الوكالة المذكورة حوالي خمسين سؤالا لرئاسة الحكومةً آنذاك (الرئيس الحريري ) وعلى وزارة المال والمصرف المركزي و بعض الجهات المعنية.
كانت الاسئلة الاقتصادية – المالية مغلفة بغلاف سياسي رغم انها تعرف الكثير عن حيثيات الوضاع الاقتصادية -المالية-السياسية كانت (الوكالة المذكورة )مهتمة لمعرفة حيثيات ودوافع الاحتمالات السياسية معرفة معمقة انطلاقاً من مقولة :”ازمة لبنان قاعدتها سياسية ونتائجها اقتصادية – مالية”.
جوهر الاسئلة تراوحت بين الوضع الحكومي واحتمالات دورة انتاجياته والتوقعات التي تتصل بالاستقرار والتي ستعتمدها الدولة في اصدار مراسيمها التطبيقية الى جانب مسألتين :
١) – “وضع النازحين السوريين وتأثيره المحتمل على لبنان”.
٢) – “مدى انعكاس نتائج العقوبات الاميركية على حزب الله ( الذي وصفته (الوكالة المذكورة ) بأنه نافذ ومؤثر في سير الأوضاع عامة وفي مسار السلطة ؟”.
كان السؤال الابرز الذي طرحته الوكالة المذكورة كما يلي : “كيف يعد المسؤولون اللبنانيون لمواجهة التغييرات في المنطقة التي تشتد سخونة اوضاعها وتمر بمخاض صعب ودقيق لاسيما وان قاعدة الارتباط الحتمي بين السياسة والاقتصاد هي قاعدة عامة ومسلم بها دولياً؟”.
* “تاسك فورس “:”الرؤيا اللبنانية ودور الولايات المتحدة”*
قام وفد من “تاسك فورس “-مجموعة العمل من اجل لبنان”.بزيارة لبنان في صيف 2019 بهدف توثيق رؤية اللبنانيين لبلدهم في العقد المقبل.كما هدفت الزيارة الى اطلاع الادارة الاميركية والكونغرس على فهم معمق لاهمية لبنان بالنسبة الى المصالح الاميركية في الشرق الاوسط.
واستخلص رئيس تاسك فورس “السفير السابق ادوار غبريال في مقال له – آنذاك -في صحيفة “ذي هيل ” ما يلي :
“لقد وجدنا المجتمع السياسي اللبناني لا سيما الحكومي لا يفهم تماما المشاريع المختلفة ،وثمة من يطالب بالقروض بلا اي قيود اي بلا اصلاحات”.
* الاجتماع الاقتصادي والمالي -الجمعة 9 آب 2019- *
عقد في بعبدا اجتماع اقتصادي -مالي برئاسة الرئيس عون وحضور الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ووزراء المالية والدولة لشؤون رئاسة الجمهورية ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية وحاكم مصرف لبنان ومدير عام رئاسة الجمهورية ورئيس جمعية المصارف .
اختصر وزير المالية آنذاك علي حسن خليل نتائج الاجتماع بالعبارةًالنالية: “مسلمات، لا استقرار اقتصادياً من دون استقرار سياسي”.
وجاء في تصريح الرئيس الحريري ان “البحث تركز على التوصيف الدقيق للاوضاع المالية والاقتصادية ً-السائدة انذاك -واسبابها المباشرة وغير المباشرة .والتأكيد على ان الحلول المقترحة هي وجوب والتزام .كما جرى التأكيد على الالتزام باستمرار الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة والاستقرار الائتماني.
كما تم الاتفاق على الخطوات الاساسية والعمل على تطبيقها بما يساهم في تفعيل الاقتصاد وتعزيز وضع المالية العامة والمباشرة بمناقشة تقرير ماكينزي والملاحظات المقدمة من الاطراف عليه .
كذلك جرى الاتفاق على اقرار جملة القوانين الاصلاحية لا سيما منها :المناقصات العامةً،التهرب الضريبي، الجمارك،الاجراءات الضريبية .تفعيل عمل اللجان الوزارية لا سيما ما يتعلق بانجاز اعادة هيكلة الدولة والتوصيف الوظيفي . استكمال خطوات الاصلاحات القضائية وتعزيز عمل التفتيش المركزي واجهزة الرقابة والتشدد في ضبط الهدر والفساد واعادة النظر بالمؤسسات غير المجدية والغاؤها.
ومن الخطوات الاساسية : اقرار موازنة 2020في مواعيدها الدستورية والالتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019 والاجراءات المقررة فيها ، وتوصيات لجنة المال،ووضع خطة تفصيلية للمباشرة باطلاق المشاريع الاستثمارية المقررة في مجلس النواب البالغة 3,3مليار دولار بعد اقرار قانون تامين الاستملاك لها الى جانب مشاريع “سيدر”. والالتزام الكامل بخطة الكهرباء بمراحلها المختلفة.(انتهى ماجاء في تصريح الحريري آنذاك).
بعد فترة من الزمن تبين ان من وراء الاسباب الفعلية لاجتماع بعبدا (9آب2019) كان :
١ – الرد على الاسئلة الخمسين من وكالة ” ستاندرد اند بورز” قبل اسبوعين من اصدار تصنيفها المنتظر للبنان -آنذاك.
٢ – حالة الاشمئزاز لدى دوائر قصر الاليزيه و وزارة الخارجية من طريقة تعامل الحكومة اللبنانية مع الآلية التنفيذية لمشاريع سيدر “.
*في مضمون “الورقتين ” والتمايز في ما بينهما *
قبل الدخول في مضمون الورقتين لا بد من الاشارة الى ان الورقتين تضمنتا اكثرية المواضيع التي جرى بحثها في اجتماع بعبدا -الاقتصادي- المالي-بتاريخ 9/8/2019 والتي ذكرها في تصريحه آنذاك الرئيس الحريري حيث لم تنفذ القرارات التي اتخذت بشأنها وكان مصيرها في الارشيف لا أكثر ولا أقل .
في البند الثالث -من الورقة الفرنسية- الاصلاحات: جاء في الفقرة الاولى :
” ستجري الحكومة تبادلاً منتظماً لوجهات النظر مع ” المجتمع المدني ” في ما يتعلق ببرنامجها ( الحكومة ) وبالاصلاحات التي يتضمنها”.
هنا مخالفة دستورية فاقعة ،فالحكومة مسؤولة امام مجلس النواب المنتخب اصولاً من الشعب وهو الذي يحاسب الحكومة ويستجوبها ويسائلها وفق الاصول والقوانين المرعية الاجراء..
والجدير ذكره ان المجتمع المدني في حالته التي عرفناها منذ17/10/2019 هو مجموعات غير موحدة لا تنظيميًا ولا فكريًا ولا مطلبياً ولا سياسياً …
جاء في ورقة كتلة التنمية والتحرير على لسان النائب ابراهيم عازار:
” اسمحوا لي ان اعرض لكم خريطة الطريق والخطة التنفيذية للاصلاحات التي ترى كتلتنا انها ضرورية لخروج لبنان من الوضع المتأزم:
“تشكيل حكومة جامعة لديها القدرة على التجاوب مع التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية وتوسيع المشاركة فيها نحو كل القطاعات وهيئات المجتمع” .
بينما الورقة الفرنسية – حسب الرئيس الحريري نصت “على حكومة من الاختصاصيين -التكنوقراط غير سياسيين وحزبيين…”
هكذا حكومة يفترض الا يكون رئيسها من السياسيين والحزبيين.
فكيف يستقيم الوضع ان تكون الحكومة مؤلفة من التكنوقراط- الاختصاصيين ورئيسها رئيس تيار سياسي.؟؟
هل يستقيم الامر ان يجتمع الصيف والشتاء على سطح واحد؟!
وطالبت كتلة التنمية والتحرير “باعداد مخطط توجيهي سريع لاعادة بناء واعمار المناطق المتضررة مع الحفاظ على الأبنية الأثرية والتاريخية وحمايتها وتأمين الدعم اللازم لذلك”.
بينما طالبت الورقة الفرنسية “ببداية اعادة الاعمار على اساس توصيات التقرير الذي اعده البنك الدولي بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة.والتقييم السريع للأضرار والاحتياجات في بيروت (هل المقصود هنا جميع مناطق بيروت او المناطق المتضررة فقط).
حول الكهرباء طالبت كتلة التنمية والتحرير “بالسير بخطة تأمين الكهرباء24/24 وتصفير عجزها وتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء واقرار مشروع قانون التعديلات على نظامها في جلسة مجلس الوزراء نفسها .
بينما جاء في الورقة الفرنسية :
-“استدراج عروض بما يتعلق بمعامل توليد الكهرباء على الغاز التي تعتبر ذات اولوية ليتقلص الاستعانة بالمولدات”.
– “الاعلان عن جدول زمني لرفع التعرفة بطريقة تدريجية على ان يطال ذلك اولاً المستهلكين الأكثر اقتداراً من الناحية المادية “؟؟.
دعت كتلة التنمية والتحرير بمواكبة تنفيذ عقد التدقيق المالي التشريحي لمصرف لبنان والاستفادة من خبرات البنك المركزي الفرنسي لهذه المهمة لتعميمه على مختلف الهيئات والادارات الأخرى.
اما الورقة الفرنسية فاكتفت “بالاطلاق الفعلي للتدقيق الكامل في حسابات مصرف لبنان”. وطالبت بالرقابة المنظمة لتحويل الرساميل وإقرار التدابير المطلوب اتخاذها .وبانجاز مشروع قانون حول الكابيتول كونترول واعتماده على ان يتم تطبيقه فوراً وعلى مدى اربع سنوات وان يحظى بموافقة مختلف اقسام صندوق النقد الدولي .
وتضمنت ورقة كتلة التنمية والتحرير :
– تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص ومتابعة اقتراحات القوانين في المجلس النيابي المرتبطة بمكافحة الفساد والاموال المنهوبة.
في الورقة الفرنسية جاء : – تعيين اعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومنحها القدرات الضرورية بالمهمات المنوطه بهاوالاطلاق الفعلي لأعمالها.
-اطلاق مسار الانضمام الى معاهدة منظمات التعاون والتنمية الاقتصادية لعام 1997 حول مكافحة الفساد في العالم.
فيما دعت كتلة التنمية والتحرير الى “اجراء مناقصات في الخليوي وانشاء شركة “ليبانون تلكوم “-ومناقصة السكانر للجمارك”.
ذهبت الورقة الفرنسية الى “خصخصة عدد من مؤسسات الدولة…من بينها قطاع الاتصالات “.
وطالبت بفتح باب التنافس امام الشركات العالمية لاداراتها كي نلتحق بركب التطور العالمي وكذلك بالنسبة لمؤسسة كهرباء لبنان وشركةالطيران MEA والكازينو والمرفأ والمطار والعابر الشرعية وكثير من المؤسسات التي تديرها الحكومة.”
وخلصت الى انشاء صندوق سيادي للاصول والموجودات من ايرادات شركات واراضٍ ومباني تابعة للدولة بالاضافة الى MEA وكازينو لبنان والأملاك التابعة لشركة انتوا وغيرها”.
هنا لا بد من تذكير الفرنسيين ومن ساعدهم او أوحى اليهم من اللبنانيين بما قاله الجنرال ديغول عندما امر كبار المسؤولين الفرنسيين في الإدارة ب: “بيع أو تأجير كل مؤسسة فاشلة الى القطاع الخاص أما المؤسسات المنتجة والناجحة وايراداتها تساهم بتطوير مالية الدولة فيجب حمايتها وتطويرها”.
ولعلم الفرنسيين ومن معه من اللبنانيين ان قطاع الاتصالات ولا سيما الخليوي و شركةMEA والكازينو من الشركات الناجحة والرابحة. فلماذا نهبها إلى الشركات العالمية لإدارتها ؟!
وما ذكرناه اعلاه حول المؤسسات الناجحة نكرره تجاه جميع المجالس والصناديق والهيئات التي طالبت الورقة الفرنسية بالغائها لأنها “تعتبر تنفيعات وابواب هدر ومفاتيح انتخابية للسياسيين “.
تفردت كتلة التنمية والتحرير ب:
-دراسة انشاء وزارة للتخطيط(كانت تعرف بوزارة التصميم وكان لها دورها الفاعل والمؤثر في تفعيل المؤسسات والادارات وفي المشاريع والخطط الانمائية وذلك في العصر الجميلي).
– اعادة النظر بمشروع الاسر الأكثر فقراً وتجديد المسح لمواكبة المتغيرات الحاصلة في السنوات الاخيرة بالتعاون مع البنك الدولي لتأمين شبكة امان اجتماعي- صحي – تربوي لهذه الاسر .
– اقرار الخطة والتمويل اللازم لوضع دراسة وتنفيذ الحكومة الالكترونية .
– انشاء المناطق الصناعية والاقتصادية الخاصة والمرافيء والمناطق المتخصصة بالتكنولوجيا المتقدمة.
– اقرار قانون جديد للانتخابات مع مجلس الشيوخ وفق ما ورد في الدستور .
وتبقى العبرة في التنفيذ ولنتذكر قول تشرشل لسائقه : أنا على عجل.. سر بهدوء من دون تسرع.