كتب حلمي موسى من غزة:
يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتمياهو، وخلافا لأغلبية قادة أجهزته الأمنية والعسكرية ولموقف الإدارة الأمريكية، يبذل كل جهد لمنع التوصل إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى. وهذا ما قاد أحد المعلقين السياسيين إلى اعتبار أن حكومة نتنياهو تمارس “إجراء هانيبعل” سياسيا يؤدي إلى القضاء على الأسرى الإسرائيليين لمنع التفاوض بشأن استبدالهم.
ويوم أمس نشب خلاف حاد في كابينت الحرب بين نتنياهو وقادة الموساد ورئيس ملف الأسرى، حيث كان هؤلاء ووزراء مثل غادي آيزنكوت يؤيدون حلحلة المفاوضات بفتح عودة النازحين إلى الشمال. لكن نتنياهو رفض الفكرة وأوقف الاجتماع قبل أن يصل إلى نتيجة غير مرضية من ناحيته.
وذكر موقع “إسرائيل هيوم” أن كابينت الحرب ناقش ليلة الأربعاء، موقف حماس من مفاوضات تبدل الاسرى ورد إسرائيل عليه. فمقابل معظم الوزراء في الكابينت، رئيس الوزراء ووزير الدفاع، اعرب الوزير غادي آيزنكوت واللواء نيتسان ألون (قائد الجهد الاستخباراتي في مجال الأسرى والمفقودين)، عن دعمهم لـفتح الممر الذي يقسم القطاع بين الشمال والجنوب. وهذا في الواقع أحد المطالب الأساسية لحماس في المفاوضات، وهو ما تعتبره مصادر استخباراتية أيضًا أحد المصالح الأساسية للمنظمة في المفاوضات من أجل ضمان بقائها.
آيزنكوت وألون عبرا عن موقفهما أمام أغلبية كبيرة من المعارضين الذين يعتبرون موقفهما “كارثة”. وقال مصدر مطلع على التفاصيل إن “هذه هي الورقة الوحيدة والمثبتة التي نملكها ضد حماس لإعادة المختطفين وهم يريدون التنازل عنها فور بداية المفاوضات”.
وتمحور النقاش المذكور، الذي جرى يوم الأربعاء، حول موقف حماس الذي يطالب بعودة جميع سكان قطاع غزة إلى الشمال من دون تدقيق ومن دون فرق بين النساء والرجال والأعمار كما وافقت إسرائيل على السماح به في المقام الأول. ومقابلهم ، عبر عن الموقف المعاكس – وزير الدفاع غالانت والوزير غانتس ورئيس الأركان الذين أعربوا عن دعمهم لمرور تحت المراقبة عبر الممر، وكذلك انتظار عرض آخر من الولايات المتحدة في المفاوضات، وفي هذه الأثناء استكمال الخطط التنفيذية لرفح.
وحسب الصحيفة على الجانب الأكثر تطرفاً، تم الاستماع إلى موقف نتنياهو والوزير ديرمر، اللذين كانا معارضين تماماً لموقف حماس، وطالبا ببدء تحرك فعال في رفح وإعلان انسحاب رسمي من المفاوضات. وكان من المفترض أن يتم هذا المساء جزء آخر من النقاش للاستماع إلى ملخصات وزير الدفاع غالانت ورئيس الوزراء نتنياهو، لكن ذلك تم تأجيله.
وقد أعرب آيزنكوت عن دعمه لتوسيع ولاية الوفد الإسرائيلي من أجل النجاح والتقدم في المفاوضات، بالإضافة إلى الرد على الوفد الذي طلب توسيع الولاية للنقاشات المتعلقة بعودة السكان من الجنوب إلى الشمال. وقال إنه يوجد اليوم بالفعل آلاف الإرهابيين في شمال قطاع غزة، كما أن وقت المختطفين محدود، وبالتالي يجب فعل كل شيء للسماح للمفاوضات بأن تنضج. وأمام مساحة المناورة التي طالب بها آيزنكوت وألون لصالح الوفد، سُمع موقف مختلف من الوزراء والمسؤولين الآخرين، فيما سُمع رئيس الموساد ديدي برنيع يقول: “يمكننا تحقيق ذلك.. صفقة إذا أردنا الليلة “. وتم إلغاء مزيد من النقاش حول هذه القضية الحساسة بسبب الدراما السياسية حول تجنيد الحريديم ولم يتم اتخاذ قرار بشأن هذه القضية.
وكان رئيس الموساد أبلغ كابينت الحرب أنه على الرغم من رد حماس السلبي على الاقتراح الأمريكي الذي قبلته إسرائيل، إلا أن هناك إمكانية للمضي قدما. وأشار إلى أن الثمن هو المرونة في ما يتعلق بعودة السكان إلى شمال قطاع غزة.
وبحسب التقرير الذي نشرته القناة 12، فإن موقف رئيس الموساد حظي بدعم الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت، وكذلك الوزير رون ديرمر. وأمامهم، في موقف وسط، كان وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي يدعيان أن هذا ليس وقت المرونة، وأنه من الضروري التقدم إلى رفح ولكن عدم الإعلان عن ذلك علنا، من أجل السماح لجهود أميركية أخرى بتعزيز المفاوضات وإعطاء فرصة للتوصل إلى اتفاق.
من جانبه قال نتنياهو الذي يكثر في الآونة الأخيرة من التذمر من مساعديه، أن أعضاء مجلس الوزراء لا يعرفون كيفية إجراء مفاوضات صعبة. ولذلك لم يقبل نتنياهو اقتراح رئيس الموساد وأمر بالاستعداد للدخول إلى رفح وإشهار ذلك الموقف علنا.
ويبدو أن الأمور تسير في اتجاهات متباينة حيث استضاف رئيس المخابرات المصرية الللواء عباس كمال مساء الاربعاء رونين بار رئيس الشاباك على مائدة إفطار. وحسب موقع “والا” استنادا إلى مصادر إسرائيلية تناول الاجتماع، الذي عقد على خلفية القلق المصري بشأن عملية رفح، من بين أمور أخرى، مأزق صفقة التبادل، والوضع في شهر رمضان، وأمن الحدود بين مصر وغزة في اليوم التالي للحرب. وأوضح المراسل السياسي ل”والا” باراك رافيد أن زيارة رئيس الشاباك إلى القاهرة جاءت على خلفية تصريحات نتنياهو المتكررة بأن إسرائيل تستعد لعملية برية في رفح ، وهو الأمر الذي يقلق المصريين كثيرا.
وأشار المصدر إلى أن رئيس الشاباك بحث مع نظرائه في القاهرة الأزمة التي وصلت إليها المفاوضات بشأن صفقة التبادل. كما ناقش الجانبان الأوضاع في الضفة الغربية على خلفية شهر رمضان، وكذلك مسألة معبر رفح والخطوات الإضافية لتأمين الحدود بين مصر وقطاع غزة غداة الحرب.
أما “يديعوت” عبر مراسلها السياسي إيتمار آيخنر فذكرت أن نتنياهو ألغى تكملة لاجتماع كابينت الحرب يوم الأربعاء، كان مقررا عقده يوم أمس الخميس مساء لمناقشة قضية التبادل ووقف النار. ويبدو أن نتنياهو قرر أن يكون بديلا لهذا الاجتماع انعقاد المجلس الوزاري المصغر الذي يملك فيه نتنياهو أصواتا مؤيدة له أكثر. وقالت إن أسباب إلغاء المناقشة الليلة مختلفة: المحيطون بنتنياهو يقولون إن المناقشة التي جرت بالأمس انتهت بالفعل، ولكن وزراء آخرون في المجلس الوزاري المصغر يقولون إنه يجب مناقشة أمور إضافية واتخاذ قرارات .
وانتقد مسؤول كبير بحدة قائلا: “إذا كانت مناقشة الأمس قد انتهت، فلماذا حددوا موعد مناقشة أخرى في الساعة 19:30؟”. من ناحية أخرى، زعمت مصادر مقربة من نتنياهو أن هذه مسألة إجرائية ، لأنه “في كابينت الحرب لم يكن لدى وزير الدفاع يوآف غالانت الوقت الكافي للتحدث، ولم يختتم رئيس الوزراء كلمته، لذلك تم تحديد موعد آخر للمناقشة. وقرر رئيس الوزراء إلغاء المناقشة وتحويلها إلى الحكومة الموسعة، حيث ستتم مناقشة صفقة التبادل.
وأضافت يديعوت أنه من ناحية أخرى، يقول مسؤولون كبار في كابينت الحرب إن هذه هي طريقة نتنياهو لنقل النقاش إلى الحكومة الموسعة، حيث من المعروف أن هناك معارضة أوسع للمرونة التي من شأنها أن تؤدي إلى صفقة التبادل.
وكانت مصادر مطلعة على التفاصيل ادعت في وقت سابق أن هناك “معضلة خطيرة” ظهرت في مناقشة كابينت الحرب أمس، بعد أن رفضت حماس الاقتراح الأمريكي المطروح على الطاولة، بينما يعمل الوسطاء على اقتراح جديد. الوزير غادي آيزنكوت وأعضاء آخرون في الحكومة مهتمون بتوسيع التفويض الممنوح لفرق التفاوض الإسرائيلية، حتى لا تسمح لحماس بنسف المحادثات. وبحسب رأيهم، فإن إسرائيل هي من يجب أن تأخذ زمام المبادرة، وبالتالي تتحدى حماس.
وقالت مصادر سياسية: “إن دولة إسرائيل تهتم بالمختطفين أكثر بكثير من اهتمام حماس بالسجناء والسكان. فمن ناحية لا نريد أن نستسلم بسرعة كبيرة لإملاءات حماس ، ومن ناحية أخرى نحن في وضع “ميت”، كيف يمكننا تحسين اقتراحنا قليلاً؟ “أنت لا تتحدث مع كيان عقلاني بعد كل شيء. والسؤال هو ما إذا كانت إسرائيل ستمنح الوسطاء الموافقة على اقتراح أفضل في كل ما يتعلق بعودة السكان إلى الشمال”.
ويذكر في اجتماع أمس الأول أن نتنياهو اعترف بأنه سيرسل وفدا إلى واشنطن الأسبوع المقبل، بعد أن كان نفى إعلان البيت الأبيض الليلة الماضية. ومن المفترض أن يتباحث الوفد مع الأميركيين في رفح، وبحسب مصادر سياسية تحدثت لموقع “واينت”، فإن “نتنياهو أدرك أنه أخطأ بإلغاء الوفد الأصلي”. وبحسبهم فإن “أغلبية الوزراء يعتقدون أنه كان من الخطأ عدم إرسال الوفد في المقام الأول، ويعتقدون أنه يجب إرسال الوفد إلى هناك في أسرع وقت ممكن”.
وكان يوسي كلاين قد كتب في هآرتس مقالة بعنوان: “اجراء “هانيبعل” لم يختف، بل تحول الى تأخير المفاوضات” أشار فيه إلى أنه “قبل ثلاثين سنة شارك الجنرال نيتسان الون، الذي كان في حينه نقيبا في سييرت متكال، في العملية الفاشلة لإنقاذ الجندي نحشون فاكسمان. لقد قتل المخطوف فاكسمان وضابط الدورية نير بوراز. مؤخرا تواجد الجنرال الون في قطر كأحد أعضاء طاقم المفاوضات مع حماس. أي درس تعلمه من تلك الليلة في ليالي أكتوبر الخريفية، تفضيل المفاوضات على محاولة انقاذ المخطوفين بالقوة، أو تمني موتهم كي لا يشكلوا ورقة مساومة؟.
وأضاف كلاين: الفكرة التي تقول إن الجندي الميت افضل من الجندي المخطوف لم تولد عند فشل عملية تحرير فاكسمان، بل ولدت قبل العملية عندما تم اطلاق سراح 1151 مخربا مقابل 3 جنود في صفقة جبريل. في حينه أيضا تقرر أن كل الصفقة، افتداء الاسرى هذا، باهظة الثمن وغير مجدية ومتعبة، وأنه يجب إيجاد طريقة لتجاوزها. هكذا وجد اجراء “هانيبعل” (1986). يفضل قتل المخطوف وعدم التورط في اطلاق سراحه ووجع الرأس المقرون بذلك، أي اطلاق النار على الخاطفين حتى بثمن المس بالجنود”.
وقال: لم يعتقد أحد أن هذا الاجراء هو اجراء قانوني أو أخلاقي، والتغييرات التي مر بها تعكس هذه الترددات. ولكن التغييرات لم تأت لالغاء الاجراء بل فقط التعتيم عليه. بعد أن تم تغيير هذا الاجراء في تشرين الأول 2010 الى حظر انقاذ من شأنه أن “يؤدي باحتمالية عالية الى موت المخطوف” اصبح مرة أخرى “اعتقال” أعضاء حماس بأي ثمن حتى مع وجود مخطوفين. القصد من “أي ثمن” كان أيضا للمدنيين.
“هذه ستكون معضلة تفطر القلب”، أجاب رئيس هيئة الامن القومي تساحي هنغبي على سؤال هل سيقوم الجنود باطلاق النار على يحيى السنوار حتى لو كان محاط بالمخطوفين. “معضلة”؟. هل لم يكن واضح لهنغبي بشكل ضمني أنهم لا يطلقون النار على من يحتجز مخطوف كرهينة؟ في نهاية المطاف عندما يكون الحديث عن مدنيين فانه لا يوجد فرق بين التخلي عنهم وبين قتلهم. الحل لمعضلة تفطر القلب هي استخدام اجراء هانيبعل بدون أي رصاصة. نقوم بتعويق المفاوضات، نماطل، نتراجع ونبقيهم في الانفاق لاطول فترة ممكنة، عمليا نحكم عليهم بالموت.”