جولة في عوالم الفنان التشكيلي السوري غيلان الصفدي
ينصب خيمة إبداعه في قلب الأشرفية. المرسم الذي يقع في الطبقة الرابعة من أحد أبنية الجميزة العتيقة يشي بمزاج الفنان الذي يحن الى الدار العتيقة في مدينة السويداء السورية حيث ولد ونما حسه الفني. هنا يبني عزلته الطوعية ليرسم لأنه لا يجيد عملا آخر سوى الرسم. هو الفنان التشكيلي السوري الشاب غيلان الصفدي.
هل تعيش من الرسم؟
أسأله يجيبني بنعم، محظوظ ذلك الشخص الذي يكون شغفه في الحياة هو عمله ومصدر رزقه.
غيلان الصفدي الفنان التشكيلي الذي درس في دمشق يقول إنه أحب بيروت وعشقها بعد مشاهدته فيلما سينمائيا عنها ورسخ ذلك الحب إقامته معرضا فيها.
قدم إليها منذ سنوات مصادفة مع بدء الحرب السورية وليس بسببها، ووقع في غرام هذه المدينة الزاخرة بالتناقضات كما يعشقها أهلها وهو يفضل العيش فيها على مدينة باريس التي أقام فيها لمدة سنتين.
هناك في دمشق، كان يرسم بحرية على الرغم من منع معرض له تناول رسوما للجسد أعتبر إباحيا زيادة عن اللزوم في وقتها.
غيلان القادم من عائلة مثقفة ورث عن والده مكتبة غنية جدا شكلت له خلفية فكرية وزادا قويا يستند اليه في التعبير بالفرشاة والألوان. قرأ بنهم الأدب الروسي وشعر العراقي بدر شاكر السياب وخليل حاوي وتأثر بهذا الأخير تأثرا جليا.
تستقبلك لوحات الفنان غيلان الصفدي ما إن تطأ قدماك عتبة المرسم بالحشود الكثيفة من الناس المحشورة مع الطيور والأسماك والأشياء في وليمة دسمة من المعاني والصور والقصص والأفكار.
لوحته تجعلك على أهبة الإستعداد للتفكير والتمعن بما يقصده غيلان. هو يعبر بالألوان الصارخة ووحشية ضربات فرشاته الى أقصى درجات الهدوء والحزن والكآبة بالأسود والأبيض.
رهافة وخفة وجمال تنبعث من ألوانه الصارخة والباهتة على حد سواء .ربما جاء ذلك من أن والدته المرأة الأمية كانت تستمتع بموسيقى بيتهوفن بفطرية المتذوق الأصيل على الرغم من كونها لا تجيد القراءة والكتابة.
مجمل لوحاته الممتلئة بالأشخاص الذين عبث بصورتهم الأصلية الظاهرة واضعا ضوءا كاشفا على أعماقهم الدفينة. الكثير من النساء والأجساد وحطام الأشياء تحتل اللوحات من مختلف القياسات ،وهو يفضل الأكريليك لأنه لا يبعث روائح الزيت التي تجعل الأقامة في المرسم أكثر صعوبة.
سوريا المعاناة من حرب يراها عبثية حاضرة بثقل مأساتها الكونية من دون نقطة دم أحمر، يستعمل كثيرا مفردة الأنتماء وهي بمعنى من المعاني الحب الذي يسكنه تجاه كل ما يحيط به.
الدم يتفجر على صورة مهرجين وملائكة وشياطين ونساء وأجساد نساء مجنحات كالطيور وعيون مغلقة على مشهد المأساة
لا يمكن لك بعد تأمل تلك اللوحات إلا أن تذرف دمعة خفية على كمية الشجن المحشوة في تفاصيل اللوحة، هو المتأثر بشعر خليل حاوي وحزنه والذي رسم معظم أعماله تحت وطأة هذا التأثر بوعي منه أو بغير وعي.
لا يعجبه تصنيفه في خانة المدرسة التعبيرية من قبل النقاد والصحافة شأنه في ذلك شأن الفنانين الذين ينبذون التأطير ويشتهون الطيران في فضاء من الحرية المطلقة. يبسط أمامك ثقافته وعمقه ببساطة دون إدعاء وفذلكة أو غرور وإن طغت نرجسية خفيفة على مجمل الحديث.
التعبيرية التجريدية وما تعنيه من استخدام الأشكال والخطوط بحريّة في تركيب غير رسمي، وهي أقدرُ على التعبير وإبهاج البَصَر منها حين تُستخدم وفقاً للمفاهيم الرسمية أو حين تُستعمل لتمثيل الأشياء.. هذا ما أشعر به أمام لوحات الفنان غيلان الصفدي، وقد لا يعجبه التصنيف، ولكنه مجرد رأي وليس أكثر.