قرأت ما كتبه الصديق واصف عواضة حول التعميمين الأساسيين رقم ١٤٨ و ١٤٩، الصادرين عن مصرف لبنان بتاريخ ٣/ ٤ / ٢٠٢٠، وما ورد من أسئلة تثيرها صياغتهما المربكة، فضلاً عن ارتباط فهم الأول بالثاني. وحاولت فكفكة طلاسم المقصود منهما بمعالجة ارصدة صغار المودعين واستشفيت منهما مناورة الغاية منها استيعاب ما أثاره السيد حسن نصرالله في كلمته السبت الماضي ،ومطالبته بإنصاف أصحاب الودائع الصغيرة، بحيث تصيب هذه الآلية عصفورين بحجر واحد: تصفية هذه الحسابات القليلة العدد والقيمة نسبيا، والتخلص من الإرباك الذي يمكن أن تتسبب بها تحركات أصحاب هذه الحسابات في الشارع واستيعاب تأثيرها في الرأي العام ولدى السياسيين، لا سيما وأن البنوك تشترط بشكل عام ألا يقل رصيد أي حساب عن خمسة ملايين ليرة أو ما يعادلها كي تحتسب له فوائد، على أن تتم هذه التصفية خلال مدة الثلاثة أشهر المحددة في التعميم نفسه، ووفق الآلية التحايلية المعروضة في التعميمين….
لاحظت ان مصرف لبنان هو الذي يقرر قبول الراغبين من الصرافين من الفئة "أ" بالمشاركة في منصة التداول المفتوحة ضمن مديرية العمليات لديه، والتي كان يمكن أن تجري لدى شركة لبنان المالية لو أن نظامها يسمح بالتعاطي بغير إدارة البورصة وتداول الأسهم.
باعتقادي أن الغاية من هذه الآلية هي تقديم نوع من "ترضية" لاصحاب الودائع المعنيين بالتعميمين من خلال احتساب قيمة أرصدة ودائعهم من الليرة الى الدولار، نظرياً، عل أساس سعر الصرف الرسمي (١٥١٥)، مثلاً، ومن ثم إعادة احتساب قيمة هذه الدولارات بالليرة ودفعها للمودع على أساس "صرف السوق" ، ومن ثم بيع هذه الدولارات الى مصرف لبنان بذات "سعر السوق" الجديد، والذي يتحدد على أساس عمليات التداول بالدولار لدى مجموعة الصرافين من الفئة "أ" ممن يقرر مصرف لبنان المقبول منهم في منصة التداول، التي سوف ينشئها ضمن مديرية العمليات لديه، وتعمل لمدة ستة أشهر، ويمكن أن تنتهي بسعر سوق جديد يعتمد في آليات أخرى لاحقاً.
بالنتيجة، في تقديري أنه سوف ينتح عن تطبيق التعميمين والآلية المبينة فيهما سعر صرف "ثالث" يختلف عن السعر الرسمي الحالي، وكذلك عن سعر السوق الحالي المختلف غير القابل للضبط، وعن سعر سوق بعض الصرافين المشاركين في المنصة التي يتحكم بها مصرف لبنان.
ولنفترض أن هذا السعر سوف يكون نفسه ال ٢٠٠٠ ليرة المحددة سقفاً لشراء الدولار في تعميم سابق.تذكرني هذه الآلية بتلك المعتمدة في بورصة بيروت وتأخذ بعين الاعتبار عروض شراء وبيع الأسهم المتقابلة (matching ) ويتحدد على اساسها السعر اليومي.
الخلاصة:
سوف تؤدي هذه الآلية إلى الخلاص من الحسابات دون الخمسة ملايين ليرة بعد خفض خسائر اصحاب هذه الودائع الصغيرة، بحيث ينتج عن تطبيقها تحويل قيمة الرصيد على أساس سعر صرف يقع بين ١٥١٥ و ٢٠٠٠ أو ٢٥٠٠ ليرة للدولار، بمعنى التعويض عن بعض خسائر هذه الفئة من المودعين الذين لم يتمكنوا من سحب ودائعهم وتحويلها الى دولار قبل ان يصل سعر صرف الدولار الى ما وصل اليه اليوم ويرتقب أن يناهز ال ٣٠٠٠ للدولار.
بعد ذلك من سوف يطالب بإنصاف أصحاب الودائع فوق الخمسة ملايين ليرة؟
انا لا أرى جديداً في التعميمين أو علاقة بأصحاب الودائع فوق الخمس ملايين ليرة. وبالتالي فان وضع هؤلاء سوف يبقى معلقاً بحيث لن يلزموا بتحويل أرصدتهم الى الليرة إلى أجل غير مسمى ،وطالما لم يقرروا ذلك طوعاً. أما الذي يضطر للسحب من وديعته بالدولار فسوف يكون مضطراً لقبضها بالليرة وعلى أساس السعر الرسمي ١٥١٥ مثلاً.
برأيي إن الغاية تصفية هذه الفئة من المودعين والخلاص من المطالبين باتصافهم…. وإعفاء البنوك من الإرباك الذي تتسبب به حركتهم اليومية!
وبالنسبة الى الأسئلة المطروحة ضمن ما كتبه الصديق واصف، فأجيب بما يلي:
– يفترض اقفال الحسابات التي تتم تصفيتها بهذه الطريقة.
– إن تطبيق الآلية هو لمرة واحدة فقط.
-حساب التوطين ليس مشمولاً، إلا اذا كان صاحبه ترك فيه، بتاريخ التعميم، رصيداً أقل من خمسة ملايين، وعليه ان ينتظر تفعيل "المنصة" للاستفادة من "سعر السوق"، الذي سوف يتحدد على أساس نتائج عمليات بيع وشراء الدولار التي سوف تجري في إطارها.
-،لا أعتقد انه سوف يكون على المودع تسكير قرضه، وانما لن يتمكن من تحرير سوى الخمسة ملايين ليرة، او ما دون، التي تتشكل من "صافي" أرصدة حساباته الدائنة والمدينة لدى المصرف. وعلى سبيل المثال، فإن من لديه حساب دائن رصيده ١٥ مليون ليرة او ما يعادلها وعليه قرض بقية عشرة ملايين فانه لن يتمكن من تطبيق الآلية سوى على الصافي البالغ خمسة ملايين ليرة.
– يمكن أن تنتهي الستة اشهر لعمل المنصة، إما بتحرير سعر الصرف على أساس أنها أنتجت، بفضل صرافي الفئة "أ"، سعر السوق الاقتصادي الصحيح، وإما إلى "سعر سوق" مختلف هناك ما يبرر اعتماده في آليات ومناورات جديدة بأهداف أخرى.
-من حيث المبدأ يفترض بالمصارف التي تعلن عن سعر صرف معتمد لديها أن تقبل بإجراء تحويل من حسابات لديها بالليرة الى حسابات بالدولار ، وإنما دفترياً فقط، على أن يظل السحب بالليرة على أساس سعر الصرف المعتمد مع هامش بين البيع والشراء، والذي يمكن أن يتسع وفق مقتضيات الحد من هذه التحويلات.
لا تنتظروا من مصرف لبنان سوى الغموض والغش والخداع طالما أن الحاكم ورئيس وأعضاء هيئة الرقابة على المصارف ومفوض الحكومة ووزير المالية غير فاعلين، إن لم نقل عديمي النفع، وطالما استمرت تقارير مفوضي المراقبة توجه الى الحاكم بأمره نفسه، بحيث نكون في وضع من يرفع للمخالف محضر ضبط بمخالفته، فتبقى لديه بعلمه دون غيره ودون جدوى ولا نتيجة أو منفعة، طالما أن ليس هناك من يحاسب!
وإذا كان لي من كلمة أقولها في معرض البحث في "التعيينات المالية" التي سحبت من جدول أعمال آخر جلسة لمجلس الوزراء تجنباً للأسوأ، فهي أن تطرح هذه التعيينات بصيغة التوافق والمحاصصة السياسية التقليدية، دون أي اعتبار للكارثة المالية التي نتجت عن فشل حاكمية مصرف لبنان الواسعة الصلاحية في التقدير واتخاذ ما تراه من تدابير مناسبة.
نعم، وبالرغم من فشل السلطات المالية والنقدية، ومعها هيئة الرقابة على المصارف العاملة تحت إشرافها، في القيام بواجباتها وممارسة صلاحياتها لتأمين سلامة النقد الوطني والنظام المصرفي معاً، رأيناهم يصرون على ذات النهج في التعيين وتم تعطيله، فما رأيكم لو اعتمدت المباريات في هذه التعيينات بحيث يجيب كل المرشحين على سؤالين:
١. ما هي الأسباب التي أوصلت النقد الوطني والنظام المصرفي إلى الكارثة التي وصلا إليها، أهي في النصوص أم في تطبيقها، وعلى من تقع المسؤولية وما هي العقوبات التي تقترحها بحق هؤلاء؟.
٢. ما هي السياسات والإجراءات والتدابير والتعديلات، التي تقترح اعتمادها على المديين القريب والمتوسط للخروج من الأزمة والحيلولة دون تكرار ما حصل؟