تشكيل الحكومة أمام المعادلة الصعبة:”لا تواضع” في مواجهة “لا تنازل”
دخل تشكيل الحكومة اللبنانية من جديد عنق الزجاجة ،على وقع ما يسمى "العقدة السنية"،بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والمؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورد فيه على مواقف السيد نصر الله.
وفي حين لا يستطيع أحد أن يقدّر الفترة التي سوف يستلزمها التأليف ،لم يعد خافيا على أحد أن تشكيل الحكومة بات معلقا على معادلة جديدة أفرزها خطابا نصر الله والحريري ،ومؤداها :"يكفي تواضعا في مواجهة يكفي تنازلا".
فالسيد نصر الله كان واضحا في موقفه الأخير عندما اعترف بأن التواضع في هذا البلد خطأ،استنادا الى قبول الثنائي الشيعي الذي يملك ثلاثين نائبا في البرلمان بستة وزراء ،وهي حصة الطائفة الشيعية في الحكومة الثلاثينية ،بينما المعيار الذي اعتمد هو وزير لكل أربعة نواب.
والرئيس الحريري يعيش تحت ضغط الشارع الذي ينصره ،بأنه قدم الكثير من التنازلات خلال السنوات الماضية ،ولا يجوز بعد اليوم أن يقدم المزيد من التنازل.
ووسط هذه المعادلة بات تشكيل الحكومة يحتاج الى معجزة ،أو الى مخرج ليس فيه رابح و خاسر ،منتصر ومنكسر ،وهو ما يسعى اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عبر تكليف رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ،مفاوضة كل الأطراف المعنية بهذا الموضوع ،فاجتمع باسيل على التوالي خلال الأيام الماضية بالسيد نصر الله والرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والنائب فيصل كرامي ممثلا النواب السنة المستقلين .لكن ما سمعه الوزير من الجميع لا يشجع على القول إن العقدة على طريق الحل ،بل تحتاج الى مزيد من التشاور والتفاوض .
حمل باسيل الى الأطراف الثلاثة المعنيين معادلة تقوم على تقديم تنازلات من الجميع.سمع من السيد نصر الله كلاما واضحا :"نحن مع توزير النواب السنّة المعارضين حتى قيام الساعة ،ولن نتراجع في هذا الموقف ،ولكن فاوضوهم ونحن نسلّم بأي موقف يتخذونه"..قال السيد هذا الكلام صراحة في خطابه الأخير في ذكرى يوم الشهيد .
الرئيس بري لا يختلف موقفه كثيرا عن موقف السيد نصر الله."راضون بما يرضى به النواب السنة ،ولن نقدم للحريري أسماء وزرائنا طالما الحزب ممسك عن ذلك".
الرئيس الحريري بعد ساعتين من اللقاء مع باسيل لم يتزحزح قيد أنملة عن رفضه،وهو يرى أن المسألة أكبر من العقدة السنية بالنسبة لحزب الله ،ما يعني أن ثمة عوائق خارجية تمنع تشكيل الحكومة .لكنه يترك الباب مفتوحا لحلول لا يبدو فيها منكسرا أمام جمهوره وحلفائه ،مؤكدا أنه من الأساس لم يتجاهل مطلب النواب السنة المستقلين ،لكنه رفض رفضا باتا توزير أي منهم ،وأنه أبلغ هذا الموقف لكل من راجعه في هذا المجال.
اللقاء التشاوري السني على موقفه ،وهو ازداد تمسكا بهذا الموقف أمس عندما بلغه أن الرئيس الحريري اتفق مع الرئيس نجيب ميقاتي على توزير سنّي موال له،وقد أعلن الحريري هذا الأمر صراحة اليوم ،"فلماذا يوزّر الحريري سنّيا لرئيس الجمهورية وسنّيا آخر للرئيس ميقاتي الذي لا تضم كتلته النيابية سنّيا سواه ،بينما يرفض توزير نائب لكتلة أو لقاء يضم ستة نواب من الطائفة السنّية ؟".
مصادر اللقاء التشاوري السنّي تؤكد أن اللقاء لن يتراجع عن موقفه ،وأنه يصر على توزير أحد نوابه ومن حصته الذاتية وليس من حصة أحد آخر ،وهو ما يرفضه الحريري بصورة مطلقة.
أمام هذه المواقف يبدو تشكيل الحكومة أمام أفق مسدود ،لكن الكل أبقى الباب مفتوحا ،خاصة وأن المفاوضات في مرحلتها الأولى تُبقي الكل على سلاحه ،وهوما يشجع رئيس الجمهورية على المضي في التشاور مع الجميع بمساعدة الوزير باسيل.
لكن مصدرا محايدا أبلغ "الحوار نيوز" أن الرئيس المكلف لم يعد في إمكانه تجاهل موقف "حزب الله" ،في حين أن تراجع الحريري سيكلفه الكثير ،وقد يكون الاعتذار خطوة أفضل بالنسبة اليه ،وهو ما ألمح اليه في مؤتمره الصحفي اليوم حين رد على سؤال حول الاعتذار قائلا:"كل شي بوقته حلو".
ويأخذ المصدر نفسه على الرئيس الحريري عدم الأخذ بنصيحة الرئيس نبيه بري عند التكليف ،وعندها كان يمكنه القول إنه فعلا "بي السنّة "في لبنان .