بقلم د. عماد عكوش – الحوار نيوز
إنهيارالدولة هو الفشل الكامل لنظام الحكم لدولة ذات سيادة ، وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى دولة فاشلة . وفي كثير من الأحيان ، هناك عملية انتقال فورية إلى إدارة جديدة ، يجري خلالها الحفاظ على الخدمات الأساسية مثل جمع الضرائب ، والدفاع ، والشرطة ، والخدمة المدنية ، والمحاكم في جميع أنحاء البلد .
قد يتزامن إنهيار الدولة مع الإنهيار الإقتصادي وقد يبدأ إنهيار الدولة بإنهيار أقتصادي كما حصل مع الأتحاد السوفياتي السابق ، كما يمكن أن يبدا الإنهيار بإنهيار إجتماعي وأخلاقي ، والذي يمكن أن يتأتى من جشع ومادية المتصدين للسلطة فتتجمع الأموال في أيدي قلة قليلة وتحول كامل المجتمع الى مجتمع عبيد .
بالنسبة لأرسطو ، كانت مخاطر الديمقراطية تكمن في أمرين :
أولًا: أن الصراع بين الطبقة الأرستقراطية والفقراء كان أمرًا حتميًا .
وثانيًا: أنها تقود إلى «الأذى والفساد». كلتا العمليتين تؤديان إلى الإنهيار ما لم تُفرض ضوابط مستقلة وتُفصل السلطات، وهذا ما لم يحصل في لبنان . كما أكد الفيلسوف اليوناني القديم بوليبيوس أن جميع الأمم تتبع دورة : الديمقراطية ، والأوليغارشية ، والديكتاتورية ، والاستبداد ، والإنهيار فهل وصل لبنان الى مرحلة الإنهيار الكامل ؟
أسباب الإنهيار :
هناك عدة أسباب تلخص مشهد الإنهيار الإقتصادي والمالي في لبنان وتفسر كيف وصل لبنان إلى هذه الحالة السيئة ، من هذه الأسباب :
– السبب الأول هو أن إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية تولاها أمراء الأحزاب فمارسوا كل أنواع الفساد خلال هذه الفترة وتحاصصوا في كل الصفقات التي تمت .
– السبب الثاني تسلط على ادارة مصرف لبنان شخصية سهلت عملية الإنهيار عبر الهندسات المالية التي قام بها ودفعه لفوائد مرتفعة على التوظيفات وصلت الى حدود 40 بالمئة ،ومن ثم دعم سعر الليرة عبر تثبيت سعر الصرف مقابل الدولار الأميريكي ومنع الإقتصاد اللبناني من أن يكون إقتصادا متحركا ومرنا يستفيد من المؤشرات الإقتصادية وعوامل التضخم والإستهلاك ومن الأدوات المالية التي يستعملها معظم المصارف المركزية في العالم .
- السبب الثالث الإدمان على الدين العام بسبب العجز الدائم التي سببته السلطة الحاكمة حيث وصل في آخر المراحل الى اكثر من 180 بالمئة من الناتج القومي وضغط هذا الدين على الموازنة من خلال خدمة الدين العام .
- السبب الرابع الأزمة السورية التي ضغطت على الإقتصاد اللبناني وحرمته من باب رئيسي من الإيرادات عبر التصدير الى العالم العربي من بوابة الحدود اللبنانية السورية البرية .
– والسبب الخامس والأخير كان العقوبات التي مارستها الولايات المتحدة الأميريكية على لبنان بشكل مباشر ،كما حصل مع بعض المصارف والتي تم إقفالها وعبر وضع بعض المؤسسات والأفراد على لائحة العقوبات ، أو بشكل غير مباشر عبر منع لبنان من إعادة النازحين السوريين الذين ضغطوا بشكل كبير على الإقتصاد والبنية التحتية اللبنانية التي لم تكن ولا هي قادرة اليوم على تحمل هذا الحجم من المقيمين على الارض اللبنانية ،ما أدى الى تدمير معظم البنية التحتية أو بالحد الأدنى جعلها فاشلة إضافة الى الضغط على شركات الطاقة لمنعها من التنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقتصادية اللبنانية .
أما كيفية وقف الإنهيار الكامل والخروج بالحد الأدنى من الخسائر ، وبأقل وقت ممكن ، وبما هو متوفر من الإمكانات ، وبالرغم من الفساد الذي لا زال مستشريا في الكثير من مفاصل الدولة ، والذي يستحيل معالجته في المدى المنظور نظرا للوقت الذي يمكن ان تحتاجه عملية الإصلاح ، ونظرا لتعقيدات النظام السياسي الذي يمنع ذلك ، وهذا الأمر لا يمكن ان ينتظر نظرا للمخاطر الوجودية التي تحيط اليوم بالكيان اللبناني .
إن وقف التدحرج المخيف في عملية الإنهيار والتي بدأت معالمها تظهر في توقف شبه كامل للقطاع العام عن العمل ممكن عبر خطوات سهلة، لكن تحتاج الى جرأة من أركان السلطة التنفيذية والتشريعية ، وتتلخص هذه الخطوات اليوم بالأمور التالية :
1- إما رفع الدولار الجمركي الى سعر المنصة وتخفيض الضريبة على القيمة المضافة الى 5 بالمئة ، أو رفع الدولار الجمركي الى عشرة الاف ليرة اليوم ودراسة مفاعيل هذا الرفع خلال الثلاثة أشهر المقبلة على الإقتصاد وسعر الصرف على أن يتم أتخاذ التدابير المناسبة بعد هذا التقييم .
2- رفع رواتب القطاع العام ثلاثة أضعاف كمرحلة أولى، ويتم اتخاذ القرار المناسب لاحقا بعد ثلاثة أشهر وبناء على التقييم الذي أوردناه في البند الأول .
3- وقف دفع رواتب القطاع العام بالكامل بالدولار الأميركي على سعر منصة صيرفة .
4- محاولة تخفيض الفارق ما بين سعر السوق السوداء وسعر منصة صيرفة الى الحد الأدنى من الهامش والذي لا يجوز أن يتعدى الخمسة بالمئة .
5- العمل على وضع نظام عمل شامل وجديد لكل القطاع العام، يتم تطبيقه على الموظفين الجدد الذين يلتحقون بالقطاع العام في السنوات اللاحقة يبين الحد الأدنى للأجور ، ويحدد بدل النقل ، المنح المدرسية ، وتوحيد نظام التقاعد، بمعنى إما أن يستحق للموظف تعويض نهاية خدمة او معاشا تقاعديا لا الأثنين .
6- فتح باب الدخول للقطاع العام بالشروط الجديدة وعبر مجلس الخدمة المدنية فقط من دون أي اعتبار لأي وساطة أو طائفة ، وهذا الأمر ضروري لملء الشواغر الكبيرة التي حصلت في الإدارات العامة أو تلك التي ستحصل لاحقا بسبب إنخفاض قيمة الرواتب ،وهذا الأمر يتحقق من خلال دراسة إحصائية مستعجلة عن عدد الموظفين الذين تركوا العمل وقدموا استقالاتهم خلال مرحلة الأزمة والتي يقدرها البعض بانها وصلت الى حدود 70 الف موظف وعامل ،ما يعني أن خفض كلفة هذا القطاع قد تم بفعل الأزمة ،لكن ما نحتاجه اليوم هو إعادة ترتيب وهيكلة لهذا القطاع لمنع التعطيل .
نعم يجب تجاوز الروتين الإصلاحي الذي أصبح القاصي والداني يعرفه والذي يبدأ بإصدار القوانين الإصلاحية والتي لا زالت عالقة في اللجان النيابية ، الى خطة التعافي والتي لم تعافي لغاية اليوم الإقتصاد الوطني ، الى الموازنات التي تتراكم لدى المجلس النيابي ولا يتم إقرارها بحجج مختلفة تساهم فيها السلطة التنفيذية التي لم ترسل هذه الموازنات إلا لترفع عنها المسؤولية ، هذه الموازنات والتي تفتقد لأدنى المعايير والقواعد الأساسية والعالمية في وضع الموازنات ، الى إصدار تشريعات جديدة لإعادة إحياء القطاع المصرفي وبالتالي الحركة الإقتصادية ، ولأننا وبشكل حاسم نؤمن بأن الإصلاح الإقتصادي في هذا البلد مستحيل دون إصلاح سياسي يوقف التحاصص والفساد والتعطيل ويبني مؤسسات رقابية وقضائية مستقلة ، وبالتالي الوصول الى مرحلة الإصلاح الجذري. لذلك ما نعرضه هو مجرد ترقيع لنمنع الإنهيار الكامل للدولة .