بقلم د.عماد عكوش- الحوار نيوز
يعاني لبنان اليوم من مشكلة تأمين الغذاء نتيجة لأسباب متعددة ، وليس آخرها أزمة روسيا وأوكرانيا، وقد تبنى لبنان بتاريخ 25 أيلول من العام 2015 برنامج 2030 وأهداف التنمية المستدامة والتي تكونت من 17 هدفا تنمويا للقضاء التام على الفقر وحماية الكوكب وضمان الرفاه للجميع . ومن بين هذه الاهداف القضاء على الجوع وتحقيق الامن الغذائي ، وانطلاقا من الازمة الحالية كثر الحديث عن الامن الغذائي، فما هو مفهوم الامن الغذائي وكيف يتحقق ؟
للامن الغذائي أبعاد أربعة :
– البعد الاول هو توافر الغذاء بكميات تكفي كل المقيمين سواء كانوا مواطنين أو أجانب .
– البعد الثاني ضمان صحة الغذاء وعدم تلوثه، وهذه الضمانة يجب أن تضمنها مؤسسة موثوقة.
– البعد الثالث هو أمكان الحصول على هذا الغذاء من حيث مكان وجوده وأسعاره ، فوجود هذه السلعة في مكان مغلق على الوصول اليه كحال ان بعض الدول التي أوقفت باب التصدير ، ودول أخرى تعاني من حروب ، وأخرى تطلب أسعارا مرتفعة لا يمكن دفعها ، كل هذه الامور تجعل الوصول الى هذه السلع أمر مستحيل وغير ممكن.
– البعد الرابع هو الاستقرار في الابعاد الثلاثة حيث ان عدم تحقق بعدٍ واحد يجعل تحقق الامن الغذائي غير ممكن.
ان تحقق الامن الغذائي يحصل عندما لا يخشى مجتمع معين من الجوع أو أن لا يتعرض له ،وهذا الامر يمكن من خلال توافر شروط أساسية منها:
– أنتاج الدولة لغذائها وفقا لحجم الطلب في السوق لديها، وهذا الامر يحقق مفهوم الاكتفاء الذاتي ،وهو هدف مفترض لكل دولة حتى لا تتعرض لأي ضغوطات خارجية ،وحتى تأمن أي خلافات دولية ومشاكل سياسية أو أمنية مع دول أخرى تقوم بتوفير هذه السلع للسوق.
– يمكن تحقيق هذا المفهوم من خلال التعاون الاقليمي والدولي كما يحصل بين دول الاتحاد الاوروبي ،او كما يحصل بين مجموعات دولية تربطها ببعض علاقات واتفاقات تجارية وسياسية وربما أمنية .
– يمكن تحقق هذا الهدف من خلال بناء مخازن استراتيجية كما حال بناء أهراءات القمح ، أو بناء خزانات النفط والوقود الضخمة تحت الارض .هذه الاستراتيجية تقوم بها الكثير من الدول ، وفي لبنان كان لدينا مخازن استراتيجية للقمح(اهراءات ). هذه المخازن كان المفروض ان تكفي حاجة السوق لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، لكنها دمرت بالانفجار الكبير الذي حصل في مرفأ بيروت.
المؤسف ان الحكومات اللبنانية لم تعمل على أي استراتيجية وتركت المواطن اللبناني عرضة لكل أنواع المخاطر ، سواء كان منها المخاطر الإقليمية، على سبيل المثال الازمة السورية واغلاق السوق السوري أمام المستهلك اللبناني ، والمخاطر الدولية كما هو حاصل اليوم مع الازمة الروسية الاوكرانية ، أو حتى المخاطر الطبيعية واغلاق أبواب الدول أمام المستهلك اللبناني كما حصل مع أزمة كوفيد 19 وما نتج عنها من اقفال بعض الدول لحدودها بالكامل ،مع العلم انه عام 1996 تم الاعلان في مؤتمر القمة للأمن الغذائي عدم جواز استخدام الغذاء كأداة للضغط السياسي والاقتصادي، لكن للاسف لم يتم الالتزام بهذا الشعار والاتفاق من قبل الدول المهيمنة على الغذاء.
في لبنان كانت حصة الناتج الزراعي من الناتج القومي في نهاية الحرب الاهلية حوالي 23 بالمئة ، وتراجعت هذه النسبة الى حدود 4 بالمئة تقريبا قبل الازمة الاقتصادية والسياسية التي بدأت في نهاية العام 2019 ، وقد عادت هذه النسبة للارتفاع مع تراجع الناتج القومي الى حدود 20 مليار دولار ،وقد بلغت اليوم حوالي 11 بالمئة وذلك نتيجة انخفاض الاستيراد وعودة اللبنانيين للاهتمام بأراضيهم واستثمارها بعد تحسن الاسعار وسهولة تصريفها محليا وخارجيا ، لكن تبقى هناك تحديات كثيرة أمام تقدم هذا القطاع منها:
– أزمة توافر المياه النظيفة للري ، ولغاية اليوم لم يتم رسم استراتيجية واضحة لمياه لبنان، وما زالت المشاريع تتعرض للعراقيل نتيجة لبيروقراطية النظام اللبناني وتشعب مشاكله.
– أهمال الارض من قبل مالكيها مع عدم وجود ضوابط وقوانين تمنع هذا الاهمال ولا تحفز على الانتاج.
– تقلبات المناخ حيث ان هذه التقلبات تمنع في الكثير من الاحيان تبني خطة عمل مستقرة. لذلك لا بد دائما من تبني خطط مرنة يمكن تعديلها مع تغير وتقلب المناخ.
– ظهور امراض فتاكة دون ان يكون هناك حكومة تقف الى جانب المزارع في مكافحته لهذه الامراض والحشرات، بل يترك المواطن لوحده وبالتالي يتحمل هو وحده كل الخسائر الناتجة عن هذه الأوبئة.
– الفساد الكبير في المؤسسات الحكومية الذي يمنع الشفافية مع المزارعين ،وبالتالي لا يشجع هؤلاء على التعاطي مع الدولة كحامي وضامن لهم في تأمين كل المستلزمات الضرورية .
– مشكلة التضخم السكاني وعدم قدرة وكفاية الارض على تأمين كافة احتياجات السكان ،خاصة بوجود مقيمين تتجاوز نسبتهم 50 بالمئة من عدد سكان لبنان.
لبنان بلد صغير في المساحة ولديه كثافة سكانية عالية جدا، ولا يملك مساحات شاسعة لزراعتها تكون كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي على كل الاصعدة ، لكن لبنان يملك جغرافية متنوعة وتضاريس مختلفة، لذلك يمكن الاستفادة من هذا التنوع ،وللاستفادة منه يجب توفر شروط أساسية منها:
– أنشاء بنية تحتية ولا سيما وسائل نقل رخيصة تساعد المزارع على تجهيز وزراعة الارض وري المزروعات ونقل المحصول وتخزينه لفترات طويلة.
– وقف تهريب السلع الزراعية من الخارج عبر ضبط الحدود واصدار قوانين صارمة بهذا الخصوص، حتى تصبح عمليات التهريب غير مفيدة وخاسرة.
– فرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الزراعية المستوردة من الخارج منعا من اغراق السوق اللبناني بسلع زراعية رخيصة وبالتالي مزاحمة الانتاج الاجنبي للانتاج اللبناني.
– تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب على الآليات الزراعية والسماد والبذور والادوية والتي لا يتم انتاج بدائل عنها في لبنان.
– أنشاء بنك لتقديم قروض للمزارع اللبناني وبالليرة اللبنانية وبفوائد مخفضة ،ويمكن تمويل هذا البنك من خلال الرسوم التي يتم فرضها على الاراضي غير المزروعة والتي يمتنع أصحابها عن استثمارها في الزراعة.
– فرز الاراضي المملوكة من قبل الدولة اللبنانية وتلك المملوكة من قبل البلديات وتأجيرها ضمن دفتر شروط واضح للمزارعين اللبنانيين وضمن حدود قصوى للمساحات الممنوحة لكل مزارع .
– الرقابة على الاراضي الزراعية لعدم اهمالها من أصحابها وبالتالي منع احتكار هذه الاراضي من قبل أطراف معينة.
في النهاية لبنان، نعم يستطيع تأمين غذائه ،لكن هذا يحتاج الى أرادة وقرارات جريئة من قبل الحكومة والمجلس النيابي واصدار قوانين مساعدة على تحقيق هذا الامر ،وهذا الامر للاسف ليس في متناول اليد في الوقت الحالي نظرا لتشابك المصالح ما بين الطبقة السياسية الحاكمة والكارتيلات التي تحتكر معظم السلع في لبنان.
زر الذهاب إلى الأعلى