ما يجري على مستوى القطاع المصرفي وتنظيم العمل المصرفي هو إرباك بكل معنى الكلمة ، والسبب الرئيسي خلف هذا الأرباك هو تمنع الجهات النافذة عن إعداد قانون شامل لتنظيم العمل المصرفي لأعتقادهم بأن ترك هذا الأمر لمصرف لبنان والمصارف التجارية يعطيهم القدرة على إبتزاز مصرف لبنان والمصارف التجارية لسحب ما يريدون نقدا" من المصارف ، بينما القانون يجعلهم محرجين أمام القانون وأمام المصارف ، وأمام الناس .
ما يجري اليوم هو إرباك بكل معنى الكلمة، فأكثر التعاميم التي صدرت لم يتم تطبيقها لغاية اليوم لوجود صدمة لدى المصارف عن معنى صدور هكذا تعاميم ضعيفة ومربكة ، فإصدار تعميم بإعطاء قروض للمتعثرين بصفر فائدة والزام المصارف على ذلك ، مع تحميل المصارف المسؤولية عنها أربك المصارف .
وتعميم تحرير بعض الودائع الصغيرة وعملية تحويلها للدولار بالسعر الرسمي ، ثم تحويلها لليرة بسعر السوق أيضا" أربك هذه المصارف وحمل في نفس الوقت خسائر كبيرة لمصرف لبنان ، وحمله مسؤولية خلق كتلة نقدية بالليرة اللبنانية يبدو انها غير متوافرة لديه مما سيرغمه على طباعة الليرة مجدداَ ، كما سيزيد الطلب على الدولار الأميريكي وهو غير متوفر في السوق وذلك نتيجة رغبة جميع من يتمكن من الحصول على وديعة تزيد عن ستة مليون ليرة لبنانية في المحافظة على هذه الوديعة لعدم الثقة اليوم بالليرة اللبنانية ، ثم ان قيام المصارف بمضاعفة القيمة عبر تحويلها الى الليرة اللبنانية تزيد من الكمية المتداولة بنسبة تزيد عن ٥٠ بالمئة في حد الأدنى.
وتقول مصادر مصرفية إن هناك تعاميم أخرى ستصدر لاحقا" بتحرير جزء أخر من الودائع ،وهذا يعني زيادة الضغط على الليرة ، وسحب مزيد من السيولة من المصارف لعدم الثقة فيها ، وبالتالي طلب أكبر على الدولار الأميركي من السوق الموازي ، وطباعة مزيد من الليرة لتلبية الحاجة من السيولة التي ستنشأ نتيجة لتحرير جزء جديد من الودائع .
هذا الأسلوب الذي يلجأ أليه مصرف لبنان هو بسبب رفض إصدار قانون واحد ينظم السحوبات المصرفية دفعة واحدة لجميع المودعين ، كما أنه نتيجة أيضا" لعدم توحيد سعر صرف الدولار في السوق ، وقيام مصرف لبنان بدوره الطبيعي وفقا" لقانون النقد والتسليف وهو العمل على استقرار سعر الصرف .
وأسباب ذلك كثيرة منها :
١- إعتقاد السياسيين والجهات النافذة في الدولة اللبنانية أنه ما دام ليس هناك قانون يلزم المصارف على تنظيم هذا الموضوع ،فإن هذه الطبقة قادرة على الضغط على المصارف لسحب السيولة التي تريدها وهذا ما يحصل اليوم .
٢- قدرة الطبقة السياسية والنافذة على تحويل سندات الخزينة المستحقة الى الدولار الأميريكي بسعر السوق وقد رأينا كيف ان المصارف اشترت حوالي ٢,٢٨١ مليار دولار من مصرف لبنان على السعر الرسمي في الثلاثة أشهر السابقة .
٣-الطبقة السياسية والنافذة تعلم ان أي قانون للكابيتال كونترول يعني تجميد الودائع بالدولار الأميريكي وتقييد السحوبات ضمن حد أقصى وجعلها بالليرة لكن بسعر السوق ، وهذا ترفضه الطبقة السياسية والنافذة في السوق اليوم .
لهذه الأعتبارات كافة نرى ان الحل النهائي والشامل ليس قريبا ، لأن الطبقة السياسية والنافذة لغاية اليوم لم تقتنغ بالحل الشامل لهذا الموضوع ، لكن في نفس الوقت هي تعلم جيدا" مفاعيل أي هيركات على ودائعها ، وأعتقد ان هكذا قانون أو تعميم يمكن أن يصدر سيكون له أثر مضاعف على ودائعهم ، إذا" لماذا الأصرار على عدم الحل الشامل ، ولماذا لا تجتمع لجنة المال والموازنة ليترافق عملها مع عمل مجلس الوزراء ، وبالتالي تواكب ما يجري من إقتراحات ،علما" انها في النهاية ستستلم هي هذه الأقتراحات لتدرسها وتقرها قبل تصديق المجلس النيابي عليها ونشرها في الجريدة الرسمية .
أخشى ان الوقت يمر بشكل لا يمكن بعدها معالجة هذا الواقع ولم يتخذ الشعب اللبناني القرار المناسب، سواء عبر ممثليه أو عبر الشارع ونصل الى وقت تنهار معه كل الحلول الممكنة.