رأي

بيروت رمز وحدة لبنان..وستبقى (محمد الجوزو)

محمد إبراهيم الجوزو*

بين تاريخ الانتخابات النيابية في 15 ايار الماضي، وموعد الانتخابات البلدية المؤجلة، والمقررة مبدئيا في 31 ايار من العام المقبل، نحو 11 شهرا، اشهرا ستنطوي من دون أدنى شك على حماوة وحرارة انتخابية بدأت معالمها تظهر سريعاً، وتتخذ في بعض المواقف اتجاهات تتجاوز المنافسة الديمقراطية، لتحاكي أفكارا وتصورات من شأنها تقسيم بيروت على أسس مذهبية مخالفة لقانون البلديات والدستور بالاساس.

لقد نصت المادة 41 من القانون رقم 665/97 أنه “يجاز لوزارة الداخلية أن تستعين بمديرية الشؤون الجغرافية في الجيش وبمصلحة الهندسة في قوى الأمن الداخلي وبدوائر المساحة وبالتنظيم المدني في جميع المناطق وبالمكاتب الهندسية الخاصة، بالإضافة إلى العناصر اللازمة من مجندي خدمة العلم، وتكليفها بتنظيم خرائط تحديد الأحياء الجديدة أو النطاق البلدي للبلديات المستجدة أو تلك التي يمكن أن تندمج أو تنفصل على ضوء العوامل الفنية والجغرافية والديمغرافية والاقتصادية التي تربط في ما بينها، على أن تتم هذه الأعمال قبل تاريخ موعد إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بشهرين على الأقل كي يصار إلى تحديد المدن والقرى والأحياء المستجدة التي ستدعى للانتخابات بموجب قرار وزارة الداخلية الذي يقضي بدعوة الهيئات الإنتخابية.”
لقد حدد القانون بوضوح أسباب أي تعديل في خغرافية البلديات، ولم يذكر الموضوع المذهبي أو الإهمال، إذا صح، كسبب موجب للتعديل، كما يطرح البعض في الآونة الأخيرة، ولو بحجج أخرى أقل إقناعاً بطبيعة الحال.

يعطي بعض القوى السياسية والكتل النيابية أولوية لموضوع تغيير الجغرافيا البلدية للعاصمة، وهو أمرٌ ينطوي على مخاطر أكيدة، بدل من العمل على تعزيز عناصر الوحدة داخل المجلس البلدي والتشجيع على إقرار برامج عمل إنمائية، تأخذ بعين الإعتبار الأوضاع العامة لبيروت وأحيائها.
من الأولى لدى القوى الحريصة على إنماء بيروت، المبادرة الى تطوير القانون نحو تعزيز سلطات وصلاحيات المجلس البلدي ضمن رؤية وحداوية، لا التحجج بأسباب ذات طبيعة مؤقتة وطارئة واستثنائية لنسف العامود الفقري لوحدة لبنان وتنوعه وعنيت وحدة بيروت وغناها على اكثر من صعيد، لاسيما الإجتماعي والديمغرافي.

وعلى هامش هذه النقاشات لا بد من تسجيل بعض الملاحظات السريعة، بما يغني الحوار ويؤسس لعقلية ومقاربة مختلفة لهذه القضية تنطلق من الوحدة بدل التقسيم.

1- إن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان حريصاً على إبقاء بيروت واحدة إداريا وتنظيميا لأنها رمز وحدة لبنان، وإن أي مساس في وحدة بيروت إدارياً، كمن يلعب بالنار لأنه ببساطة سيفتح شهية الكثير من ابناء البلدات والمدن (كبيرة وصغرة) للاستناد الى تقسيم بيروت كسابقة قانونية يمكن اعتمادها في أكثر من منطقة.

2- إن اقتراح قانون تعديل قانون البلديات الموجود في المجلس النيابي وتناقشه اللجان المختصة، يحاول مقاربة الأمور بطريقة وطنية وعلمية وديمقراطية، بحيث يتجه الى اعتماد خيار توسيع النطاقات البلدية وتوحيد البلديات والحيازات الجغرافية لمصلحة أطر إدارية كبيرة قادرة على التعامل مع الحاجات المشتركة للبلدات والمدن، كمشاريع البنى التحتية الكبرى.

3- إن جريمة إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام 2020 قد وحدت لبنان بعد أن أدى الإنفجار الى التسبب بخسائر بشرية ومادية طاولت مختلف أحياء بيروت المحيطة بمكان الإنفجار دون تمييز على اي صعيد، وتحولت بعض الأحياء الى مناطق منكوبة استدعت توحيد الجهود لتقديم المساعدة وإعادة بناء ما تهدم.
فكيف لجريمة وحدت اللبنانيين في الموقف، ووحدت جهودهم لتجاوز هذه الكارثة أن تكون سبباً للحديث عن تقسيم بيروت؟

4- إن العاصمة بيروت قد ظلمت تاريخياً في الشأن الإنمائي، فهي المدينة التي يقطنها نحو 250.000 ألف نسمة، أي نحو ثلث سكان لبنان وفق إحصاء أجرته إدراة الإحصاء المركزي في العام 2020، وهذا يستدعي بذل المزيد من الجهود لتعزيز موارد البلدية وتخصيص موازنات مركزية من الوزارات المعنية توازي حجم التواجد السكاني والمؤسساتي للمدينة.
لقد ذُكرت شواهد على بعض الإهمال في شوارع وأحياء في منطقة دون أخرى ليعلل سبب طرحه لتقسيم بيروت وبلديتها، وهو ربما لم يزر قط احياء أخرى من العاصمة، كالحمراء ورأس بيروت وفردان وطريق الجديدة وبرج ابي حيدر والباشورة وزقاق البلاط… وإذا كان يتحدث عن كونه نائباً، فعليه أن يدرك أنه نائب عن الأمة وليس نائب عن اهالي بعض الشوارع في بيروت أو في أي محافظة أخرى.

5- إن وجود سلطتين تقريرية (المجلس البلدي) وتنفيذية (المحافظ) في مدينة بيروت وأثره الإيجابي او السلبي يجب أن يناقش بروح من الإيجابية وبرؤية وطنية لا طائفية من أجل تعزيز العمل البلدي والإنمائي العام. إن القانون استثنى رئيس بلدية بيروت، عن سائر رؤساء بلديات لبنان، كسلطة تنفيذية وذلك لإعتبارات متعددة منها، ما رده البعض، الى مبدأ فصل السلطة التقريرية عن السلطة التنفيذية منعاً لإستغلال نفوذ أو سلطة، ومنها من رد ذلك الى ضرورة أن تجسد هذه التجربة الشراكة بين مكونين كبيرين في العاصمة، ومنها ما رأى فيه البعض إنتقاصاً من حق المجلس البلدي ورئيسه لأن المجلس مكون مناصفة، ولطالما كان يأتي نتيجة تحالفات وطنية عريضة وأن القرارات تؤخذ بما تمليه مصلحة المدينة، أما التنفيذ فهو مناط حصرا بطبيعة القرارات المتخذة ولا يمكن تجاوزها من أي جهة تنفيذية أخرى.

6- إن إقرار قانون اللامركزية الإدارية الموسعة واللاحصرية من شأنه أن ينهي بعض الإشكالات الإدارية ويمنح المجلس البلدي صلاحيات إضافية وإن أمر التوازن الوطني يمكن تأمينه من خلال أشكال أخرى، وليس بالضرورة من خلال تنصيب شخص بالتعيين على سلطة منتخبة.

إن بعض القوى والكتل النيابية التي تعمل لتقسيم بلدية بيروت الى بلديتين أو أكثر، كانت شريكة في معظم المجالس البدية السابقة، ولا يمكن فهم اقتراحاتها اليوم سوى استمراراً بنهج تقسيمي خطير يسير بالتوازي مع نجاحهم بتعليق البنود الإصلاحية التي نصت عليها “وثيقة الوفاق الوطني” المعروفة ب”إتفاق الطائف”.
فهل سينجح هذا النهج بتدمير ما تبقى من أمل في وحدة لبنان، أم أن إرادة اللبنانيين بالوحدة وتجاوز المحنة التي نمر بها هي التي ستنتصر؟

*عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
*بالتعاون مع الزميلة صحيفة “اللواء”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى