رأيسياسةشرق أوسط

بعد انتصار غزة:تموضع جديد لإيران(جواد الهنداوي)

 

د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص

تموضّع جديد على الصعيد العربي الرسمي والشعبي، وكذلك تجاه اسرائيل، وعلى الصعيد الاقليمي والدولي.
المنطقة، بعد انتصارات غزّة، ليس كما قبلها، وخاصة للقوى الفاعلة في المنطقة، والمتنافسة على هيمنتها، وهي ايران وتركيا والكيان الاسرائيلي المحتل والذي استّمدَ قوته، ومنذ اغتصابه لارض فلسطين، من الدعم الامريكي والغربي والرجعي اللامحدود، و سادَ على وهمْ قوته العسكرية التي لا تقهّر.

أيران هي المعني الثاني، بعد غزّة والشعب الفلسطيني، بهذا الانتصار، وخاصة في ابعاده السياسية و الاستراتيجية.
كلا المتحاربيّن (غزّة المقاومة واسرائيل المحتل) ذكرا رسمياً وصراحة ايران، ودورها في المعركة: احدهما بالحسنى، واقصد قيادة المقاومة في غزّة، حين وجه السيد اسماعيل هنيّة ، وفي بيان رسمي، الشكر والامتنان للجمهورية الاسلامية الايرانية لما قدّمته من دعم مالي وعسكري.  والمتحارب الآخر (واقصد نتنياهو) ذكرها بالذّم ،حين عرضَ، وفي مؤتمر صحفي مع وزير خارجية المانيا ،الذي كان في زيارة لاسرائيل ،جزءاً من حطام طائرة مُسيّرة ،متهماً ايران بإرسالها.
تجرّع نتيناهو مرارة و هول الحدث، وهو في حالة عجزٍ تام على الرّدْ على مَنْ كان سبباً في أنْ يُصلى كيانهِ الغاصب ب ٤٠٠٠ صاروخ ، و اقصد على ايران.
اسرائيل و امريكا و احباؤهما يدركون جيدا بانها صواريخ
ايرانية( صُنعت بمشورة و ببركة ايران )، و رُميتْ بسواعد غزّاويّة. وما هو اقسى من الادراك و اكثرُ ألماً هو عجزهم جميعاً عن الرّدْ.
في منازلة غزّة ،استطاعت ايران أنْ تثأر لعلمائها الذين اغتالتهم اسرائيل، وللشهيد زاده وللشهيد سليماني .
اسرائيل و امريكا و حلفاؤهما واصدقاؤهما،جميعهم على بينّة من دور ايران في هذه المنازلة ، ولكنهم لاذوا بالصمت تجاه ايران، لا، بل اشهر الصحف الامريكية والبريطانية و الفرنسية صبّت جّام غضبها وانتقاداتها على اسرائيل ، كما انَّ الراي العام في امريكا وفي اوروبا والعالم عبّرَ عن جزعه تجاه غطرسة وجرائم اسرائيل .لم يتحدثوا عن دور ايران وعن نفوذ ايران وعن الصواريخ البالستيَة، و لا عنْ المطلوب عمله تجاه ايران!

ماهي دلالات هذا الصمت او هذا الموقف؟
موقف او صمت اسرائيل ( حكومةً و اعلاماً و احزاباً ) يدّلُ على انشغالها بتضميد جراحها و ترميم ما اصابها من اضرار معنوية وماديّة ، وستبذل وستكرّس جهدها لداخلها ولحدودها مع غزّة ولبنان وسوريا . ادركت اسرائيل اليوم اكثر من الامس بانها مُحاطة بخصوم اقوياء، وهؤلاء الاقربون اولى بالمتابعة وبالمراقبة، ويجب الآن ان تخصص جُلَّ وقتها لا لايران، و انما للداخل الفلسطيني و لحماس والجهاد وحزب الله في لبنان وفصائل المقاومة الاخرى في سوريا والعراق و اليمن.
انتصار غزّة جعلَ الدعم الايراني لفصائل المقاومة الفلسطينية أمراً ملموساً و على مرأى و مسمع الشعوب العربية ، ولا ينكره الاّ الذين على قلوبهم أكنّة وعلى آذانهم وَقرا ، وهذا بطبيعة الحال عزّزَ نفوذ ايران في المنطقة،  وأحدَثَ للنظام العربي الرسمي حرجاً.
ازاء الرأي العام العربي والاسلامي والدولي المؤيد للحق الفلسطيني، لمْ يُعدْ اعداء وخصوم ايران يمتلكون الجرأة في توجيه تحذير، او حتى اشارة لومْ صوب ايران او صوب حليف لها في محور المقاومة، بل بعض المتظاهرين في عواصم غربية رفعوا علم جمهورية ايران و علم حزب الله بجانب العلم الفلسطيني.
الجديد في التموضع السياسي لايران في المنطقة والعالم، انهُ ( واقصد التموضع) اصبح امراً رسمياً و مقبولا، حتى و إنْ على مضضْ ، من الخصوم ومن الاعداء.
ستتجه أمريكا في التفكير، ليس بنفوذ ايران او صواريخها البالستية، وانما بكيفية التعامل والتفاهم مع ايران. وسيكون مسار بعض خصوم ايران، من دول الخليج، نحو التفاهم مع ايران ، ومن بوابة “أمن واستقرار المنطقة”.

ايضاً، الجديد في التموضع السياسي لايران هو انها ( اي ايران ) لم تمكثْ طويلاً، بدلاً عن اسرائيل، في ” منصِبْ ” العدو في المنطقة، كما ارادها الاعداء ( امريكا و اسرائيل )، وبعض الخصوم . عادت و بقوة اسرائيل، كما هي في ضمير ووجدان المواطن العربي، الى مكانها اللائق و القانوني:  ” العدو الغاصب و المحتل في المنطقة”.
ارادَ البعض، وفي مقدمتهم اسرائيل و امريكا ان تصبح ايران عدواً، بدلاً لاسرائيل ، للسلام وللاستقرار في المنطقة، و اذا بها تنجح في الامتحان، وتفوز بجعل القضية الفلسطينية بوصلتها وهدفها وقضيتها المركزية!
هل سينجح العرب باسترداد بوصلتهم وقضيتهم المركزية، ويمضون بها في مسار جديد ومختلف عن ذاك الذي أدخلَ القضية ومصير العرب في نفق الاستسلام والضعف والهوان؟
هل سيجعل التموضع الجديد لايران سبيلاً للسلطة الفلسطينية، وللرئيس محمود عباس بزيارتها او بالتواصل معها؟ وهل ستكون زيارة وزير خارجية فلسطين السيد رياض المالكي الى بغداد تمهيداً لزيارة له مرتقبة الى طهران،لاسيما وان ادارة الرئيس جون بايدن ستكون متفهمّة لمثل هذا التوجّه الفلسطيني؟
تأخرّت السلطة الفلسطينية كثيراً في ترسيخ علاقاتها مع روسيا، وفي الانفتاح صوب ايران، وكانت لنا اكثر من مناسبة لقاء مع الرئيس محمود عباس في الاعوام الممتدة من ٢٠٠٩ لغاية ٢٠١٣، وبحضور المرحوم صائب عريقات، وبعضها بحضور الوزير رياض المالكي عام ٢٠١٧، أعربنا لهم عن قراءاتنا وتوقعاتنا وعن ضرورة تعزيز أمرهم مع روسيا، والانفتاح على ايران، باعتبارهم سيكونون فواعل اساسيين في المنطقة.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى