الوزير المرتضى يطلق معركة الإسناد الثقافي من طرابلس الى القدس(زياد علوش)
د. زياد علوش – الحوار نيوز
مع تزامن “طوفان الاقصى وإعلان طرابلس الشام عاصمة للثقافة العربية”وبالقوة الناعمة، وبعد الاسناد اللبناني المقاوم لغزة بالقوة الصلبة،اطلق وزير الثقافة اللبناني القاضي محمد وسام المرتضى، وبتهديف متقن السهم من القوس باتجاه معركة الاسناد الثقافي للقدس من طرابلس بإعلانه التوأمة بين المدينتين.
ما زالت طرابلس تدهش الجميع وقد نفضت عنها بإيد محبة غبار السرديات الباطلة ،ما إن فعلت ذلك حتى بانت نفائس كنوزها المخبأة تدفعها لاسترداد دورها الذي يليق بمدينة العلم والعلماء،على عيني ساحر الثقافة اللبنانية وعاشق طرابلس الوزير المرتضى.
مع تشكل طوفان الوعي الثقافي الانساني العالمي الداعم للحق الفلسطيني اكدت الثقافة اللبنانية على لسان وزيرها وعبر مدينة طرابلس حضورها القوي في مشهدية الملحمة الانسانية الابرز في العصر الحديث الدائرة بين سردية صهيونية استعمارية وتغريبة فلسطينية عربية اسلامية انسانية مقاومة،أعلن وزير الثقافة اللبناني القاضي محمد وسام المرتضى، بمعرض الحفل الرسمي الذي اقيم بمناسبة اعلان طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام ٢٠٢٤، في قاعة المؤتمرات في معرض الرئيس رشيد كرامي في طرابلس، إقامة توأمة ثقافية بين طرابلس ومدينة القدس.
وجاء في قرار وزير الثقافة ما يلي:” القدسُ جرحٌ سماويٌّ بخاصرةِ الأرض، وشمٌ صباحيٌّ على جسدِ العتمةِ، شموخٌ يبدِّدُ كلَّ يومٍ أوهامَ الغزاة، وصلاةٌ تتردَّدُ بيضاء ما بينَ الأقصى والقيامة، هي من طرابلس على مرمى وجع، ومن لبنان على قابِ أملٍ بالتحرير وهي لدى الطرابلسيين، وكل اللبنانيين، قِبلةُ الوجوه والعيون والقلوب.
ولدى وزير الثقافةِ نبضٌ ونفَسٌ وهوية، ونداءٌ يوميٌّ إلى تخليصِها من أنيابِ أولاد الأفاعي أعداء الإنسانية.
لذلك فهو باسم الثقافة الوطنية، وباسم طرابلس عاصمة الثقافة العربية للعام ٢٠٢٤ والعاصمة الأولى والدائمة للثقافة في لبنان، وباسم أهل طرابلس، يقرّر قيامَ اتفاق توأمة ثقافية بين العاصمتين: القدس وطرابلس، والشروع في اتمام الإجراءات كافة اللازمة لإنجاز هذه التوأمة على ان يصار بعدها الى البدء بتنفيذها على ارض الواقع
وكان الوزير المرتضى قد عقد قبل يومين لقاءً عن بعد مع وزير الثقافة الفلسطيني عماد حمدان واتفق وايّاه على مبدأ التوأمة الثقافية وعلى مجمل بنودها وموادها.
وبرعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحضوره والمدير العام للمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم الدكتور محمد ولد أعمر وحشد من الوزراء والنواب والفاعليات الثقافية والدبلوماسية العربية واللبنانية والأجنبية، تم انجاز مراسم توقيع اتفاقية التوأمة، وقد قام السفير الفلسطيني في لبنان اشرف دبور بتمثيل بلاده في التوقيع على هذه الاتفاقية، في حين وقّع الوزير المرتضى عن الجمهورية اللبنانية-وزارة الثقافة.
والجدير ذكره ان اتفاقية التوأمة تتضمّن تعهّداً من طرابلس بالعمل على حماية الموروث الفلسطيني الثقافي المسيحي والمسلم في مدينة القدس من خطر مساعي التهويد الصهيونية، وعلى اقامة فعاليات ثقافية مشتركة في لبنان وفي أي مكان آخر يجري الاتفاق عليه بين الطرفين، على ان تجرى هذه الفعاليات لاحقاً في القدس بعد تحريرها، فيتسنى عندها لجميع المخلصين اقامة اعراسهم الثقافية فيها.
إن اهمية قرار التوأمة في ظل ما تتعرض له القدس من عملية تهويد مستمرة بلغت ذروتها في عهد الحكومة الاشد تطرفاً في اسرائيل تأتي في سياق عملية السعي الدولي والانساني لنبذ الإحتلال وعزله وفي المقابل العمل على تأكيد حضور مدينة القدس وما تعنية تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً كمدينة للتعايش والسلام وقد صادر الاحتلال هذا الدور ولا يزال.
أن تأتي الخطوة من طرابلس فهي ترمز الى هوية واحدة وتاريخ مشترك لمدينتين عريقتين بإصالة ثقافة ضاربة في جزور التاريخ الانساني بإصرار رغم كل التحديات على الاستمرار في السعي نحو الدور والمستقبل اللائق والمشرق.
تواجه إسرائيل راهناً عزلة دولية ودعوات للمقاطعة والعقوبات، التهديد الأكثر جدية يأتي من شكل أكثر نعومة “الثقافة” ولكنه أكثر فعالية: فهو يأتي من الأكاديميين والجامعات والطلاب، وكذلك الفنانين والكتاب…
الواقع الأكاديمي الإسرائيلي معولم مثل قطاع التكنولوجيا، وسيجد صعوبة في الحفاظ على مكانته في عالم تُرفض فيه الأعمال البحثية من قبل المنشورات الدولية، ويحرم الأكاديميون من المؤتمرات، ويتم منع الوصول إلى المنح والتبادلات. وفقًا لبعض التقديرات، هذا هو الحال بالفعل.
على المنوال نفسه ، تم حظر بعض الكتَّاب الإسرائيليين، وتمَّ إلغاء عروض بعض الفنانين الإسرائيليين. لا يخسر الفنانون الإسرائيليون والكتَّاب الكثير من هذا الحظر الدولي، لكن الضربة النفسية كبيرة – خاصة أن معظم الفنانين الإسرائيليين ينتقدون حكومتهم بشدة.
اهمية الرسالة التي اطلقتها طرابلس كعاصمة للثقافة العربية على لسان وزير الثقافة تتمثل في بعدين اساسيين الاول قبول المدن العربية التحدي المقاوم الذاتي وعلى مستوى التنسيق والتكامل فيما بينها وصناعة مستقبلها نحو اي مدينة عربية نريد في القرن الواحد والعشرون،والثاني يتعلق بمحورية القدس من هذة المشهدية بما تتطلب من خطوات وتنظيم فعاليات واجراءات سريعة وحاسمة يساعد في صمودها امام حركة التهويد،جاءت في سياقها عملية التوأمة بين طرابلس والقدس.
المقاومة ليست هدفا في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لتحقيق أهداف المجتمعات وتطلعاتها إلى الاستقلال والتقدم والإصلاح، ذلك أن مقاومة الاحتلال لا تكون ولا تنجح إلا في حالة ثقافية عامة قائمة على الحرية والاستقلال على اساس من العدالة والانتاج.
وفي عام 1871م قدم إدوارد تيلور تعريفًا لهذا المفهوم، فاعتبره “ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بصفته عضوًا في مجتمع”.
يفترض في ثقافة المقاومة أن تطالب بالديمقراطية والتنمية، وهي في الوقت نفسه ملزمة بمواجهة الاحتلال والاستلاب، وهنا يجب أن تأخذ ثقافة المقاومة أوضاعا جديدة وتخوض جبهات مختلفة، وألا تستدرج لتتحول إلى مواجهة التقدم والحداثة.
إن الاحتلال في حقيقته وجوهره هو عملية ثقافية، فالمعرفة هي جوهر السلطة، والاحتلال باعتباره سلطة هو في الأساس عملية ثقافية ومعرفية أكثر مما هي عسكرية، وقد ارتبطت بالاحتلال والاستعمار الحديث علوم ومعارف وثقافات تطورت مصاحبة له، وكان للاحتلال بأشكاله وصيغة المختلفة المباشرة وغير المباشرة أدواته المعرفية والثقافية.
ومن ثم فإن مقاومة الاحتلال والهيمنة هي في الأساس عملية ثقافية مضادة، تسعى لتشكيل ثقافة بديلة، لأن الهزيمة ليست عملية عسكرية أساسا، ولكنها قبول المغلوب بالهزيمة.
وحين يكون ثمة ثقافة احتلال مصاحبة فلا بد من وجود ثقافة مقاومة، وهي ثقافة راسخة وحاضرة دائما في التراث والتجارب العربية والإسلامية، وقد رافقت عمليات النهضة والمقاومة ثقافة مقاومة أدت في معظم الحالات إلى غلبة الاحتلال ودحره.
*كاتب صحفي ومحلل سياسي