هجوم أميركي على سوريا بعد غزة ولبنان..مقدمة لكامل المنطقة!(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ان اميركا تتقدّم في الشرق الاوسط عبر هجومها المضاد ،لإعادة السيطرة وتثبيت إسرائيل، كقاعدة مركزية في الشرق الأوسط، وللقضاء على حركات المقاومة ودولها وقياداتها في عملية إجتثاث شاملة ، تشابه الحرب الأميركية لإجتثاث “الشيوعية” والتي نجحت فيها. وتعتقد اميركا انها حقّقت نجاحات ثمينة في فترات زمنية قصيرة ،مقارنة مع حروبها في فيتنام وافغانستان والعراق والمواجهة الناعمة والساخنة احياناً مع إيران لأكثر من 40 عاما بعد الحرب العراقية عليها.
استغلّت اميركا الفرصة الذهبية لإنشغال المقاومة ،بالتصدي للإجتياح البرّي والجوّي الإسرائيلي، ما استدعى حشد كل قواتها في لبنان وقلّل من امكان حضورها الفاعل في الميدان السوري والذي لعب دوراً اساسياً طوال عشر سنوات ،ما يجعل المقاومة امام خيارين:إما تدعيم جبهة لبنان والذي سَيُحدث فراغاً معنوياً ومادياً في الميدان السوري، او الانتقال الى سوريا ما سيفرغ ساحة لبنان ويفتح الطريق امام إستكمال الإجتياح البري الإسرائيلي ويستفيد المشروع الأميركي بمرحلته الثانية من غياب قادة المقاومة الذين قادوا المرحلة الأولى من المواجهة في الربيع العربي (السيد الشهيد، سليماني، ابومهدي المهندس،السنوار وأغلب القيادات الميدانية).
يتقدّم الهجوم الأميركي بعد إسقاط غزة والحرب على لبنان والتي انتهت (مؤقتاً)نتيجة الصمود الأسطوري للمقاومة “بإتفاق الضرورة” الذي يمكن تسميته “الهدنه غير المضمونة “،لأن مصلحة التحالف الأميركي-الإسرائيلي، استوجبت قبولهما بوقف النار في هذه اللحظة من دون التوغل أكثر، بسبب الفشل الاسرائيلي في هزيمة المقاومة، ولكسب اميركا ثماراً سياسية في الداخل اللبناني ومباغتة الدولة السورية بالهجوم الشامل ضمن التحالف الأميركي-الإسرائيلي،التركي-التكفيري )متعدّد الجنسيات بعد هدوء ومساكنه لأكثر من ثلاث سنوات بهدف أسقاط الساحة الثالثة للمقاومين (سوريا) بعد غزة ولبنان.
يهدف الهجوم الاميركي في سوريا، لتحقيق اهداف عجز عن تحقيقها طوال 10 سنوات من الربيع العربي، ويرى ان اللحظة مناسبة، لتحقيقها بوقت قصير وبخسائر قليلة، ليست من عديد جيوشه، وانما من جماعات تكفيرية يجمعها من كل العالم وبتمويل عربي ، لاصطياد الطريدة السورية من دون خسائر مالية او بشرية، بل على العكس،فقد جنى أرباحاً سياسية واقتصادية من سرقة نفط سوريا وثرواتها.
أما هذه الاهداف القديمة والجديدة، فيمكن تلخيصها بالتالي :
– قطع طريق الإمداد على المقاومة في لبنان بطريقة ميدانية، بالتلازم مع تنفيذ “إتفاق تشرين” والتي يعرف الاميركيون عدم فعاليته الكاملة ،لأن أي رقابة او تفتيش لن تمنع تهريب السلاح الى لبنان، ولابد من قطع الطرق داخل سوريا والسيطرة على جغرافيا محاذية للحدود اللبنانية-السورية من جماعات غير النظام (التكفيريون)، مع محاولة دعم جماعات إسلامية في الشمال اللبناني بقيادة تركية، للتكامل مع الجماعات التكفيرية في سوريا، وإقامة منطقة عازلة في لبنان وسوريا ،لمنع التهريب واستنساخها في منطقة البقاع الغربي والمصنع والقرى “السنّية” التي يحتشد فيها النازحون السوريون.
– الضغط على النظام في سوريا لتطويعه وتدجينه وارغامه على الإنفصال الكامل عن محور المقاومة ،لاعتقاد أميركا وبعد التجربة ، ان عدم سقوط سوريا بيدهم يعني عدم سقوط النظام العربي كاملاً ،بالإضافة لقطع الطريق امام التطبيع العربي -الإسرائيلي والمبايعة لأميركا ،لأن بقاء سوريا سيجمع معها بعض الدول العربية المعارضة للتطبيع مع اسرائيل او يبقيها على الحياد، ما يجعل عمليه التطبيع منقوصة، حتى لو كان كل الخليج مندمجاً فيها(فهو قوة مالية غير عددية وغير فكرية) ولأن ثلاثية (سوريا والعراق ومصر) ما زالت تشكل الرأي السياسي العربي الميداني والفكري. وتميل اميركا لتطويع النظام وتأديبه وعدم اسقاطه ،كما حصل في ليبيا ،لأن إسقاط النظام لن يجعل كل سوريا بيد اميركا وستبقى جغرافيا موالية للعراق وللمقاومة في لبنان ،ما يُفشل المشروع الأميركي، لحصار المقاومة في لبنان وتأمين الأمان لإسرائيل على جبهة سوريا.
ان إستراتيجية الهجوم الأميركي تعتمد على مخطط “إستفراد الساحات ” وقتالها منعزلة عن بعضها وإسقاطها واحده تلو الأخرى، والإعتماد على التحالفات كما في غزة، حيث تحالف الاميركيون وإسرائيل والغرب والعرب والأتراك والسلطة الفلسطينية وشيوخ الأنظمة. وفي لبنان تكرّرت نفس التجربة لتحالف اميركي –غربي-إسرائيلي مع بعض القوى السياسية اللبنانية، وحياد عربي ظاهري. والآن في سوريا يعيد التحالف الامريكي العالمي هجومه على سوريا للإنتقال الى العراق وبعدها للوصول الى الرأس ( إيران) خلال سنة او سنتين وفق المخطط الأميركي.
يقاتل المقاومون بشكل اسطوري في ساحاتهم ،لكن “الحوت الأميركي” يبتلعهم الواحد تلو الآخر،بسبب قتالهم المنفرد، ولعدم تكافؤ القوى وبقاء روسيا والصين خارج قطار التحالف الحقيقي والشامل. وفي حال نجاح المشروع الأميركي في الشرق الاوسط ،سيتقدم نحو روسيا بعد استنزافها بالحرب الأوكرانية-الروسية، ومن ثم الصين لإعادة منظومة (القطب الاميركي الأوحد) الذي يحكم العالم!
لم تنته الحرب في لبنان، وعلينا التعايش مع سنوات عجاف قادمة تستوجب الإستفادة من حرب الشهرين الماضيين وتغيير سلوكياتنا والإكتفاء بالضروري والتنازل عن الكماليات ..والإكتفاء بالترميم الضروري اللازم .