المغرب يدفع ثمن خطيئته الجزائرية(هبة داودي)
هبة داودي* – الجزائر
أفضت التراكمات التي شهدتها العلاقات على محور الجزائر- الرباط، الى طريق مسدود وقطيعة في العلاقات الدبلوماسية، امتدت ارتداداتها الى عدة جبهات وأصعدة، عكسها الإعلان الصادر في 18 أغسطس الماضي، خلال الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للأمن الذي ترأسه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، والذي اعتبر أن “الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضدّ الجزائر، تطلبت إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية”, ومنه الاعلان عن قرار الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب .
وحددت الجزائر السلوك العدائي للجار الغربي، تجاه الشقيقة الكبرى الجزائر، في عدد من الملفات الخلافية، بعضها ظل مطروحا على الطاولة، في سياق متواصل خلال سنوات 2000، فالى جانب عمليات التهريب المستمرة من المغرب إلى الجزائر، لاسيما ما تعلق بالمخدرات، والتي تعد أحد الأسباب الرئيسية التي وقفت حائلا دون الوصول إلى حل يضمن فتح الحدود البرية، فإن الرباط ما فتئت تعتبر الجزائر طرفا مباشرا في قضية الصحراء الغربية، رغم أنها دأبت في إطار أممي على خوض جولات من المفاوضات مع جبهة البوليساريو على اعتبارها الممثل الوحيد والشرعي لشعب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، ففي 2013، أعلن المغرب سحب سفيره لدى الجزائر، بدعوى رئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الى اجتماع “مؤتمر دعم الشعب الصحراوي”، في عاصمة نيجيريا، أبوجا، وفي نوفمبر من نفس السنة تم اقتحام القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء المغربية، وتم تنكيس العلم الجزائري عشية الاحتفال بعيد الثورة الجزائرية ، أي في الفاتح من نوفمبر 2013، في استفزاز واضح وصريح، لتقرر الجزائر ردا عليه، مقاطعة الاجتماعات والنشاطات السياسية التي قد تقام مستقبلا على الأراضي المغربية.
وفي أبريل 2017، سعى المغرب الى اثارة مشكل آخر، من خلال الادعاء بأن أوضاع نازحين سوريين على الحدود مع الجزائر، كانت سيئة، وفي اليوم التالي ردت الخارجية الجزائرية باستدعاء السفير المغربي لإبلاغه رفضها لما اعتبرته ادعاءات المغرب على الجزائر.
وفي يونيو 2020، غادر القنصل المغربي الأراضي الجزائرية، بطلب منها، على خلفية أزمة أثارها، ففي منتصف شهر مايو، استدعت الخارجية الجزائرية السفير المغربي لحسن عبد الخالق، احتجاجا بعد تداول مقطع فيديو لقنصل الرباط بمدينة وهران احرضان بوطاهر، وصف فيه الجزائر “بالبلد العدو”، خلال لقاء مع أفراد من الجالية المغربية.
وفيما حاول المغرب توظيف قضية إخلاء المزارعين المغاربة لمنطقة “العرجة” الحدودية، وايحاء الرباط بإعادة احياء قضية الملف الحدودي، رغم أن اتفاق ترسيم الحدود بين الطرفين يعود الى سنة 1972، وتم بين الرئيس الأسبق الراحل هواري بومدين والعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، وما ان هدأ الملف، حتى برزت إلى العلن مضاعفات الكشف عن استخدام واسع النطاق لبرنامج التجسس “بيغاسوس” الاسرائيلي، شهر يوليو الماضي، حيث اعتبرت الجزائر أن هنالك قرائن وأدلة تشير الى انخراط مغربي في استغلال البرنامج واستخدامه لاختراق هواتف شخصيات ومسؤولين جزائريين.
وما زاد من حدة الاحتقان وضاعف من التراكمات، هو تلك التصريحات التي أطلقها المندوب الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، والذي قدم ورقة إلى حركة عدم الانحياز يدعوها لمعالجة ما وصفه بـ “تصفية الاستعمار في منطقة القبائل” في الجزائر و”تقرير المصير للشعب القبائلي”، واصفا منطقة القبائل بأنها “خاضعة للاستعمار الجزائري”، متجاوزا كل حدود اللباقة الدبلوماسية، في تعد صارخ على السيادة الترابية للجزائر، الأمر الذي تمت ادانته بشكل رسمي.
وجاء ذلك في وقت عمد فيه المغرب الى تطبيع علاقاته مع الاحتلال الاسرائيلي، في ظل مقايضة سياسية مع الإدارة الامريكية السابقة برئاسة الجمهوري دونالد ترامب، للحصول على اعتراف واشنطن بالسيدة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية، وإنشاء خط عسكري مغربي -اسرائيلي موجه ضد الجزائر، كما جاء في سياق تصريحات أطلقها وزير الخارجية الاحتلال الاسرائيلي، يائير لابيد، خلال زيارته الرباط، في 11 أغسطس الماضي، حينما منحته المملكة المغربية منصة لاطلاق تصريحات واتهامات واهية ضد الجزائر، معتبرا أن الدور الجزائري في المنطقة يشكل مصدر قلق لتل أبيب، وأن الأحيرة ترى بعين الريبة لما قال انه “تقارب على محور الجزائر – طهران”.
بعد أن بلغ السيل الزبى، وتجاوز النظام المغربي كل حدود التعاملات السياسية، كان لزاما على الجزائر وضع حد لتجاوزاته، ما أدى الى الاعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية، ليطل رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني، متباكيا ومؤكدا أن نظام بلاده ضحية لتصريحات “الجلاد” والذي هو المندوب المغربي في الامم المتحدة، وتبرأ من تصريحاته المعادية للجزائر، مشددا على أنها تلزم شخصه فقط، في محاولة لتقديمه ككبش فداء.
الا أن عمر الهلال، عاد مرة أخرى الى اطلاق تصريحاته، مكررا ما اسماه “جمهورية القبائل” ليؤكد مرة أخرى على دعم نظام بلاده لحركتي “الماك” و”رشاد” المصنفتين ارهابيتين من قبل الجزائر، ضاربا بتصريحات سعد الدين العثماني عرض الحائط، وهو ما لم يحسب له هذا الأخير حساب، فنظامه الذي أوعز اليه حيلة “التباكي على الأطلال” و”المغلوب على أمره”، بعد أن أخلط قرار القطيعة أوراق وحسابات المملكة المغربية، جعله هو في حقيقة الأمر “كبش الفداء” وليس خادم الاحتلال الاسرائيلي، عمر الهلال.. فيداك أوكتا وفوك نفخ، ولم يعد الهلال الا ورقة محروقة من ماضي نظام المملكة.
وتجلت القطيعة في عدد من الجوانب، ومن بينها توجه الجزائر نحو التخلي عن خيار توظيف واستغلال أنبوب الغاز المار عبر المغرب والمعروف تحت اسم “أنبوب غاز المغرب العربي أوروبا “، والذي كانت تستفيد منه المغرب عبر حقوق العبور وأيضا بالحصول كميات من الغاز، مقابل قرار تغطية جميع إمدادات الغاز الطبيعي نحو اسبانيا عبر خط غاز “ميدغاز”، الذي يربط البلدين بشكل مباشر.
وجنت المغرب نحو 55 مليون دولار كحق مرور عام 2020، وبلغت أعلى مستوى لها في 2014 بحوالي 200 مليون دولار، كما استفيد المغرب من حوالي 500 مليون متر مكعب من الغاز .
والى جانب تبعات تعليق امدادات الغاز، وعدم الاعتماد على الأنبوب المار عبر المغرب، فإن انعكاسات أخرى تمتد الى الجوانب التجارية، علما أن حجم المبادلات التجارية بلغ عام 2020 حوالي 592 مليون دولار أمريكي، حيث تعد الجزائر من بين أهم الشركاء التجاريين في افريقيا، بل قاربت حجم المبادلات عام 2016 نحو 795 مليون دولار أمريكي.
*اعلامية جزائرية