المشروع الأميركي -الاسرائيلي الجديد بعد الفشل في إسقاط النظام : تجزئة سوريا وتقسيمها(جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي- الحوار نيوز
لمْ تتوقف أميركا ،ومن أجل مصالح اسرائيل ،عن ممارسة جرائمها ، في دول ومجتمعات منطقتنا ، ومن بين تلك الجرائم ،الارهاب و الاحتلال والحصار والدولار ، و بوسائل مختلفة ومتنوعة ، تتلاءم مع حالة كل دولة ، و علاقاتها بها ،حليف ،عدو ،خصم ،صديق .
ففي سوريّة ،مثلاً ، عملت ،بكل ما في وسعها ،وبتعاون مع اسرائيل ومع حلفائها في المنطقة، في ادارة الارهاب ، عام ٢٠١١ ، وكان شعار الارهاب حينها ، هو نشر الديمقراطية والرفاهيّة ، و انقاذ الشعب السوري ، و كانت مدينة درعا ، جنوب سوريّة ، نقطة انطلاق مشروع “الارهاب الديمقراطي” ، وكانت منظمة داعش ، هي التي تدير المشروع الديمقراطي بالقتل والذبح وتهديم الاثار وسرقة الثروات و استباحة المقدسّات ،جوامع ،كنائس ، مراقد ،قبور الخ … وكانَ حلفاء أميركا في المنطقة منغمسين في المشروع ،ومتحمسين له ، إمّا سوقاً وإمّا أيماناً بديمقراطية سوريّة و رفاهيّة شعبه !
فشلَ المشروع ، و تشتّت اركانه ، وكُشِفتْ سرّياته ، وفتحَت مؤسسة ” الحضن العربي ” بابها الى سوريّة مجدّداً ، ويستطيع الحضن العربي ، والذي سعى عام ٢٠١١ ، الى رفاهية وديمقراطية وحقوق الشعب السوري ، أنْ يبذل جهده الآن ،وبالتعاون مع الجمهورية العربية السوريَة الى العمل من اجل الدفاع عن حقوق الشعب السوري في العيش دون حصار أميركي و دون احتلال أميركي ،والدفاع عن ثروات الشعب السوري ،التي تسرقها علناً أميركا .
بعد مضي اكثر من عشر سنوات على المشروع الارهابي الأميركي الاسرائيلي ،الفاشل ، على سوريّة ، تعود الآن أميركا ، ومن خلفها اسرائيل والصهيونية العالمية ،الى سوريّة مجدّداً بمشروع آخر ، يختلف عن المشروع الاول الداعشي ،في ادواته ،ولكنه لا يختلف عنه بأهدافه . فما هو هذا المشروع ؟
السويداء ،جنوب سوريّة وعلى الحدود السورية الاردنية الاسرائيلية ، هي نقطة انطلاق المشروع ، وهدفه الاول ،المطالبات الشعبيّة والمُحقّة في تحسين ظروف المعيشة التي تتحّول الى مطالب سياسيّة وتنادي بالانتقال السياسي . وأميركا تدخلُ على الخط ، بشكل علني و مباشر ، و السيناتور الأميركي هيل يجري اتصاليّن مع الشيخ الهجري ،احد واقوى مشايخ الدروز في السويداء ، يكثف اتصالاته مع اعيان المدينة من الدروز ، وخاصة مع الشيخ حكمت الهجري ، وتصريحات أميركية وبريطانية تحذّر الدولة السوريّة من استخدام العنف في قمع الاحتجاجات .
غالبية سكان السويداء هم من الدروز ( اي اقليّة ) ، و لا احد يجهل كيف توظّف أميركا و الغرب كيان الاقليّة في منطقتنا لاهداف سياسيّة ،تخدم اهداف و مشاريع أميركا والغرب ،سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً ، و مثال الاقليّة الكرديّة في بلدان المنطقة خير شاهد (العراق ،سوريّة ،ايران ،تركيا ) ، والنصف الآخر مَنْ الدروز هم في هضبة الجولان المحتلة ، وشخصيتهم المُوثر روحياً و سياسياً هو الشيخ موفق طريف ، والذي تربطه علاقة صداقة مع رئيس وزراء كيان العدو الاسرائيلي . وتجدر الاشارة ،الى ان السفير الروسي في اسرائيل ” اناتولي فيكتوروف ” ،التقى يوم ٢٠١٣/٩/١٥ ، الشيخ موفق طريف . تركّز النقاش على الوضع والاحتجاجات في السويداء . عندما يلتقي السفير الروسي في اسرائيل بالشيخ طريف ، والذي تربطه علاقة شخصية ووديّة مع الشيخ حكمت الهجري في السويداء ، و اللقاء تّمَ بعناية الحكومة الروسية والاسرائيلية ،يعني انَّ الاحتجاجات في السويداء ،والذاهبة الى التصعيد والانتشار لها علاقة بأسرائيل ! ماهي طبيعة هذه العلاقة ؟
ليس فقط ضغط أميركي -اسرائيلي لكي تقّدمْ سوريا تنازلات في موضوع أمن اسرائيل والسلام معها ، و انما ايضاً فكرة لاستقطاع السويداء وجعل حالها حال شرق الفرات ، والمحتل من قبل قسد والقوات الأميركية ،لأن السويداء ستكون بمحاذاة او ملاصقة للطريق الاستراتيجي المزمع مدّه ليربط الهند باوروبا عبر السعودية والامارات والاردن واسرائيل ، ومِنَ الضروري جداً ان يكون هذا الطريق الاستراتيجي مؤمّناً ، و تأمينه ممكن بخلق كيان منفصل عن سوريّة ومتواطئ مع المخططات الاسرائيلية الأميركية . أحد شيوخ الدروز في السويداء ،وهو سليمان عبد الباقي ، أكّدَ على انه ،والشيخ حكمت الهجري ، مصممان على اخراج حزب الله و ايران من سوريّة ،ذات المطالب الاسرائيلية .
الاحتجاجات في السويداء تتجهّ للتصعيد و بدعم أميركي اسرائيلي واضح ، ولا نستبعد ان تقوم أميركا بفرض حظر جوي على محافظة السويداء ومحيطها ،كي تحول دون استخدام الطيران السوري ، وكي تهيئ المحافظة ومحيطها الى مستلزمات الانفصال. الامر متوقف بطبيعة الحال ،على تطوّر الاوضاع الميدانية ، وخطط الحكومة السورية ، وعلى الموقف الروسي ، وموقف محور المقاومة .
قسد ( قوات سوريّة الديمقراطية ) تحّلُ محل داعش اليوم في تنفيذ المخطط الأميركي الاسرائيلي ، وتتلقى دعماً عسكرياً ولوجستياً من القاعدة الأميركية في تنف ، وتقوم والقوات الأميركية بسرقة النفط والمحاصيل الزراعية . أميركا استبدلت قوات داعش ،والتي كانت تسيطر على دير الزور ومناطق شرق الفرات ، بقوات قسد .
بعد فشل أميركا وحلفائها في مشروع اسقاط النظام ،اصبحت الاولوية لهم تجزئة سوريا او تقسيمها ، الى تجمعّات عرقيَة ، اي ترسيخ ماهو حاصل في الواقع والميدان :تجمّع كردي في شرق الفرات مدعوم كردياً و أميركياً ، وتجمعّ درزي في السويداء وله امتداده في هضبة الجولان المحتلة . سيدعم بطبيعة الحال ،محور المقاومة ( حزب الله ،ايران ) سوريّة في احباط المشروع ، وليس في مصلحة تركيا ان يصبح قسد كياناً كردياً ،على غرار اقليم كردستان .