رأي

المراسيم الجوالة بين الضرورة والدستورفي ظل حكومة تصريف الأعمال (حكمت مصلح)

 

بقلم حكمت مصلح*- الحوار نيوز

نصت المادة 65 من الدستور في فقرتها الأولى حول صلاحيات ومهام مجلس الوزراء ، وهي ( وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها ). ووفقا للمادة 56 من الدستور “لرئيس الجمهورية حق اصدار المراسيم والاعتراض عليها”.

اذن مجلس الوزراء هو من يقر السياسة العامة في البلاد بجميع المجالات. هذا الموقع المميز الذي منحه الدستور لمجلس الوزراء سوف يتحول عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة الى تصريف الأعمال بالحدود الضيقة، وذلك وفقا لنص المادة 64 الفقرة الثانية منها ( ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال ).

ذهب البعض إلى القول، استنادا إلى ما سبق، إن صفة المجلس تزول عن مجلس الوزراء  عندما تصبح الحكومة في مرحلة تصريف أعمال ،وبالتالي لهذه العلة وغيرها اعتمد الاتجاه الى حظر اجتماع مجلس الوزراء .

وذهب فريق آخر الى أن حكومة تصريف الأعمال لا يذهب عنها وصف مجلس الوزراء، وبالتالي يحق لها الاجتماع لعلة دستورية وتنظمية، وهي استمرار وانتظام عمل المؤسسات. وأصحاب هذا الرأي يستندون بذلك الى نص الدستور في المادة 62 ( في حال خلو سدة الرئاسة الى أي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزرار) .فالنص يعني أن الحكومة تبقى قائمة وترث رئيس الجمهورية، في ما يتصل بصلاحياته الاجرائية دون سواها من صلاحيات .

ونحن نؤكد بل نميل الى هذا الرأي الأخير، وأيضا نلتزم وندعو الجميع الى الالتزام بالتوصية التي أطلقها مجلس النواب في تشرين الثاني 2022 حول أن الحكومة قائمة وتعمل في حدود تصريف الأعمال، مع تأييدنا للجنة المنبثقة عن مجلس الوزراء ( الوزراء القضاة ) التي تتولى تحديد ما هو ضروري وما هو غير ضروري بغية عقد جلسة وعرضها على مجلس الوزراء .

وبين هذين الرأيين تعطلت أهم مؤسسة دستورية في البلاد، وهي مجلس الوزراء، وصادف هذا التعطيل مع خلو سدة الرئاسة. ووقف الجميع أمام آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، فتوصلوا الى فكرة قديمة جديدة وهي المراسيم الجوالة.

 وهنا  نود أن نشير الى بعض الحقائق حول المراسيم وهي :

1 – المراسيم الجوالة  بدعة دستورية نتجت عن الانقسام والصراع بين اللبنانيين، عندما تعذر التلاقي والوصول الى مقر واحد لعقد جلسة متواصلة .

2 – فرضت الحالة الأمنية هذه المراسيم ولاسيما في نهاية عهد أمين جميل .

3 – المراسيم الجوالة في السابق اعتمدت عندما كان هناك رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة وحكومة مكتملة الأعضاء والصلاحيات .

  4 – المراسيم الجوالة رفضتها حكومة بشامون الاستقلالية . وبعد التشاور قررالرئيس صبري حمادة عدم التوقيع على المراسيم كونه رئيس السلطة التشريعية وقررت الوزارة عدم ارسال أي مرسوم ولو خلسة الى معتقلي قلعة راشيا خشية وقوعها بيد الفرنسيين .

وبذلك تكون المراسيم الجوالة لها حيثيتها وواقعها التاريخي، لتبقى حسب رأينا مراسيم  غير دستورية، فضلا عن أننا نتوجس الخيفة من تلك المراسيم. فهي تذكرنا بأيام الحرب يوم تعذر على اللبنانيين التلاقي .ولكن في مرحلة تشتد فيها أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية ويخشى من الفراغ على مستوى القيادات الأمنية، يصبح من الضروري انعقاد مجلس الوزراء. فالاصرار على المراسيم الجوالة يعني ان هنالك من يتربص شرا بالبلاد والدستور، فيعمل خلافا لتوصية مجلس النواب وخلافا لحالة الضرورة. المهم لدى هذا الفريق الا تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء ، مع علم هذا الفريق أن ( الوزارة تتكون بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ) وذلك وفقا للمادة 95 من الدستور. فحري بهذا الفريق أن يترفع عن الغرضية والطائفية الضيقة وينطلق لحاجات الناس و تلبيتها .

*استاذ جامعي وباحث في القانون الدستوري

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى