اللامبالاة العربيّة المقصودة!
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب رامي الريًس في صحيفة نداء الوطن يقول:
ثمّة صورة جديدة ترتسم في المنطقة العربيّة والشرق الأوسط. حرب غزة تعيد حياكة التوازنات الحساسة في هذه المنطقة المضطربة من العالم وفق معطيات جديدة، عنوانها الأبرز شبه الغياب العربي التام عن المشهد، جماعيّاً وافراديّاً، إذا جاز التعبير.
لا يهم ما إذا كانت هذه الحالة من اللامبالاة العربيّة هي وليدة قرار إرادي أم نتيجة تآكل النفوذ العربي بسبب أولويات أخرى مختلفة تماماً عما يجري راهناً في المنطقة. ولكن، يمكن القول، بكل أريحيّة، إنّ النتيجة تكاد تكون واحدة. الاهتمام العربي الأكبر هو من دول «الطوق»، لبنان والأردن ومصر، كل من موقعه ومن اعتباراته الخاصة.
صحيح أنّ اللجنة الوزاريّة المنبثقة عن القمّة العربيّة الأخيرة التي عُقدت في الرياض تواصل حراكها الدبلوماسي، إلا أنّها لا تملك أيّاً من أوراق القوّة، ليس بسبب عدم توفرها، إنما لعدم الرغبة في استخدامها. وعلى عكس ما يظن كثيرون، ثمّة عوامل قوة عديدة، غير ورقة النفط التي استخدمت لمرة واحدة سنة 1973، ولها قراءة خاصة ومستقلة في التاريخ والتأثير الجيوسياسي والاستراتيجي.
واضحٌ أنّ العرب «الأقوياء» لا يرغبون في استخدام أوراق القوة السياسيّة والاستراتيجيّة التي هي في حوزتهم، وهذا يعود لاعتباراتهم ومصالحهم؛ لكن الأكيد أنّ الامتناع عن الضغط في سبيل حل عادل وجذري للقضيّة الفلسطينيّة لن يجلب الاستقرار للمنطقة، لأن تجربة «الالتفاف» على هذه القضيّة المحوريّة أثبتت أنّها تبقي المنطقة في حالة من الغليان حتى ولو خفت الاهتمام مرحليّاً بقضيّة فلسطين ومن ثم عاد وارتفع.
الاهتمام العربي المنقوص يجعل موازين القوى تميل بشدة لمصلحة إسرائيل لناحية التفوق العسكري، وكميّات الدعم الهائل الذي تلقته تل أبيب من واشنطن وحلفائها الغربيين يؤكد أنّ الغرب لن يسمح بسقوط إسرائيل مهما كان الثمن، وهو كاد يتناسى تماماً الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة في سبيل نجدة الكيان الصهيوني، من دون التطرق هنا إلى سياسة المعايير المزدوجة التي ارتكز عليها الغرب في رفض الاحتلال الروسي لأوكرانيا والتغاضي تماماً عن الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين منذ أكثر من سبعة عقود دون طائل.
ولكن السؤال الأساسي يتصل بمدى قدرة إسرائيل على ترجمة أي «انتصار» لها في قطاع غزة (وهو ما لم يتحقق بعد أقله بالمعنى العسكري الضيّق)، إلى خيارات سياسيّة تتمكن من خلالها (ومن وجهة نظرها) من القضاء على الحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة المشروعة بقيام الدولة المستقلة القابلة للحياة.
ليس هناك في المشروع الصهيوني ما يتيح قيام هذه الدولة، والتطرف الاسرائيلي آخذ في التوسع والتعمق في كل مكونات المجتمع الإسرائيلي الذي صار يشهد قمعاً من الدولة ومن هيئات المجتمع الأخرى لأي أصوات، حتى لو كانت يهوديّة، ترفض الإرهاب الذي تمارسه الدولة وتطالب بالسلام. عمليّاً، ليس هناك من يريد السلام في إسرائيل وهو ما عكسته الحكومات المتلاحقة من خلال سعيها الحثيث لتغيير الواقع الميداني على الأرض عبر زرع المستوطنات في الضفة الغربيّة فضلاً عن السيطرة التامة على الأراضي الفلسطينيّة التي احتلت في العام 1948.
لقد ساهم الموقف الشعبي الفلسطيني الرافض لمغادرة أرض غزة، رغم كل القتل والدمار في الحيلولة دون وقوع نكبة جديدة، ولعل الخوف من تكرار مشاهد 1948، جعل شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني أن تفضل الموت والاستشهاد على ذل اللجوء وتكرار التجارب القاسية مع ما تحمله من سلب للحريات والحقوق.
إنّ تشكيل مشروع وطني فلسطيني جديد يبدو حاجة وضرورة وأولويّة بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهذا يعود للفلسطينيين أنفسهم ليقرروا بشأنه وليس لأي أطراف أخرى.