العراق عّوضَ الكويت عن الغزو.. فمَنْ يعوّض العراقيين عن الغزو الأميركي؟
د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز
قراءة العنوان تُحمّلُ عقل القارئ تساؤلات واستفهامات وافكار ، وتجعله يتوقف ويُعيد قراءة العنوان و يتأمّل ويقول فعلاً ،تحمّلنا نحنُ العراقيون حصارا ،دامَ لعقود ، و أستّمرَ حتى بعد تحرير الكويت ، وسُرِقتْ ونُهبتْ اموال و ثروات و آثار الوطن ، بفعل غزو النظام الديمقراطي الأميركي للعراق ، ثُّمَ كُبّلَ العراق بقرارات أممّية ظالمة ومُجحِفة ، و بتعويضات ،قد يكون نصفها ، سرقات ، للكويت و لغير الكويت ولكل مَنْ تقدّم بطلب تعويض ،مُدعياً الضرّر ، ولكن ماذا عن ” غزو اميركا العراق ” ؟ و ماذا عن الدول ، وفي مقدمة تلك الدول الكويت ، التي أعانت وساهمت مع القوات الأميركية بغزو العراق ؟
ما الفرق بين غزو العراق للكويت و غزو أميركا للعراق ؟
الفرق هو ان نظاما ديكتاتوريا ، أستفزّهُ مَنْ اعانوه في ديكتاتوريته و حربه مع إيران ، و نعتوه حينها ، بحارس البوابة الشرقيّة ، و استدرجه الأميركان نحو الفخ ( الكويت ) فسقط فيه ، وتحمّلَ الشعب والوطن التبعات ، أما غزو أميركا للعراق ،فحصلَ بعد اكثر من عشر سنوات بعد تحرير الكويت ، وبعد انَّ خضعَ العراق لكافة قرارات الاذعان الاممّية ، و أقترفه نظام ديمقراطي وعضو دائم في مجلس الامن و دولة عظمى !
ألزموا العراق بدفع تعويضات ، وبموجب قرارات أُمميّة ، واطلقوا العنان لأميركا بشرعنة الغزو ليكون احتلال ، وكان مُنطلق الغزاة ارض الكويت ، و تبيّن لاحقاً ، و بأعتراف أميركا و بريطانيا ، كذب و افتراء المُبررات ( اسلحة دمار شامل ، ارهاب ) ، و نتجَ عن الغزو الأميركي للعراق ،اثارا كارثيّة على البنى التحتية ،وعلى الشعب العراقي ، وعلى المنطقة ، وكان تعويض الأميركان للعراق ، على مايبدو ، مساهمة في سوء الخدمات وفي الفساد وانتهاكا مستمّرا للسيادة واملاءات و ادخال العراق والمنطقة في اتون الارهاب !
أميركا و الدول التي شاركت و ساعدت أميركا في الغزو ، كانوا على دراية و ادارك بأنَّ اهداف الغزو هي : تدمير العراق وليس تحرير العراق ، خدمة وهيمنة اسرائيل ، تجريد العراق من استقرار سياسي وحرمانه من تنمية واستثمار ، وجعله في دوامة ازمات مفتوحة و مستدامة ؛ ازمة مع كردستان مفتوحة ومستدامة ( كركوك ،نفط ، منافذ حدودية ،موازنة ، انفصال ) ،ازمة مع الكويت مفتوحة و مستدامة بسبب ترسيم غير قانوني وغير منصف للحدود . وها نحن الآن وبعد عشرين عاماً مضت على سقوط النظام والعراق في مسار ينشدُ استقرارا وأمنا وسيادة وتنميّة ويواجه تحديات داخليّة وخارجية .
اذا كان في اسقاط النظام مصلحة للشعب العراقي ، فإسقاطه وغزو العراق حقّقَا للكويت ولاسرائيل ولغيرهم ،في الداخل وفي الخارج ، اكثر من مصلحة ،حيث قادا الى أضعاف مزمن للدولة ، و ساهما في تنمّر كُثر من الخارج ومن الداخل على سيادة ومقومات العراق .
أَليس للعراق الحق بمطالبة بتعويض عن الغزو ، غير الشرعي ،والمخالف للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة ، والذي ارتكبته أميركا وحلفاؤها ضّدْ العراق ؟ أليسَ من حق العراق مفاتحة الامم المتحدة و مجلس الامن ومطالبتهما بتعويض شهداء الجيش العراقي ،الذين غدرَ بهم الأميركان ومن معهم ، بعد ان وعدوهم بانسحاب آمن من الكويت ،وتعرضوا لمجزرة جماعية على طريق الموت ( طريق الكويت -البصرة ) ؟
أليس للعراق الحق بمساءلة الكويت على دوره الكبير في الغزو الأميركي على العراق ؟
هذه حقائق ، نكتبها للتاريخ ،ونذكرها ،و الشعب العراقي ليس بغافل عنها ، ولكن يحدوه الامل في مستقبل قائم على مصالح مشتركة وتسامح وحسن نوايا من طرفين ،وليس من طرف واحد .
أليسَ من الغرابة أنْ يصمت العراق عن مطالبة أُممّية او دولية ،وديّة او قضائية ،بالتعويض عن الاضرار الجسيمة التي سببّها الغزو الأميركي للعراق ؟ ألمْ يكْ ممكنناً للعراق أن يذكّرْ الكويت ،وهو يواصل بدفع التعويضات لهم ، بدورهم الكبير في الغزو الأميركي للعراق ، ومن حق العراق المطالبة بالتعويض ايضاً للاضرار التي لحقت بممتلكاته و بشعبه جراء الغزو والاحتلال ؟
مِنْ حق الشعب العراقي إنصافه معنوياً وماديا للغزو الذي تعرّض له ، ومن واجب مؤسسات الدولة الدستورية ،وخاصة مجلس النواب والمحكمة الاتحادية العليا ، المبادرة في التعامل قانونياً مع حقبة الغزو والاحتلال ، والتفكير جدّياً للسعي بأصدار قانون يدين الغزو والدول التي ساهمت وساعدت على الغزو غير الشرعي وغير القانوني والمخالف لميثاق الامم المتحدة ،ويحمّلها مسؤولية الاضرار التي لحقت بالعراق جرّاء الغزو والاحتلال .
استصدار مثل هذا القانون يمّثل اعتباراً واحتراماً للعراق كدولة ، كتاريخ ،و يمثّلُ جواباً لتساؤلات الاجيال القادمة .
* رئيس المركز العربي الاوروبي للسياسات وتعزيز القدرات ، بروكسل ، ٢٠٢٣/٩/١٠ .