الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب إبراهيم الأمين في صحيفة الأخبار يقول:
من يعمل على تقدير الموقف حيال الحرب القائمة، يلجأ في كثير من الأحيان إلى سوابق تخصّ سلوك أطراف المعركة، مثل محاولة إسقاط ما يجري في غزة على واقع لبنان، سواء لناحية العدوان من جهة أو ردّ المقاومة من جهة ثانية، وسط تجاهل لمفارقات كبيرة بين المشهدين، ولو أن عقل العدو واحد في سعيه لتحطيم كل شيء.
أين نحن اليوم؟
قرّرت إسرائيل، بعد ما يقارب العام، أنها باتت قادرة على فتح جبهة مع لبنان، وأن الحرب في غزة لم تعد تحتاج إلى كل الوقت والموارد العسكرية، وصولاً إلى اعتقاد البعض، بأن كل ما فعلته إسرائيل، هو ما أسماه قادتها بـ«نقل الثقل» إلى الشمال. لكن من يفكر على هذا النحو، يعتقد بأن إسرائيل أعدّت خلال الأشهر الماضية برنامجها لمواجهة حزب الله. وهذا خطأ كبير في تقدير الموقف الإسرائيلي. لأن ما تنفّذه تل أبيب، هو برنامج جرى العمل على إعداده طوال عشرين سنة. وفيه فصول لم تنجح إسرائيل في تطبيقها خلال حرب عام 2006. والكل يعلم، أن إسرائيل تصرّفت إزاء لبنان، بطريقة مختلفة بالمطلق عن طريقة استعدادها للحرب في غزة. لأن ما حصل في القطاع، لم يكن مطروحاً مطلقاً على جدول أعمالها، وقد نجحت حركة حماس في أكبر عملية تضليل أمنية ترافقت مع أعلى درجات التجهيز لعملية «طوفان الأقصى».
في مواجهة لبنان، تفكر إسرائيل بطريقة مختلفة. الأمر لا يتعلق فقط بتطور قدرات المقاومة العسكرية والبشرية، بل في توسّع دور هذه المقاومة على صعيد المنطقة ككل، وخصوصاً في فلسطين. وتعرف إسرائيل هنا، أنها تقاتل عملياً عن كل الغرب وعن الحلفاء من العرب الذين يريدون التخلص من الحزب، ليس كقوة فقط، بل كفكرة، خصوصاً أن هؤلاء لديهم حساب طويل مع الحزب ولا يجدون غير إسرائيل من يقدر على تصفيته. وهو أمر لا تعارض إسرائيل القيام به، فهو جزء من أهدافها، عدا أنها ستجبي الثمن الكبير من كل أعداء حزب الله في حال نجاحها بالمهمة.
لندع جانباً ملفاً يحتاج إلى خبراء يبحثون فيه، لناحية نوع التحضيرات الأمنية والعسكرية التي أعدّتها إسرائيل لمواجهة حزب الله، علماً أنها بدأت تظهر على شكل عمليات يلعب العامل التقني دوراً مركزياً فيها، ولا يقف الأمر فقط عند اختراقات بشرية لم يظهر منها شيء جديد هذه الأيام. لكن لنعدْ رسم المشهد على مستوى الأهداف:
– تسعى إسرائيل بكل قوتها، إلى ضرب كل ما تعتبره قدرات عسكرية وأمنية وبشرية ولوجستية تخص المقاومة. وستسعى إلى توجيه كل ضربة تخدم هذا الهدف. وهي لن تقف، ولم تقف أصلاً، عند أي اعتبار يخصّ الناس.
– تسعى إسرائيل، إلى تحديث لشعار حرب عام 2006، والذي كان يتمثل في «سحق حزب الله». وهي تريد الآن «اجتثاث حزب الله». وعندما تفكر إسرائيل بهذا الأمر، هي لا تقصد القوات العسكرية أو المدنية للحزب. بل هناك عقل شيطاني يحكم أصحاب القرار، يجعل العدو يتصرف مع حزب الله بنفس الطريقة التي يتعامل فيها مع الفلسطينيين في غزة والضفة. حيث يؤمن العدو، بأن السحق والاجتثاث، يكونان عبر طرد الناس، الذين يشكّلون القاعدة الاجتماعية. وعندما تفكر إسرائيل بهذه الطريقة، فهي تعود إلى أصل مشروعها. هي تنظر إلى البيئة التي يعيش حزب الله فيها، على أنها بيئة معادية، وقد سبق لها أن احتضنت فصائل المقاومة الفلسطينية، ثم فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية، قبل أن تمارس احتضانها لحزب الله. وهذا يعني، أن برنامج العدو يتطلب حرباً طويلة الأمد مع لبنان.
يسعى العدو إلى تدمير كل ما يخص بيئة المقاومة مدنياً وشعبياً وعدم اقتصار الأمر على قدراتها العسكرية
– يسعى العدو إلى تعديل الوقائع الجغرافية والديموغرافية في أكثر من منطقة. وعندما يتحدث العدو عن منطقة عازلة في جنوب لبنان، فهو لا يقصد منطقة خالية من المسلحين أو السلاح. بل هو يقصد منطقة خالية من أي تواجد سكاني. هو لا يريد بشراً يمكن أن يشكلوا قاعدة لأي جهة ترفض الاحتلال وتقاومه. وفي حالة لبنان الحالية، حيث الانقسامات الطائفية حاكمة لكثير من الأمور، فإن العدو يفكر في طريقة تدفيع الشيعة في لبنان ثمن التزامهم قضية المقاومة، وليس ثمن السماح لعناصر منهم بالانتماء إلى حزب الله.
– تسعى إسرائيل، إلى جعل لبنان قائماً بطريقة تناسبها. وعندما قررت الدخول في المواجهة القائمة، فهي لم تعد تقف عند خاطر أحد من الغربيين أو العرب أو بقية اللبنانيين. وإذا كان هناك من لا يريد ضرب الاستقرار في لبنان، أو نشوء حروب أهلية وأزمات اقتصادية كبيرة، فإن إسرائيل لن تمانع في حصول هذه الأمور إذا كانت تخدم فكرتها. وفي حالتنا اليوم، نشهد تعاوناً كبيراً بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وبين بعض العواصم العربية لأجل دفع جهات وقوى وقواعد من لون طائفي مختلف، إلى القيام بانتفاضة ضد ما ثبّتوه في عقول جمهورهم تحت اسم «دولة حزب الله»، وفي هذه الحالة، لن تمانع إسرائيل من أن تقدّم العون لكل من يظهر استعداداً للسير في برنامجها. وهي ستعده برشوة كبيرة اسمها التقسيم أو الفيدرالية أو غير ذلك من المُسميات.
– تسعى إسرائيل، إلى رفع مستوى عملياتها الإجرامية، بقصد الضغط المتنوّع على حزب الله. سوف تضرب أهدافاً لا معنى لها في مناطق معينة بهدف جعل الجمهور يرفض وجود النازحين عندهم، وهي في هذه الحالة، ترغب في تكرار ما فعلته في غزة، حيث التهجير الدائم والمفتوح والمتواصل بين المناطق التي «تُعتبر آمنة». وهي تريد تهجيراً متنقلاً لأبناء الجنوب والبقاع والضاحية، وصولاً إلى دفع قسم كبير منهم إلى التخلي عن حزب الله أولاً، وإلى مغادرة لبنان أيضاً. ويعتقد العدو، بأنه لكي ينجح في فعلته هذه، سيكون مضطراً إلى توجيه الضربات القاتلة ضد كل لبناني يقف إلى جانب المقاومة، أو يساعدها في موقفها أو خطواتها أو حتى في احتضانها. وهو يراهن، على سردية تقول، إن نجاحه في ضرب حزب الله، سوف يخلق موجة إحباط كبيرة في بيئته الاجتماعية، ما يفتح الباب أمام انحسار دوره على أكثر من صعيد.
ما سبق، ليس تخيّلات أو مجرد تمرين نظري. ما سبق، هو عناوين في خطة بدأ العدو في تنفيذها. وهذا ما يقود إلى خلاصة واضحة، مفادها، أننا أمام معركة من نوع مختلف، هي معركة من المؤكد أنها ستكون أكثر قساوة وأشد تعقيداً من حرب عام 2006.
صحيح أن الناس، يسألون عما سيفعله حزب الله. وصحيح أن الذين يشاهدون نجاح العمليات الأمنية للعدو خلال الأشهر الأخيرة، يريدون إجابات أو تفسيرات. لكنّ الأهم من كل ذلك، هو أن من يجد نفسه، في قلب هذه المعركة، عليه أن يكون مستعداً لحرب لا أحد يعلم كم تطول، ولا أحد يقدر على الجزم بالأثمان الهائلة التي يتوجّب دفعها، وما يخص فعل المقاومة، فليس على الجميع إلا انتظارها، وهي، كما توحي الأمور، لم تقل كلمتها بعد!