سياسةمحليات لبنانيةمن هنا نبدأ
الضباب يلف “الطقس الانتخابي”..ولن ينجلي قبل منتصف آذار(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
على الرغم من سيل التحليلات والتوقعات والاستطلاعات وعمليات التبصير والتنجيم الرائجة هذه الأيام عبر وسائل الاعلام، فإن الواقع يؤكد أن صورة الانتخابات النيابية الموعودة في أيار المقبل ما تزال ضبابية،وأغلب الظن أن هذه الصورة لن تنجلي وتتظهر معالمها قبل منتصف شهر آذار المقبل ،وهو الموعد النهائي لمهلة الترشح لهذا الاستحقاق.
ثمة حقائق وعوامل كثيرة تدفع الى هذا التصور،منها ما هو مبدئي ،ومنها ما هو تفصيلي ،ويمكن مقاربتها على النحو الآتي:
أولا:ثمة سؤال ما يزال يطرح نفسه بإلحاح على الرغم من التأكيد والالتزام الذي تبديه مختلف القوى السياسية وهو:هل هناك انتخابات فعلا أم أن التأجيل ما يزال خيارا مطروحا؟ وهل إجراء الانتخابات يشكل مصلحة لمعظم القوى الحزبية والسياسية؟
لعل الإجابة ب”نعم” تحمل في طياتها الكثير من المغامرة. فمختلف القوى السياسية ،باستثناء “القوى التغييرية” الطامحة لاقتحام البرلمان ،بدأت تعيد حساباتها بعد قرار الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي له ولتيار المستقبل ،وعدم خوض الانتخابات.وليس سهلا لهذه القوى أن تخوض انتخابات للمرة الأولى منذ العام 2005 ،من دون تيار المستقبل.فهذا يعني أن تحالفات جديدة يفترض أن تنشأ في هذه العجالة.وأغلب الظن أن الكتل البرلمانية الحالية تفضل التعاطي مع الأمور على قاعدة”عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة”،يخالفها في ذلك الثنائي الشيعي (أمل والحزب) الذي يبدو حتى الآن أن “عصفوره في يده” ،جرت الانتخابات أم لم تجر،لكنه اعتاد على مسايرة شركائه في الوطن إذا ما أجمعوا على قرار معين.
من هنا يبدو للكثيرين أن احتمال التأجيل يظل واردا ،إذا ما لمست القوى السياسية رائحة تراجع في عديد نوابها لصالح قوى جديدة طارئة على الساحة.أما مقولة أن المجتمع الدولي لن يسمح بتأجيل الانتخابات فهو كلام فولكلوري يتردد صداه بلا إسناد. فالمجتمع الدولي له همومه الكبرى التي يرى من خلالها لبنان نقطة في بحر هذه الهموم.ثم أنه عندما يجري الحديث عن المجتمع الدولي ،فإنه يمكن اختصاره بالراعي الأميركي.فماذا لو لمست الإدارة الأميركية أن هذه الانتخابات لن تكون لصالح القوى التي تدعمها ،وإنما لصالح المنظومة التي لا تنام على سريرها؟
ثانيا: منذ العام 2018 دخل لبنان انتخابيا عصر القانون النسبي والصوت التفضيلي،وهو يعتمد نظام اللوائح والحواصل الانتخابية. لقد تغيرت قواعد اللعبة الانتخابية لدرجة أن الكثير من المواطنين لم يفهموا بعد هذه القواعد ،ويقترعون بتوجيهات “ملوكهم”.لم يعد للوائح التي تحظى بأكثرية شعبية فرصة للاستيلاء على جميع أو معظم المقاعد في الدائرة الواحدة.ومن هنا رأينا في انتخابات 2018 كيف أن دوائر كثيرة مثل المتن، وزحلة، وكسروان -جبيل، والشوف-عاليه وغيرها،توزعت مقاعدها بين ثلاث أو أربع كتل نيابية،في وقت كان النظام الأكثري يسمح للائحة واحدة أو إثنتين على الأكثر الفوز بكل مقاعد الدائرة الانتخابية.
من هنا نفهم المتغيرات التي أحدثها القانون النسبي ،بمعنى أن التحالفات الكبرى هي صاحبة الحواصل الأكثر.ومن هنا يجب أولا إنتظار آفاق هذه التحالفات التي لن تتظهر قبل انتهاء مهلة الترشح ،خاصة بعد خروج تيار المستقبل من المعادلة.
ثالثا:لا يختلف إثنان على أن تيار المستقبل ما يزال يشكل الثقل الشعبي الأكبر في الطائفة السنيّة ،وقد أحدث خروجه من المعادلة الانتخابية إرباكا شديدا لدى معظم القوى السياسية.صحيح أن الطائفة السنيّة الكريمة لا يقتصر تمثيلها على تيار المستقبل ،لكن هذا التيار بخلاف كل القوى السنيّة الأخرى يتمتع بانتشار واسع في معظم الدوائر الانتخابية ،وكانت تحلفاته تسند الكثير من القوى في هذه الدوائر ،من عكار الى طرابلس الى بيروت الى صيدا والبقاع.وثمة أسئلة حائرة حتى الآن ما تزال بحاجة الى أجوبة مقنعة ومنها:
-
أين ستتموضع الشريحة السنيّة التابعة والمناصرة لسعد الحريري وتيار المستقبل؟
-
ما هي حقيقة دخول بهاء الحريري ساحة الانتخابات وما هو الثقل الشعبي الذي يتمتع به تياره ،وما هي الدوائر التي سيخوض غمارها ،وهل يكون البهاء بديلا للحريرية السياسية التقليدية؟
-
كيف ستتوزع أصوات الناخبين السنّة على مدّ الدوائر الانتخابية الخمس عشرة؟
رابعا: هناك 225 ألف ناخب تسجلوا للاقتراع خارج الأراضي اللبنانية .وأيا كانت نسبة المقترعين منهم ،فإن هذه النسبة ستشكل للمرة الأولى فرقا بارزا في تظهير الحواصل الانتخابية للوائح المرشحين.وطبيعي أن معظم هؤلاء لم يحسموا مواقفهم قبل أن تتظهر اللوائح الانتخابية بشكل واضح.ولعله من نافلة القول إن الإرباك الذي يضرب المقترعين في الداخل ينسحب أيضا على المقترعين في بلاد الانتشار.