منوعات

الصراع الدولي الخفي لإكتشاف لقاح كورنا : حقائق، إتهامات وشائعات (الجزء الثاني)

 


د.طلال حمود*
نظرية المؤامرة التي يقودها بيل غيت : يوماً بعد يوم يتّضح ان المعركة الشرسة التي تتنافس فيها معظم الشركات الصينية الاوروبية والأميركية والاسترالية  والروسية تتفاعل تداعياتها ساعة بساعة مع مرور الوقت في ظل الصراع على تصدُّر المركز الأول عالمياً في الأبحات الطبيّة وفي جني ارباح تجارية هائلة لأن هذا اللقاح سوف يُستعمل عند ملايين لا بل مليارات من الأشخاص. وكما ذكرنا في الجزء الأول من هذا البحث فإنَّ الولايات المتحدة وأوروبا لا بل معظم دول العالم تشهد إشاعات واخبار كثيرة كثيرة عن مؤامرة دولية خفية توجّه فيها الإتهامات الى أيادٍ خفية ومجهولة في معظم الأحيان. او هي تطال في الولايات المتحدة الملياردير بيل غيت مؤسس شركة مايكروسوفت ومؤسسته الخيرية Bill and Melinda Gates Fondation . وعندما تصفّحت وسائل الإعلام الأميركية وجدت انها تعجّ بأخبار تتهم هذا الرجل الثري جداً ( تُقدّر ثروته ب١٠٠ مليار دولار ) وهناك إتهامات مباشرة وُجّهت له من الكثير من المسؤولين والإعلامين عن ان انه خطط منذ زمن طويل للقضاء على حوالي ١٥ بالمئة من السكان في الولايات المتحدة اي ما يعني التخلّص من حوالي ٦٥ مليون نسمة في اميركا فقط تحت غطاء حقن اللقاح عندهم ومن ثم مراقبتهم وزرع شريحة الكترونية في اجسامهم من اجل تتبّعهم ومراقبة كل شيء عندهم او حتى تغيير نمط حياتهم وطريقة عيشهم وما إلى ذلك. وقد انتشرت هذه الأخبار  بشكل كبير عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة خاصة الإجتماعية منها تويتر وفايس بوك وغيرها ، الى درجة انه اضطر للخروج عن صمته ونفي هكذا اخبار وتكذيبها وتبرير دعمه للصناعات الدوائية بأنَّه تطوّع منذ تركه لشركة ميكروسوفت في ٢٠٠٨ بأن يُحارب الفقر والأمراض وان يؤمّن اللقاحات في كل دول العالم خاصَّةً الفقيرة منها وخاصة في افريقيا تحديداً. وقد بدأ بالفعل بهكذا مهمات منذ ذلك التاريخ عبر مؤسسته الخيرية التي ذكرناها والتي تبلغ ميزانيتها حوالي  ٤٥ مليار دولار . ومما عرّضه للمزيد من الإشاعات لدرجة إتهامه بقيادة المؤامرة انه ومع إندلاع ازمة كورونا تبرّع بمبلغ ٢٥٠ مليون دولار لمكافحة ازمة كورونا ودفع مبالغ مهمة لمنظمة الصحة الدولية وساهم في دعم سبعة مختبرات او مصانع لها دور كبير وفعّال في تطوير اللقاحات  او لديها ابحاث متقدّمة في هذا المجال.
وقد تفاعلت كثيراً اخبار تلك الإشاعات في اميركا وكندا . وقد قام عدّة خبراء في علم الإجتماع النفسي بتحليل تلك المعطيات وتبيّن لهم ان من يؤيّدون هذه النظريات المؤامراتيّة هم اشخاص لا يؤمنون اصلاً بالسلطات الرسمية ويعتقدون ان الأشخاص الفاعلين او المؤثرين في المجتمع مثل بيل غيت ليسوا اهل ثقة بشكل عام بل انهم قد يكونوا اصحاب افكار مؤامراتية هدّامة بالنسبة لعدد كبير من الأميركيين. وما زاد من تلك الشكوك هو تصريح كان غيت قد ادلى به في ١٨ آذار وجرى تحريفه او استعمال شق منه يسمح بالإستنتاج انه قد يكون لديه نوايا في مراقبة الأميركيين مع وصول اللقاح. وقد قال يومها :" انه سيكون لدينا "معطيات رقمية" وتسمح لنا بمعرفة من شفي كلياً من المرض او من حصل على فحوصات  منذ فترة  قصيرة وذلك عند حصولنا على اللقاح الفعّال! " . وقد اشعل ذلك التصريح يومها وسائل التواصل الإجتماعي خاصة عند الأشخاص الذين يعارضون اصلاً فكرة اللقاح. ونشر احد المواقع المعروفة جداً هناك مقالة في اليوم التالي تقول ان بيل غيت سوف يلجأ لزرع شريحة الكترونية صغيرة جداً في اللقاح لقتل الفيروس ولمراقبتنا ايضاً. وقد اضطر غيت لإجراء عدة مقابلات تلفزيونية وتصريحات إعلامية متعددة  لتكذيب هذه الأفكار ولكن دون جدوى.

بل ان الموضوع تناقلته منذ ذلك التاريخ عدة وسائل إعلام وكُتب عنه آلاف المقالات. ومما زاد في تقاقمه إنضمام عدد كبير من الإعلاميين الكبار او بعض رحال السياسة المرموقين وبعض مستشاري ترامب السابقين مثل Laura Ingraham التي اتهمت غيت مباشرة بمحاولة مراقبة الأميركيين عن طريق الشريحة الإلكترونية التي ستُزرع في اللقاح.
وقد انتقل هذا الكلام الى الضفة الأخرى من الأطلسي وكُتبت عدة مقالات باللغة الفرنسية حول الموضوع تحت عنوان فاضح ومخيف وهو هل انتم متهيّئون لتكونوا متتبّعين بواسطة هذه الشرائح الإلكترونية المزعومة في اللقاح ؟

وقد فاقم في ظهور  هذه الإشاعات ظهور كلام في الولايات المتحدة عن "دفتر اللقاحات الغير مرئي" وهي نظرية تعمل على تطويرها إحدى مراكز الأبحاث في ولاية Massachusettes وتقوم على "إستعمال النانو تكنولوجي" للسعي لتطوير جهاز صغير  جداً (Nanoparticules) يقوم الأطباء بحقنه تحت الجلد وهو ما سيحمل كل المعلومات المتعلّقة بكل اللقاحات التي تلقّاها الشخص وجدولة وتواريخ هذه اللقاحات وما الى ذلك من معلومات. وما أثار الشكوك عند من حملوا وسوّقوا لنظرية المؤامرة ان بيل غيت يموّل ويدعم هذا المركز. وقد دافع غيت عن هذه الإتهامات وقال ان تطوير هذه الدفاتر او الشهادات اللقاحية هو مشروع لا يهدف ابداً لمراقبة او متابعة الأشخاص لأغراض غير طبية بل  انه سيستعمل فقط كباسبور او كإجازة سوق سيارة غير مرئية تعطينا معلومات اذا ما كان الشخص قد تعرّض للإصابة بفيروس كورورنا ام لا. واضاف ان الشهادة اللقاحية التي يتكلمون عنها ما هي سوى مادة مثل "الحبر " تُحقن تحت الجلد وهي قابلة للقراءة او المُساءلة بواسطة الهواتف الذكية من الجيل الجديد . وسوف يُستعان بها لمعرفة ما اذا كان الشخص تلقّى ام لا مجموعة اللقاحات المطلوبة منه. وهو برنامج كانت مؤسسته الخيرية قد بدأت به من العام ٢٠١٦ اي قبل بكثير من تاريخ ظهور فيروس كورونا. وان ذلك سوف يكون مفيد جداً لمعرفة التاريخ اللقاحي -خاصة عند الأطفال-في الدول الفقيرة جداً او في الدول النامية لأنه سيخفف من ضياع المعلومات وسيجعل كل الأطفال في تلك الدول يتلقون لقاحاتهم بطريقة دقيقة مع مراقبة مستدامة مما يمنع بعض الأطفال من التسرّب او عدم الحصول على اللقاحات الضرورية وهذا من من شأنه ان يُخفِّف بشكل كبير من نسبة الوفيات الكبيرة والمُقدّرة بحوالي مليون ونصف طفل في تلك الدول.
وقد دافع ايضاً مسؤولون كبار عن مشاريع مؤسسته الخيرية قائلين انه يسعى لإبتكار طريقة للتعرف على الفقراء والمشرّدين والأشخاص الذين لا يحملون او ليس لديهم اوراقاً ثبوتية مثلاً. وقالوا ان هذه الخطوة سوف تسمح بالتعرّف على هوية الآلاف من هؤلاء المشردين في المدن الفقيرة او الأحياء والضواحي الفقيرة القريبة او المحيطة بها . وقد اخذوا مدينة Austin في ولاية تكساس للبدء بهكذا مشروع. ويقولون ان ذلك سيسمح فقط من التحقّق من هوية هؤلاء الأشخاص براسطة التكنولوجيا الذكية ليس إلا.
ولكن من يتهمون غيت بالمؤامرة لم ولن تقنعهم هكذا اجوبة بل ذهبوا بعيدا وقالوا انه سيستعمل اللقاح من اجل "تخفيض عدد سكان البشرية" . وهي نظرية يسوّق لها اعداء غيت ومعارضوه منذ اربعة سنوات. ويقولون انها موجودة منذ اكثر من ذلك الوقت على اجندته وهو لا يريد فقط مراقبة الناس وزراعة اجسام غريبة للتحكم بهم فقط، بل انه يريد قتل البعض منهم.

ويستعمل هؤلاء مقالة انتشرت في الولايات المتحدة في ٢١ كانون ثاني ٢٠١٦ بشكل كبير ومفادها ان غيت يريد ان يُخفّض عدد البشر في العالم عن طريق اللقاحات! واستغلوا لمحاربته تصريح قديم له يعود للعام ٢٠١١ لشبكة CNN يقول فيه: انه مع إختراعنا للقاحات جديدة ومع تأكّدنا ان كل الأطفال الذين يحتاجونه سوف يحصلون عليه، سيكون بوسعنا تخفيض الوفيات عند الأطفال ، محاربة او الحد من النمو البشري ، وسنحافظ بذلك على الإستقرار وسنحافظ على البيئة!
ومما عزَّز الشكوك حوله هو تصريح شهير له في سنة ٢٠١٠ يقول فيه ان البشرية اليوم تبلغ ٦،٨ مليار نسمة وسترتفع الى ٩ مليار قريباً. واذا قُمنا بعمل جيد على اللقاحات والتأمين الصحي والخدمات الطبية سوف نكون قادرين على تخفيض هذا النمو بنسبة ١٠ الى١٥ بالمئة!

ومما عزَّز الشكوك ايضاً وايضاً تصريحات له تقول ان احد اهداف مؤسسته الخيرية هو الحصول على تباطؤ في نمو الأعداد البشرية لأن ذلك بحسب اقواله سوف يُحقِّق بعض التوازن وسيسمح لمن يبقون على قيد الحياة من الفقراء والجوعى في العالم بالحصول على خدمات صحية افضل وعلى حصص اكبر من الغذاء العالمي المتوفّر!

وهنا يظهر التناقض المُبين في كلامه فكيف سيحمي الأطفال بواسطة اللقاحات وكيف سيُخفِّف من نمو عدد البشر وهي نقطة ضعف قوية في خطاباته اخذت جدلاً كبيراً في الأوساط العلمية ونصحه البعض لماذا لا تلجأ لتشجيع اساليب منع الحمل في تلك البلد بدل تشجيع اللقاحات ولكن لا اجوبة مقنعة من طرفه حتى تاريخ اليوم! ومما زاد في الحيرة حوله وحول اهداف مؤسسته الخيرية ان مقالات عدة نُشرت في اميركا واوروبا تقول ان الهند منعت مؤسسته من العمل على اراضيها بسبب توزيعها للقاحات تسببت بتسمم ووفاة عدد كبير من الأطفال في الهند في سنة ٢٠١٧!

لكن الحكومة الهندية التي تحققت من الموضوع اظهرت ان لا علاقة لمؤسسة غيت بالموضوع الذي جرى توظيفه ضده بشكل غير مُحقّ فقط لأنه كان من الأشخاص الذين موّلوا حملة اللقاحات هذه ولكن الإعلام شوّه الحقائق وكتب ان غيت كان بريء من اية اذية لحقت بالأطفال الذين توفُّوا لأسباب لا علاقة لها باللقاح الذي دعم توزيعه!

اخيرا وعندما سألت إحدى شبكات التلفزة الصينية غيت عن كل تلك الحملات التي تطاله قال بالحرف الواحد: انه من البديهي ان شخصاً مثلي سخّر نصف ثروته تقريباً ( ٤٥ مليار) لأجل تقديم الخدمات الصحية والسعي لمكافحة كل انواع الأمراض المعدية في العالم ولتطوير لقاحات لعدة امراض منها ايبولا والإيدز وغيرها وغيرها .. ان يتعرّض لهكذا إشاعات او حملات مُغرضة.

وفي آخر إطلالة تلفزيونية ل بيل غيت في ٢٤ تموز الحالي نفى كل هذه الشائعات وقال ان كل من نستثمر به في العمل الإنساني هو للتقدّم البشري ومحاربة الأمراض والفقر والمجاعة في العالم ! ولكن إستطلاعات الرأي التي أُجريت في الفترة الأخيرة تتبنّى بقوة نظرية المؤامرة التي يؤيدها ١٩ ٪؜ من الناخبين الديمقراطيين
و ٤٤ ٪؜ من الناخبين الجمهوريين!
وفي النهاية امام ما يقوله غيت وامام ما تنشره معظم وسائل الإعلام الأميركية والاوروبية والعالمية عنه وعن اهدافه المشبوهة علينا ان ننتظر ونراقب والتاريخ وحده هو الكفيل بكشف الأهداف النبيلة او الخبيثة التي خطط لها من وراء ضخ كل هذه الاموال في العمل الإنساني في سابقة تاريخية تُسجّل له دون غيره حتى تاريخ اليوم.

*طبيب قلب- مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى