الشيعة اللبنانيون.. بين الإنتفاضة و”الإنكفاء”(نسيب حطيط)
بقلم د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
يواجه الشيعة اللبنانيون أوضاعاً صعبه وإستثنائية ،لا تشبه سابقاتها منذ اكثر من 40 عاماً ، فخلال عام واحد تعرّضوا لضربات قاسية وإستراتيجية على مستوى البنية العامة الديموغرافية والعسكرية ،بالتلازم مع ضربة استراتيجية اكثر قساوة من حرب “الستين يوماً”، وهي سقوط سوريا وإنتقالها من موقف الداعم والحاضن للمقاومة، الى موقف الخصومة والحصار ،ما أدى الى اختلال موازين القوى وانعدام العمق الجغرافي للمقاومة وقطع طريق إمدادها العسكري والإقتصادي وحتى الديني وزيارة السيدة زينب (ع) او العتبات المقدّسة في العراق برّاً!.
يواجه الشيعة اللبنانيون، بإعتبارهم طائفة المقاومة – الآن- او ما تبقى من المقاومين ، ثلاث قضايا استراتيجية ومفصلية، لرسم المستقبل السياسي والإجتماعي والعسكري وفق التالي :
– أزمة القيادة الشيعية ،حيث يواجه الشيعة أزمة على مستوى القيادة . فبعدما كانوا في عصر ذهبي من القادة ،الإمام موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد فضل الله والرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله ،بالإضافة الى مجموعة من القيادات الدينية والسياسية والتي استطاعت قيادة الطائفة ونقلها الى موقع متقدّم على مستوى الحكم والإقليم ،لكنها الآن بعد اختطاف الامام الصدر ووفاة الشيخ شمس الدين والسيد فضل الله ، بقي الشيعة “بقيادة ثنائية ” منسجمة ، تمثّلت بالرئيس بري والسيد نصرالله . وبعد اغتيال ” السيد الشهيد” بقي عبء القيادة على الرئيس بري منفرداً في أوضاع قاسية واستثنائية وكبيرة مع إشكالية كبرى ،تتمثّلبعدم وجود صف ثان او ثالث من القيادة يمكن ان يتحمل المسؤولية ،فيما بعد مما سيجعل الطائفة بلا قيادة مركزية او بقيادة متعدّدة الرؤوس، ولا تملك الكفاءة المتناسبة مع الأخطار والتحديات ولا تتمتع بتأييد الجمهور العام!
– أزمة حفظ السلاح المقاوم، فبعد “طوفان الأقصى” وبدء مشروع “تغيير معالم الشرق الأوسط” ونجاح التحالف الأميركي-الإسرائيلي مرحليّاً في غزة ولبنان بالنقاط وبالضربة القاضية في سوريا، وبعد “إتفاق تشرين” لوقف النار في لبنان ( اتفاق الضرورة) فإن مشروع نزع السلاح المقاوم على مستوى المنطقة قد بدأ، وهذا ما سيجعل الطائفة الشيعية في دائرة الخيارات الصعبة ،إما التمسك بالسلاح ومواجهة الهجوم الأميركي العالمي والحصار وإما تسليم السلاح او تحييده والعودة الى ما كان الجنوب عليه قبل عام 82 والإستباحة الإسرائيلية (فترة الستين يوما بعد وقف النار كنموذج ) لعدم وجود البديل الذي يحفظ الجنوب.
– أزمة الشراكة في السلطة، حيث اظهرت الخطوات الأولى لإعادة بناء نظام الحكم والمؤسسات الدستورية اللبنانية من رئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة ،نوايا الخارج ،لبناء الدولة دون شراكة الشيعة وإخضاعه الى قرارات الأمر الواقع( اذا لم يكن ما تريد…فأردما يكون) وهذا يعني العودة الى ما كان عليه الشيعة قبل انتفاضة شباط 1984 والذي يمكن ان يؤدي الى ” إنكفاءة شباط”2025 !
ان هذه الأزمات والتحدّيات الكبرى، تستوجب نقاشاً هادئاً وعاقلاً وموضوعياً ،بلا مكابرة ودون انفعال او خوف او إنهزام ودون إستسلام للأمر الواقع،وإبعاد الفاسدين ورفع الحصار عن أهل الكفاءة والخبرة وعدم الإنزلاق الى العنف او الشارع ،لاعتبارات متعدّدة ليست لصالحنا. ففي انتفاضة 6شباط 1984 كانت سوريا موجودة في لبنان ونظام الحكم فيها مؤيداً للإنتفاضة،أما الآن ،فسوريا في موقع الخصم والعداء للمقاومة واسرائيل تحيط بنا من كل الجوانب من الجنوب وعلى طول الحدود اللبنانية-السورية وفي البحر و الجو وكذلك “المارينز السياسي”.
لم تعد الإدارة السياسية للبنان بيد القوى السياسية اللبنانية او المسؤولين الرسميين اللبنانيين ،بل بيد السعودية بالشكل المباشر واميركا ،بالشكل الحقيقي، ولا بد من التعامل او الحوار لمعالجة ازمة السلاح وازمة الشراكة معهما، وليس مع الأطراف اللبنانية ،بالإضافة الى حوار داخلي شيعي لمعالجة ازمة القيادة القادمة حتى لا تتقاذفهم الأمواج السياسية والأمنية والمالية الهوجاء.
على المسؤولين والنخب الشيعية ،مغادره لغة التهديد والوعيد التي ستزيد من آلام الشيعة الذين لم يبدأوا إعمار بيوتهم ولم يعودوا الى قراهم، والتصرّف لجهة إدارة الأزمة بأننا وحدنا في هذه المعركة ،بلا معين ولا ناصر ويحيط بنا الأعداء من كل جانب…مع التأكيد على عدم التنازل عن الثوابت والمبادئ وعدم اليأس او الإستسلام.