الشامي يفند أهمية “الكابيتال كونترول” ويهمل الحاجة الى تنشيط الاقتصاد
كتبت دانييلا سعد – الحوارنيوز – خاص
يختلف بعض الإقتصاديين والعاملين في الحقل المصرفي والنقدي مع رؤية نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي المفوض رسميا بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي ، ويعتبر هؤلاء أن غاية الشامي هي تنفيذ أجندة صندوق النقد “المدرسية” دون الإلتفات الى الخصوصية اللبنانية وإلى عناصر هامة تتصل بالهوية الاقتصادية الجديدة للبنان والدور الذي يجب أن يلعبه في المنطقة، أو القادر على لعبه، على صعيد مختلف القطاعات لاسيما منها: الصناعي والسياحي والخدماتي.
بداية ماذا جاء في بيان صادر عن الشامي حيال مشروع قانون الكابيتال كونترول، ومن ثم ماذا أورد بعض الخبراء من ملاحظات عامة؟
جاء في بيان الشامي ما يلي :
“قبل الدخول في تفاصيل مشروع قانون الكابيتول كونترول ومدى الحاجة إليه، من المفيد أن نحدد الأهداف الأساسية والصفات العامة التي تتسم بها القوانين التي ترمي إلى وضع قيود استثنائية على حركة رؤوس الأموال.
بشكل موجز، فإن هذه الأهداف تتمثل بالحفاظ على الاحتياطيات بالعملات الأجنبية و / أو سيولة القطاع المصرفي، ومنع المزيد من انخفاض سعر الصرف، والمساعدة في تخفيض العجز في ميزان المدفوعات. ولتحقيق هذه الأهداف، من المفضل أن يأتي القانون شاملا ومتشددا في البداية لبناء الثقة مما يسهل من تخفيف تلك القيود في المدى القصير، وهذا أفضل بكثير من اللجوء إلى وضع قيود وضوابط بشكل غير منظم وعندما تدعو الحاجة.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري ألا يكبل القانون بأرقام محددة بالنسبة للتحاويل والسحوبات وذلك لأن الظروف الاقتصادية والمصرفية قد تتغير بسرعة مما يستدعي تعديل القانون بشكل مستمر، وهذا أمر غير مستحب ولا يتم عادة بالسرعة المطلوبة. لذا يجب أن يتضمن القانون جميع القيود الرئيسية ويسمح فقط للجهات المختصة والتي هي على دراية وثيقة بهذه المواضيع بوضع القيود وتخفيفها. وفي الوقت ذاته، فإنه من المهم مراعاة تكاليف القيود الموضوعة وفوائدها مسبقا، والتأكد من أن وجودها لن يكون أكثر عبئا على الاقتصاد من عدم وجودها.
بالعودة إلى لبنان ومشروع قانون ضوابط على التحاويل المصرفية، فإن هناك شبه إجماع بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين على أنه كان ينبغي اعتماد قانون الكابيتول كونترول بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة في تشرين الأول / أكتوبر 2019. لقد مر ما يقارب الثلاث سنوات ولم يقر بعد هكذا قانون. وهنا يطرح الكثيرون السؤال التالي: هل ما زلنا بحاجة لهذا القانون؟ الجواب نعم ولعدة أسباب.
أولا: في حين أن هناك الآن قيودا غير رسمية وبحكم الأمر الواقعde facto) ) على التحاويل والسحوبات، فإن هذه القيود تأتي في معظمها بشكل استنسابي وهي غير منظمة من خلال أحكام قانونية. يمكن للبنوك اعتماد معاملة مختلفة بين المودع والآخر، وهناك انطباع بأنه فيما استطاع العديد من الأشخاص والمؤسسات المؤثرة تحويل أموالهم إلى الخارج بطريقة ما بعد تشرين 2019، مما زاد من حدة الأزمة، تعذر ذلك على آخرين.
إن وجود قانون ساري المفعول يحكم التحاويل والسحوبات والعلاقة بين المصرف والمودع سيجعل العملية أكثر انتظاما وشفافية.
ثانيا: هناك حاجة إلى قانون الكابيتول كونترول من أجل حماية ما تبقى من الاحتياطيات بالعملة الأجنبية ولتحسين وضع ميزان المدفوعات الذي عانى وما يزال يعاني، ولو بوتيرة أخف، من عجوزات كبيرة. إن وجود قيود على التحاويل سيخفض الاستيراد وبالتالي سيقل الضغط على سعر الصرف وخاصة إذا ترافق ذلك مع سياسات مكملة ومن ضمنها سياسات مالية ونقدية مناسبة وسعر صرف موحد ومتحرك يعكس حالة السوق.
يجب علينا أن ندرك أن البلد لم يعد في إمكانه أن يتحمل نفقات الاستيراد الكبيرة التي تميز بها لبنان على مدى العقود المنصرمة. نعم نحن في عصر مختلف ويجب الاعتراف بذلك. وفي هذا الإطار هناك دور محوري لهذه القيود في ظل الأزمة الراهنة، إذ إن تقييد عمليات الاستيراد، إلا ضمن استثناءات ضيقة نسبيا، ستكبح الطلب على الاستيراد. تشمل هذه الاستثناءات، على سبيل المثال لا الحصر، استيراد المواد الغذائية والأدوية والنفط والمواد الضرورية لعمليات التصدير. وكذلك هناك بعض الاستثناءات على عمليات القطع الأجنبي كمصاريف الاستشفاء والدراسة في الخارج.
ثالثا: يأخذ البعض على مشروع قانون الكابيتول كونترول المقدم من الحكومة أنه يعطي الكثير من الصلاحيات للجنة التي ستقرر مقدار ما يمكن نقله أو سحبه من القطاع المصرفي. إن الحاجة إلى مثل هذه اللجنة تبررها حقيقة أن القانون نفسه يجب أن يتجنب وجود أرقام محددة بشأن المبلغ الذي سيتم سحبه أو تحويله كما هو مذكور أعلاه. هذه عملية ديناميكية تتطور بصورة دائمة وستستمر المبالغ في التغيير مع التغيرات في الظروف الاقتصادية والمالية الأساسية وبالتالي ليست هناك حاجة للعودة وتغيير القانون بشكل متكرر.
أما بخصوص تشكيل اللجنة، فهذا موضوع قابل للنقاش طالما أنها تتكون من أشخاص يمكنهم متابعة الوضع على الأرض واتخاذ القرارات المناسبة.
رابعا، نظرا للصعوبات الحالية في القطاع المصرفي والمخاوف المتعلقة بالسيولة، فإنه من المفيد وضع ضوابط على الودائع من خلال اعتماد قيود موحدة ومتناسقة على السحوبات. ولكن حتى لا نقيد الحركة الاقتصادية بشكل كبير، فإنه من الضروري عدم وضع أي قيود على التحاويل أو السحوبات من الأموال الجديدة المتأتية من تدفقات العملات الأجنبية والتي أتت بعد اندلاع الازمة او من الأموال الموجودة خارج القطاع المصرفي.
خامسا: يشترط القانون على المصدرين إعادة النقد الأجنبي الممول من النظام المصرفي إلى لبنان repatriation requirements)) بالإضافة إلى خمسة في المائة لتحسين وضع العملات الاجنبية في القطاع المصرفي ولكن دون تحميل المصدرين أعباء إضافية لأن في إمكانهم أن يحتفظوا بباقي عائدات صادراتهم. في كثير من البلدان التي اعتمدت قيودا على التحاويل المصرفية، كان هناك أيضا بند يتعلق بإجبار المصدرين على بيع عائدات صادراتهم مقابل العملة المحلية (surrender requirements) دعما للسيولة في سوق العملات الأجنبية، ولكن آثرنا ألا نعتمد هذا المبدأ في لبنان لما لذلك من آثار سلبية على النشاط الاقتصادي بالإضافة إلى أن هذا قد يعطي حافزا لإصدار فواتير أقل من قيمتها الفعلية للتهرب من استبدال العملات الأجنبية بالعملة المحلية والتي تعتبر بمثابة ضريبة على الصادرات.
سادسا: يقترح مشروع القانون أن يسري مفعوله على جميع الدعاوى والإجراءات القضائية في الداخل والخارج والتي لم يصدر فيها بعد حكم مبرم. لقد أثارت هذه المادة في القانون جدلا كبيرا وفسرت كأنها تهدف إلى حماية المصارف ضد المودعين وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة.
في الواقع، تهدف هذه أيضا الى حماية صغار المودعين وعدم إغراق البنوك بسيل من الدعاوى القضائية التي قدمت والتي قد تقدم في الخارج من قبل مودعين ومتمولين كبار والذين بمقدورهم أن يدفعوا سخيا بدل أتعاب المحامين وهذا سيؤدي إلى ضرر لصغار ومتوسطي المودعين. على كل حال، إذا كان هناك من اقتراحات أخرى تخدم الأهداف الأساسية التي من أجلها وضعت هذه المادة في إقتراح القانون، فمن الطبيعي أن تدرس وتناقش حتى نتوصل الى صيغة نهائية ترضي أصحاب العلاقة.
إن مشروع القانون المقدم من الحكومة يتماشى مع المعايير الدولية ويشمل الأسس التي اعتمدت في الكثير من البلدان التي فرضت قيودا على التحاويل المصرفية. والنقاش الدائر حول هذا المشروع هو نقاش مفيد وذلك للأخذ في الاعتبار ملاحظات مختلف القطاعات والنقابات والاختصاصيين في هذا المجال. بالطبع يجب على مشروع القانون هذا أن ينسجم مع القوانين الأخرى المرعية الإجراء وأن يراعي خصوصيات البلد ولكن دون التعرض للأهداف الأساسية التي من أجلها اقترح هذا القانون.
إن إقرار هذا القانون يحصن ويكمل السياسات المالية والنقدية التي يجب اعتمادها للخروج من الأزمة الحالية.
في الأخير نتمنى أن يقر القانون في أقرب وقت ممكن وخاصة انه من الإجراءات المطلوبة للوصول الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. وكلما أسرعنا في تطبيق هذا القانون، كلما أسرعنا في رفع القيود والضوابط الاستثنائية وخاصة إذا ترافق ذلك مع حزمة الإصلاحات الأخرى التي من شأنها أن تضع لبنان على سكة التعافي“.
وماذا يقول الخبراء؟
يجمع الخبراء على ضرورة أن يترافق اقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول مع إقرر خطة إقتصادية شاملة للبنان، تأخذ بيعن الاعتبار الميزات التفاضلية والقدرة التنافسية للصناعات اللبنانية مقارنة مع نمو القطاع الصناعي في الخارج والدول المنافسة لنا.
ويشير بعض الخبراء الى المشهد القاتم لمستقبل الإقتصاد اللبناني في ضوء انهيار الدعائم السابقة دون أن يكون للدولة اللبنانية قدرة على رسم سياسات جديدة قابلة للتنفيذ. “فالعملة الوطنية الى انهيار قد يصل مع نهاية العام الجاري الى نحو 40 الف ليرة مقابل الدولار الواحد، في أفضل سيناريو تفاؤلي، إذ يشير تقرير لمعهد التمويل الدولي قبل فترة الى سيناريو تشاؤمي للسنوت المقبلة قد يصل فيها الدولار الى 110 آلاف ليرة مع نهاية العام 2026!
ويضيف التقرير الذي حصلت عليه “الحوارنيوز” إلى أهمية أن “تكون الأولوية في خطة التعافي لإعادة الودائع من 200 الف دولار وما دون والتي تشكل 95 % من عدد الحسابات المصرفية، ضمن آجال قصيرة الأمد”.
كما يشير التقرير الى أهمية انشاء صناديق سيادية تدير أصول الدولة، أكانت صناديق عقارية أو مرتبطة بمؤسسات يمكن أن تشكل موضوع شراكة مع القطاع الخاص”.
وبالعودة الى بيان الرئيس الشامي فإن ملاحظة الخبراء المركزية تتصل بقوله أن “الكابيتال كونترول” سيحد من التحويلات الخارجية لأسباب لها علاقة بالاستيراد… ويسأل الخبراء: بالنسبة للشامي فإنه لا حاجة للإستيراد في وقت يضيق الخناق تدريجيا حول القطاعين الصناعي والسياحي بعد انهيار القطاع الخدماتي، فعن أي اقتصاد يبحث الشامي؟
إن مشروع الكابيتال كونترول على أهميته الآن، غير أنه فقد وظيفته الفعلية بعد أن جرت تحويلات كبرى خلال الفترة السابقة، والحديث كله عن أموال المودعين الكبار ممن لا “ظهر لهم” أو مغتربين ممن خسروا جنى العمر، وتريد الدولة أن تمول عجزها أو تغطي سرقات حكامها من أموال الناس.