الخصوصية اللبنانية والواقع الفلسطيني(حيدر شومان)
كتب حيدر شومان
لا شك أن الواقع اللبناني بلغ ذروته المأساوية في السياسة والاقتصاد وغيرهما وبات اليأس هو السائد في الأجواء اللبنانية العامة. ولا شك أن ما يجري في فلسطين المحتلة منذ أيام ولا يزال وقعه حتى هذه اللحظة يشير إلى حدة المجازر الإسرائيلية من جديد ضد شعب يعتبر أعزل مع الاعتراف بتملّكه بعضاً من التميّز عسكرياً مقارنة بما مضى من العقود.
لقد اعتبر الابن “البار” نديم الجميل، كما غيره من “الوطنيين” في لبنان أن بلدنا هو الأولوية ولا شأن لنا في الصراعات التي تدور حولنا، وهذا أس المنطق الذي طرحه نيافة البطريرك الراعي في الحياد وما يماثله من مفردات تصبُّ في هذا الإطار. وكما في الأغلبية الساحقة من الإعلام العربي المتجاهلة تماماً للمجازر الإسرائيلية في فلسطين، (ومنها ما يدعم الإسرائيلي بكل وقاحة)، فإننا نجد الإعلام اللبناني يسير في هذا المسار والعذر دوماً واقعنا اللبناني الأليم ولا حول لنا ولا قوة لندخل في صراعات لا شأن لنا بها، ولو كان المظلوم أخاً والظالم عدواً، وكلمة الحق مهما علت لن تصدَّ صواريخ أو تنقذ روحاً بل لن تكون سوى أضعف الإيمان.
لقد دأب الصوت العربي (ومنها الصوت اللبناني) في السنين الخالية على ملء الآفاق الرحيبة بالاستنكار والشجب والإدانة والتهديد والوعيد كلما تعرّضت فلسطين وأهلها للقتل والتدمير على أيدي الصهاينة، وكثيراً ما كانت الشعوب تلعن ذلك الصوت الأجوف الفارغ الذي لا يطفىء ناراً ولا يشفي سقماً ولا ينير عتمة. وحيث إن التجارب تعمّق النفوس وتفتح الأذهان وتبدّد الغشاوات، وحيث إن مشاهد الموت أثقلت العيون، وآهات الألم أجهدت الآذان، ونداء الضمير أمسى أغنية شاحبة خافتة لا تحْدث أي جديد، سكن ذلك الصوت خوفاً أو خجلاً أو عبثاً واستحال سكوناً أسودَ مريب.
لقد أصبح لكل بلد عربي (ومنها لبنان بالطبع) خصوصياته الضيقة التي لا تستوعب أي حيّز آت ٍ من خلف الحدود، وإطار يعزله نفسياً عن غيره من البلاد العربية المجاورة والبعيدة، وبذلك يمكنه النطق كفراً أو إيماناً، وممارسة الرذيلة أو الفضيلة، ومغازلة الصهاينة أو لعنهم، بل ويمكنه إنعاش الحركة الدبلوماسية مع إسرائيل ومدها بالخيرات التي تنقصها. أوليس التطبيع العربي مؤخراً صدى لمثل كل هذا…
لقد أُريد للوجدان العربي فيما مضى(واللبناني بالطبع)، أن يمحو كل صورة تختزن الوحدة السياسية والجغرافية، أما اليوم فقد بدأت تتحقق مخططات التقسيم السياسي والجغرافي والاجتماعي والاقتصادي والقومي، وحتى الديني، وهل نحتاج إلى أمثلة على ذلك؟
الواقع الفلسطيني حالياً لا يمكن فصله عن المسار الأسود المتعلق بلبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا التي تعاني من المخططات الإمبريالية القديمة الجديدة، كذلك لا يمكن فصله عن الدول التي تفخر بمعاهدة السلام والتطبيع مع الصهاينة بالإضافة إلى التي تسعى لعقد السلام المرتقب عمّا قريب.
المخطط واحد وشامل لكل المنطقة، والمسار واحد وشامل لسائر الدول العربية، ولا شك أن صمود الشعب الفلسطيني حالياً والدفاع النوعي الذي نشهده اليوم من مقاومته، كما شهدنا مثيله في لبنان من قبل، يشي بالكثير من التفاؤل، وينير شمعة عظيمة في وسط واقعنا المظلم الدامس. ولا شك أن استفادة لبنان الجريح من هذا النور سوف يكون كبيراً وسوف يؤثر إيجاباً على المرحلة المقبلة من تاريخ هذا الصراع الذي لا يمكن أن يكون أبدياً كما تحدّثنا حكايات التاريخ الغابرة. الاهتمام بالشأن اللبناني أمر يجب أن يكون أولوياً، وهذا ما لا ينكره عاقل، لكن التشبث بالإنعزالية القديمة والركون إلى الحياد المريب وإغماض العيون عما يدور من حولنا والتلهي بالخصوصية اللبنانية الضيقة المظلمة لن ينتج عنه سوى التهميش والإهمال وعدم الانتماء للعالم من حولنا. وإن أردتم الدليل فاسألوا المقاومة.