كتب أ. مصطفى سكري* – الحوارنيوز
( الحلقة الأولى) ( 1 من 5 )
بداية لا بد من التأكيد على أن المعلومات التاريخية والأركيولوجية التي توفرت لدى الباحثين خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، قد أظهرت عدم صحة المرويات التوراتية، وعدم اتساقها مع تاريخ فلسطين ، وبالتالي لا يصح اعتمادها مرجعا ذا مصداقية علمية. فاعتماد منظري الصهيونية بشكل عام ،والصهيونية المسيحية بشكل خاص، على المرويات التوراتية متجاهلين المنهج التاريخي يعتبر تبريرا لرؤية أيديولوجية سياسية إستعمارية.
ولا بد في هذا المجال من التنويه بجهود العديد من الباحثين والمؤرخين وعلماء الآثار الأكاديميين المعاصرين – ومنهم إسرائيليون – الذين بادروا إلى قراءة علمية للمرويات التوراتية ، وكشفوا بدراساتهم حجم الأساطير والخرافات فيها ، وأثبتوا بالدليل القاطع سقوط النص التوراتي كمصدر للتأريخ ولفكرة الحق الديني والوعد الإلهي بتملك أرض فلسطين.
منهم على سبيل المثال لا الحصر : جمال حمدان ، محمد مرقطن ، باميلا بارماش ، إسرائيل فنلكستاين ، راشيل هافرلوك ، ستيفن سايرز ، واليهودي نداف نعمان .
نشوء حركة الاصلاح الديني البروتستانتية :
خلافا للكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية ، فقد ظهر في أوائل القرن السادس عشر منهج لتفسير الكتاب المقدس يختلف عن النظرة المسيحية التقليدية في ما يتعلق بالوعد الإلهي لبني إسرائيل ، تمثل هذا المنهج في حركة دينية مسيحية أصولية محافظة من الطائفة البروتستانتية تعود جذورها إلى تيار ديني ظهر في القرن الأول للمسيحية ، يعرف بتيار ( الألفية ) أتباعه مسيحيون من أصول عبرية.
كانت البروتستانتية في بداياتها حركة إصلاح ديني ضد الكاثوليكية ، قام بها مارتن لوثر ( ت 1546) الكاهن الألماني الحاصل على الدكتوراه في اللاهوت ، الذي اقترح تغيير ممارسات المسيحية لتتفق على نحو أوثق مع الكتاب المقدس، معترضا على صكوك الغفران ومطالبا بالغائها ، وكانت رغبته جامحة في إعادة الاعتبار لليهود وضرورة ” تمسيحهم” تمهيدا لعودة المسيح الثانية ، ولكنه تراجع عن كثير من مواقفه وآرائه المتعلقة باليهود ، وكتب كتاب ” اليهود وأكاذيبهم” أعرب فيه عن خيبة أمله في دخول اليهود في الدين المسيحي ، وأن دخولهم لن يتم إلا بعد عودتهم لأرض فلسطين وعودة المسيح إليها.
وقد تأثر بحركة الإصلاح اللوثرية كل من السويسري أولريخ زونجلي ( ت 1531 ) ، وعالم اللاهوت الفرنسي جون كالفن(ت 1564) الذي أصبح من أتباعها وأسس البروتستانتية الكالفينية التي انتشرت في سويسرا وفرنسا ، وكانت بداية لظهور الأثر اليهودي الذي اعتمدته الكنائس الإنجيلية في تأسيسها.
لقد فسر كالفن معنى العهد ( الجديد) على أنه ( التجديد) لليهود بوعد الرب لهم ، أي أن الإله لم يُعط الوعد لليهود دون أن يتعهد بأن يفي بوعده.
إن هذا الاعتقاد المسيحي البروتستانتي الكالفيني الإنجيلي يعتبر حجر الأساس في فكر المسيحية الصهيونية ، وذلك قبل أن يؤمن اليهود أنفسهم به.
وكان قيام جمهورية هولندا في بداية القرن السابع عشر على أساس المبادئ البروتستانتية الكالفينية ، بمثابة انطلاقة الحركة الصهيونية المسيحية في أوروبا ، ما ساعد على ظهور جمعيات وكنائس وأحزاب سياسية عملت جميعا على تمكين اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. من أبرز هذه الحركات الحركة البورتيانية (الطهورية) المتشددة التي تأسست من رحم البروتستانتية على المبادئ الكالفينية بزعانة السياسي البريطاني أوليفر كرومويل الذي دعا حكومته إلى حمل شرف إعادة اليهود إلى أرض أجدادهم – حسب زعمه – وتوطينهم في فلسطين ، ما أعطى للصهيونية المسيحية بعدها السياسي الأيديولوجي للمرة الأولى.
مصادر البحث
———————
1- الصهيونية والحضارة الغربية. د. عبد الوهاب المسيري .
2- الصهيونية المسيحية. د. محمد السماك.
3- البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني .د. يوسف الحسن.
4- الصهيونية المسيحية خارطة الطريق إلى هرمجدون ؟ ستيفن سايرز ، ترجمة نقولا أبو مراد.
5- الصهيونية غير اليهودية ، جذورها في التاريخ الغربي. ريجينا الشريف ، ترجمة أحمد عبد الله عبد العزيز.
( يتبع في الحلقة الثانية)
*باحث من سوريا