التسوية المنتظرة آتية..والمطلوب الصبر والعقل وعدم التسرع (عماد عكوش)
بقلم الدكتورعماد عكوش – الحوار نيوز
مع نهاية الأسبوع الثاني لحرب غزة ،لا يبدو في الأفق حل مقبول من قبل الطرفين الإسرائيلي أوالفلسطيني ، والشروط التي طرحها العدو الإسرائيلي وتبنتها الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن ان تقبل بها المقاومة الفلسطينية .
ان قدوم الرئيس الأميركي الى الكيان الإسرائيلي والذي سبقه أرسال حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد ومتابعته وحضوره بصورة مباشرة لاجتماعات مجلس وزراء الكيان المصغر، لهو دليل كبير على أهتمام الولايات المتحدة الاميركية الكبير جدا ، وخوفها في الوقت نفسه من تبعات ما يجري سواء على المستوى العسكري والتي من خلال وجود حاملة الطائرات ووجود الرئيس الاميركي أرادت الولايات المتحدة ان توجه رسالة واضحة بالوقوف الى جانب إسرائيل في معركتها الحالية ،أو معركتها مع بقية الاطراف في حال توسع دائرة المعركة .أيضا هي رسالة أقتصادية بأن الولايات المتحدة لن تترك الكيان لمصيره الإقتصادي، خاصة بعد التراجع الكبير والخسائر الكبيرة التي حصلت انطلاقا من تراجع العملة الإسرائيلية بنسبة تصل الى حدود عشرة بالمئة ، ومن حجم الاحتياطي الذي استعمله المصرف المركزي الإسرائيلي لوقف عملية تدهور سعر العملة والتي كلفت المصرف المركزي أكثر من ثلاثين مليار دولار ، الى تراجع أداء بورصة تل أبيب وانخفاض المؤشرات الأساسية للبورصة بنسبة زادت عن 7 بالمئة ، الى توقف شبه كامل للقطاعات الإقتصادية وخاصة في القطاع السياحي والنقل ، وانخفاض نسب التشغيل في كل من مرفأ حيفا ومطار بن غوريون ، وإلغاء كثير من رحلات شركات الطيران الأجنبية الى إسرائيل ، وتعليقها للكثير من رحلاتها لأجل غير محدد بانتظار جلاء الأمور .
إن الخسائر البشرية التي منيت بها إسرائيل لغاية الساعة كبيرة جدا. والعقل الإسرائيلي لم يستوعب لغاية الساعة ما حصل ، وبالتالي فإن عملية التخبط الكبير الذي يقوم به هذا الكيان وارتكابه للمجازر المتكررة والتي كان أكبرها ما حصل داخل مستشفى المعمداني، هي عملية مفهومة أنطلاقا من معايير وعادات العدو ، والمستنكرة إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا ، فهو عاجز تماما في أرض المعركة مقابل المقاومة، ولكنه محرج جدا أمام شعبه ومستوطنيه ولا يجد بديلا عن هذه المجازر لإرضاء الجبهة الداخلية والتي بدأت تتزلزل وتفقد معنوياتها، وقد رأينا طوابير المهاجرين بدأت تظهر هروبا عبر المطارات الإسرائيلية .
من الناحية الإقتصادية فإن استدعاء الأحتياط الى صفوف الجيش الإسرائيلي يعني شغور الكثير من الوظائف في القطاعات الإقتصادية ، كما ان إيقاف اليد الفلسطينية عن العمل في المصانع والمزارع الإسرائيلية سيكون له كبير الأثر على أستمرار أداء الإقتصاد الإسرائيلي ، وسنشهد في الايام القليلة القادمة أذا ما استمرت هذه المعركة الكثير من التراجع ، وهذا كان الهدف الثاني أضافة الى الهدف العسكري والأمني لزيارة الرئيس الأميركي ، فسقوط الإقتصاد الإسرائيلي يعني سقوط وظيفة إسرائيل الحالية في المنطقة، وهي منع تشبيك الإقتصاد الصيني والروسي مع اقتصادات الدول العربية ، وكان آخر إجراءاتها ما حكي عن طريق بديل لمبادرة الحزام والطريق في قمة نيودلهي والتي تربط الهند وشرق آسيا بأوروبا عبر سكة حديد تبدأ بالامارات وتنتهي بمرفأ حيفا .
ان المعركة الذكية التي تديرها المقاومة اللبنانية عند الحدود اللبنانية، إضافة الى غض الطرف عن عمليات القوى الفلسطينية ورمي بعض الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية داخل أراضي 1948 ، إن هذه الإدارة الذكية جعلت الإسرائيلي حائرا بما يرد وما يفعل للرد عليها ، وهي معركة بكل معنى الكلمة، ولكن مع ضوابط تمكنت من خلالها المقاومة اللبنانية من كف يد العدو وشل قدرته على توسيع دائرة القصف والإعتداء ،وبالتالي تجنب الكثير من الخسائر ، طبعا مع ما يمكن ان يحصل فيما لو توسعت هذه المعارك وتدحرجت من اتساع الصراع ليصبح صراعا إقليميا كبيرا يدخل فيه الكثير من الأطراف ،وربما يتحول الى صراع دولي ويجر فيه العدو الإسرائيلي الطرف الأميركي الى النزاع وهذا ما يريده ويتمناه .
ان المعركة الحالية لن تستمر لفترة طويلة تزيد عن الشهر، لأن استمرارها لن يكون في مصلحة إسرائيل، حتى ولو قدمت أوروبا والولايات المتحدة الكثير من المساعدات لها، وهي لن تكون كثيرة نظرا لالتزام الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بالوقوف الى جانب أوكرانيا والتي تستنزف الكثير من المساعدات ،وبالتالي فإن فتح جبهة جديدة لن تكون في مصلحة الاتحاد الاوروبي وهو الذي يعاني من نسب تضخم كبيرة نتيجة للعقوبات التي تنعكس عليها من ناحية استيراد الغاز الروسي الرخيص ، ومن ارتفاع أسعار الطاقة والفوائد عالميا والتي يضرب الركائز الاساسية لأي نشاط صناعي ، كما لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة الاميركية المنشغلة في حروبها الإقتصادية مع الروس والصين، وبالتالي لا مصلحة لها في فتح جبهة مباشرة جديدة . ومن هنا كانت الأخبار التي تحدثت عن تخفيض مستوى العقوبات على فنزويلا التي تملك أكبر إحتياطي عالمي من النفط بعد فشلها في المفاوضات مع ايران وضغطها على مجموعة أوبك لرفع سقف الأنتاج وتخفيف الضغط على الإقتصاد الأوروبي والأميركي .
في النهاية نرى أن الحل لن يكون قريبا لأن المفاوضات ستكون قاسية ،فهناك خسائر بشرية كبيرة ، كما ان هناك عددا كبيرا من الأسرى يتجاوز 200 أسير ، وهناك مستوطنات كثيرة في غلاف غزة وفي الحدود الشمالية مع لبنان قد تم تفريغها بالكامل، ولن يعود المستوطنون اليها بهذه السهولة من دون ضمانات جدية لهم ، هذه الضمانات لا يمكن تامينها اليوم أو خلال شهر، وبالتالي ستبقى المناوشات قائمة في الفترة المقبلة مع بعض الحالات الحرجة التي قد تصيب المدنيين بخسائر بعضها كبير .
الجميع يعلم أن توسع المعركة سيؤدي الى نتائج كارثية على كل المستويات ولدى جميع الأطراف ، والولايات المتحدة الاميركية تعلم ذلك جيدا ،ولذلك يظن البعض أن الوجود المباشر للرئيس الأميركي في فلسطين المحتلة وحضوره لجلسات مجلس الوزراء المصغر، كان يهدف الى كبح جماح الجنون الذي يمكن ان يقوم به بنيامين نتنياهو، وهذا الأمر محتمل ، فنتنياهو حلمه ان تدخل الولايات المتحدة الأميركية الحرب بشكل مباشر، سواء مع الفلسطيني ، اللبناني ، أو حتى الإيراني والتي تعتبرها العدو رقم واحد . من هنا فإن الأمر دقيق جدا ومن المنطقي عدم إعطاء هذه الفرصة للإسرائيلي ليستفيد من أي مساعدة خارجية عسكرية تقوي موقفه .
المعركة قاسية وطويلة، لكن بالتأكيد الخاسر الأكبر فيها وبكل الحالات هو الكيان الإسرائيلي ، كل ما نحتاجه هو الصبر وعدم التسرع في المواقف والخطوات والذهاب بالعواطف . ما نحتاجه هو المزيد من التعقل والحكمة ،فالتسوية المنتظرة آتية وبشروط المقاومة .