البحث عن وطن ضائع
غازي مراد – الحوارنيوز
ماذا بعد …
وماذا تريدون؟
وقد بلغ السيلُ الزبى، وضاقت الأرواح بحامليها والأنفس بأصحابها، وصار العيشُ عبئًا على الأحياء، ولا حياء يردعكم.
أيّةُ حياةٍ نحياها في لبنان؟؟؟ وأيةُ أيامٍ يتجدّدُ سوؤها كل يوم ونحن الموزَعين بين قلقٍ من وباءٍ قاتل، واضطرابٍ وخوفٍ ومعاناةٍ وقرفٍ من سلوكٍ سياسيٍ صار خبزَ يومنا، حتى لكأنّ الفساد صار نهجًا، ممنوعٌ تغييره، بل سمةَ من سيكون مسؤولا في هذا البلد
وأسألُ نفسي هل يوجد في الكون ما هو موجود في هذا الوطن؟ ذلك إنْ صحّتْ تسميته بالوطن، هل يعيش إنسانٌ كما يعيش المواطن في لبنان؟
لماذا؟ لأجل بقاء مجدِ حفنةٍ من سياسيين أشبعوا البلد سلبًا ونهبًا وفسادًا. من أجل سلطةٍ أصبحت حِكرًا لهم. من أجل موقعٍ هنا أو هناك، ولمن؟ للطائفة وللحزب، والناس تتخبط بين الجوع والفقر والداء.
تتكلمون عن الولاء، ولمن الولاء … وتتكلمون عن المواطنة، وأية مواطنة، الأفضل أن تتكلموا عن الجشع والطمع والسرقة، عن مزارعكم ومقاطعاتكم وولاياتكم، تكلموا عن الإستتباع الذي وزعتموه على طوائفكم، والذي فرّق الناس وخرّب عليهم الإنتفاض بذريعة المسِّ بالمقدسات وبالرموز، فالسارق لا يُحاسب لأنه مَحمي بطائفته ومذهبه، والقاتلُ يَرقى بقتله، أما الفاسد فهنيئًا له ما أفسد، حيث يعلم أنه مَعفيٌ من المحاسبة ومعه الخطوط الحمراء.
كأن الوطن لا يعنيهم بشيء ولا أهلُ هذا الوطن، ومع هذا يتواقفون عند سماعهم النشيد الوطني، ولكل ٍ منهم نشيدُه.
ما نراه ونسمعه ونعايشه هو في قمة المهازل وفي قمة الإستخفاف وقمة الإزدراء للناس.
كم وكم من ملفات الفساد فُتِحتْ ونُشِرتْ أسماءُ أصحابها بوثائق ومستندات، وكل يومٍ تطالعنا فضائح جديدة، وكم من جريمةٍ ارتُكِبَتْ وراح ضحيتها الألاف من البشر الأبرياء، وكم وكم من الإرتكابات والصفقات حصلت وما زالت تحصل بتبجحٍ ووقاحة، والكلام عن حقوق المِلل والنِحل ولا مكان لحقوقٍ الوطن والمواطن.
لعمري ما من وطن في العالم أمضى مسؤولوه أشهرًا وسنواتٍ ليختاروا رئيسا أو حكومة أو مجلسا لأنهم ينتظرون شاراتٍ وإملاءات وإيحاءات، حتى وسفارات.
كأن السلطة في لبنان كان ينقصها وباء كورونا لِتُكمِل الإجهازَ على المواطن، ولولا أن هذا الوباء كونيٌ لظننا أنه صنيعة هذه السلطة التي دأبها قهر الناس وإذلالهم.
المواطن في لبنان اليوم هو بائسٌ مُحبطٌ حزينٌ وخائف،
بائس الى حد اليأس من أملً يعيد إليه ثقته بمؤسساته، بعدما نخرها الفساد، ومُحبطٌ لأنه يعلم أنه لن يستطيع أن يُبدلَ من الواقع، وحزين لأنه لم يعد يملك الحد الأدنى من الكرامة، وخائف لأن له عائلة تسأله عن احتياجاتها من الغذاء والدواء وهو ليس قادرا على تأمينها.
في ذاكرتي ما زالت تقبع صورةٌ جميلة عن لبنان، كان فيه رجال دولة، يومها لم يكن المواطن يركض خلف لقمة العيش ولم يقف أمام محطات الوقود ولم يسارع الى المصارف لاسترجاع ودائعه التي سلبوها منه ومنعوا التحقيق عن جرائم سرقتها، ولم يكونوا يختلفون على وزير هنا ووزير من هناك او على حقيبة من هنا او هناك، ولم يكن المسؤولون يرمون بالفساد على الصغار ويطالبونهم بالكشف عن اموالهم ، ولم يكن لهم موجودات مالية في المصارف الغربية، يومها كان هناك قانون يحاسب المذنب والسارق، ولم يكن الإستقواء على طفلٍ جائعٍ سرق رغيف خبزٍ فأودع السجن ، ويومها لم تكن التعيينات مسجلةً باسم الطوائف والمحاسيب بل كانت بمعايير الأهلية والكفاءة ، ويومها كان هناك شعب حيٌ متماسكٌ وموحدٌ ضد التسلط والفساد ولم يكن يشتِّتُه لونٌ أو إسم.
أعجب لمواطن يعاني هذه المعاناة ويعيش هذه الآلام كيف له ألا يتحرر من نير الولاء للشخص ويقبل بأن يبقى طيِّعا وأداة استعباد
أعجب لمواطن يجوع ويمرض ويُذل فيرضخ، وينتفض لو ذُكر معلمُه بانتقاد
(رحم الله المازني)، ورحم الله رجالاً مرّوا في هذا الوطن كانوا رجالاً، وكانوا للوطن.