الاردن أمام فرصة تاريخية للانضمام لحركة التغيير الشرق أوسطية(جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز
طالَ انتظار وصبرْ الاردن لمجئ فرصة او وقت مناسب يسمحُ له باتخاذ قرار استراتيجي بتبني سياسة خارجية متحرّرة مِنْ بعض ثوابتها و اطرها التقليدية.
للأردن حسابات وعليه استحقاقات سياسية وطنية واقليمية ودولية، تنوء بحملِها دولة أكبر بكثير من الاردن بمساحتها وبإمكاناتها، لذا ، ليس مِنْ السهلْ عليه، أنُ يُحدِثْ استدارة في مساره السياسي التقليدي والمحافِظْ دون مراعاة لتلك الحسابات والاستحقاقات.
ما يهوّنُ على الاردن مشاق هذا المسار، ليس فقط صبره، وانما ايضاً تفهّم اشقائه العرب، وبالأخص جارهُ العراق ، الذي لم يتوقفْ عن دعمه ، وعن التعبير له، حكومياً وبرلمانياً ، ومن كافة احزابه السياسية، عن التضامن ازاء مواقف وتصريحات حكومة اليمين المتطرف للكيان المُحتل. يحضرني بيت شعرٍ للمتنبي فيه خير وصفٍ لعلاقة العراق بالأردن:
“وحالات الزمان عليك شّتى( يا عراق)
وحالك واحدٌ في كّلِ حالِ
مع الاعتذار للشاعر على التصّرف في متن البيت في ادخال كلمة ” العراق “. كان ، على ما يبدو ، الزمنُ كفيلاً كي يدركُ الاردن الشقيق بأنّ مَنْ يتربّصهُ بالغدر والانقضاض ليس بُدعة ووهم ” الهلال الشيعي” ، وانما حقيقة خطر ” نجمة داود” .
في مقال سابق وبعنوان ” الصين والمملكة وايران : توافق على النفوذ وتوزيع الادوار ( نُشِرَ في الحوار نيوز الالكترونية hiwarnew.com ) ومواقع اخرى ، بتاريخ ٢٠٢٣/٤/٢٠ ، عبّرنا عن أملنا وتوقعّنا بأنْ لا يُترك ملف الاردن وما يواجهه من تحديات دون اهتمام ورعاية المملكة العربية السعودية ، وهي تتناول ملفات المنطقة ، الواحدة تلو الاخرى ( اليمن ، لبنان ،سوريا ،فلسطين )، وجاءت في الامس ، ٢٠٢٣/٤/٢١ ، زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية الى عمّان لتؤكّد حرص المملكة ودعمها للاردن، وروح التضامن العربي وتوحيد المواقف قبل انعقاد القمّة المرتقبة في الرياض بتاريخ ٢٠٢٣/٥/١٩ .
الاردن ،الآن ، امام فرصة إحداث الاستدارة المطلوبة في مسار سياسته الخارجية، ولمصالحهِ الاستراتيجية . استدارة ، طالَ انتظارها ، وعبّرت ، ومنذُ مُدّة ، اقلام و افكار النُخب الاردنية السياسية والثقافية للمطالبه بها ( أقصد بالاستدارة ) . ( انظر في ذلك مقالات عديدة في صحف عربية و اجنبية ،أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر ، القدس العربي ، ٢٠٢٣/٤/١٥ ) .
لماذا الآن، و ماهي مؤشرات و مقومات هذه الفرصة ؟
خطر خطط وفِتنْ الكيان المحتل على المملكة الاردنية ليس وليد اليوم ، تعايشَ معه الاردن لعقود من الزمن ، وكان ( وأقصد الخطر ) في حالة سُبات و يقظة حين تتطلب ظروف اليقظة .أَولمْ يدّعي مؤسّسو الكيان وقادته فكرة ” الاردن هو الوطن البديل للفلسطينيين ” ؟
أَولمْ يكن ضمن مخططاتهم إسكان الفلسطينيين في الصحراء الغربية من العراق؟ كذلك محاولاتهم لانهاء الولاية الهاشميّة على الحرم القدسي الشريف ، او المساومة بها لاغراضهم السياسيّة ؟
اسرائيل اليوم هي ليست اسرائيل الامس . فقدت قوة الردع ، وتتفكك داخلياً ، ومهووسة بتنبؤات زوالها الموروثة توراتياً وتأريخياً ،ولم تعدْ تحظى بتلك الرعاية والحضانة الامريكية ، لزوال الاسباب و القدرة . اهتمام امريكا والغرب بإسرائيل بسبب اهتمامهم ، ومن اجل مصالحهم ،في المنطقة ، هجرتهم ،يوم بعد يوم ،عن المنطقة ، يبعدهم عن رعايتهم المُكلفة لاسرائيل .
لم يعُدْ الاردن يأتمن اسرائيل ، وهي في عُهدة حكومة متطرفة و ارهابية ، ومنبوذة حتى من الولايات المتحدة الامريكية ، وتجدر الاشارة إلى أن الرئيس بايدن يرفض ،حتى الآن ،استقبال نتنياهو !
يدركُ الاردن حقيقة انحسار النفوذ الامريكي في المنطقة ، وانفتاح حلفاء واصدقاء امريكا نحو القوى الاسيوية ، وفي مقدمتهم الصين ، ويمضي هذا الانفتاح ،كما يبدو لي ، بموافقة مُكره لامريكا، اي ليس برضا وانما باستسلام! لن يبقى الاردن بمعزل عن توجّه دول المنطقة نحو بناء شرق اوسط جديد ،قوامه السلام والامن والتعاون بين دوله العربية و الاقليمية ، بدلاً من الحرب والفتن و الطائفية وتبديد الثروات ، وهي وسائل المعيشه لامريكا ولاسرائيل في المنطقة .
الاردن بأمّس الحاجة الى التكامل بمحيطه العربي المباشر ( العراق ، سوريا ، لبنان ، المملكة العربية السعودية ) ، ومحيطه الاقليمي ( ايران ،تركيا ) ،ومن أجل تنويع مصادر الدعم الاقتصادي ، وكذلك الدعم السياسي و الامني.
الاردن ، وبالرغم من اتفاقيات السلام مع الكيان المحتل ، ما يزال دولة مواجهة لهذا والكيان ، طالما هو كيان مُحتل لفلسطين ورافض لحقوق الشعب الفلسطيني ، ومتمرد على القوانين الدولية والشرعية الدولية ، ومُهدد لوحدة اراضي ومياه المملكة ، وهذا ما تدركهُ الشعوب العربية ، ويدركُه الشعب الاردني .
المحيط العربي والاقليمي للأردن سيكون داعما ومساندا له
فيما اذا الذئب الراقد بجوارهِ ( اسرائيل ) كشّرَ عن انيابه . انضمام الاردن الى مسار الشرق الاوسط الجديد ، بأبعاده العربية والاقليمية ، سيمنحه قوة ردع ترغم اسرائيل على الانضباط ، في الافعال وفي التصريحات.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل