الاتفاق العراقي الصيني )النفط مقابل الإعمار ( صورة لفشل السياسة الخارجية الأميركي
د.جواد الهنداوي -الحوارنيوز خاص
ألدبلوماسية و الحرب الشرعية هما أدوات السياسة الخارجية لأي دولة. فقدانهما يُجرّد الدولة من سياسة خارجية. وهو حال امريكا اليوم، في عهد الرئيس ترامب، مقارنة بعهد سلفهِ،الرئيس أوباما. وعندما تخسر الدولة سياستها الخارجية تفقدُ مكانتها و هيبتها بين دول العالم .
لنبدأ بالدبلوماسية .
هل يمارس الرئيس ترامب وادارته الدبلوماسية ؟
للاختصار ، وتجنّباً للاجتهاد في الإجابة، أدعوا القارئ الكريم الى الاطلاع على كتاب بعنوان " القناة الخلفية " ( the BAck channel , Random House ، صدرَ عام ٢٠١٩ ، للدبلوماسي الامريكي ويليام بيرنز ، سفير سابق لأمريكا في روسيا من عام ٢٠٠٥ ولغاية ٢٠٠٨، ونائب وزير الخارجية.
يصفُ المؤلف الدبلوماسية الأمريكية في عهد الرئيس ترامب، بأنها مركونة في غرفة العناية الفائقة. ويعّرف المؤلف الدبلوماسية " الأداة الرئيسة التي تستخدم لإدارة العلاقات الخارجية، والحد من التهديدات، واغتنام الفرص لتعظيم الامن والازدهار … "
يصف الكاتب وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس ترامب " كأنها تحاول استنساخ دور وزارة المستعمرات البريطانية ". ( جريدة الأخبار اللبنانية / مقال بعنوان دبلوماسية امريكية في طور الاحتضار / وليد شرارة /٢٠١٩/٤/١٩ ) .
تطبيقاً لمعاير وصفْ الدبلوماسية، الواردة في التعريف، نجدُ افتقار السياسة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية: امريكا اليوم لا تدير علاقات خارجية وإنما تدير عداءات خارجية، امريكا اليوم لا تحدْ من التهديدات وإنما تُكثر من التهديدات، امريكا اليوم تغتنمُ الفرص ليس لتعظيم الامن والاستقرار العالميّن وانما لتهديم الامن و الاستقرار .
تجّردْ سياسة امريكا من الدبلوماسية هو سبب رئيسي لفشلها .
تتبنى امريكا اليوم سياسة حروب ناعمة و غير شرعية. سياسة لا تليق بمكانة دولة عظمى، و لا تعّبر عن تطلعات واخلاق المجتمع الامريكي و نُخبهِ و احرارهِ.
امريكا تفرض الحصار وعقوبات غير إنسانية على دول وشعوب ( فنزويلا ، ايران ) وتفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على دول أخرى (روسيا ،الصين ،كوريا الشمالية وغيرها )، وتتبنى، بحجّة الديمقراطية وحقوق الانسان، دعم التمّرد و الانقلاب على الانظمة.
امريكا اليوم تعلن وتتبنى سياسة الاغتيالات، اي ممارسة ارهاب دولة، وتتقاسم واسرائيل ( كيان مُحتلْ) هذه الجرائم و السمعة.
فشل امريكا في سياستها الخارجية ،لتجرّدها من الدبلوماسية ولتبنيها حروب ناعمة غير مشروعة وجرائم اغتيالات، له تداعيات، ماهي؟
فقدت امريكا الكثير من مكانتها وهيبتها لدي الدول والرأي العام العالمي . لم تتوقفْ الصحافة العالمية ، و الأمريكية والبريطانية وغيرهما من الإفصاح عن تدهور مكانة وهيبة امريكا لصالح الصين و روسيا، وعزمهما لربط اوربا بطريق الحرير الصيني، وفي إطار المشروع الاستراتيجي الأوربي الآسيوي الكبير .
خسرتْ امريكا مصداقيتها وثقتها لدى الدول و لصالح الصين اقتصادياً و لصالح روسيا عسكرياً.
اتفاقية الصين مع العراق وفق قاعدة " النفط مقابل الإعمار " كانت بمثابة خطوة خطيرة تنالُ من قدرة السلاح النقدي والاقتصادي لأمريكا وهو الدولار.
كُلفة أعمار العراق ليس الدولار وانمّا كمية محدودة من النفط، ستكون هذه الخطوة ربما نموذجاً لخطوات أخرى تتبعها دول أخرى، أمرٌ يساهم في الإسراع الى صين عظمى، و الى انحسار تداول الدولار و الى انحسار نفوذ امريكا سياسياً و اقتصادياً .
نجاح الاتفاق الصيني العراقي "النفط مقابل الإعمار "، سيخلدُ في ذاكرة العراقيين أضاءة وأمل خلافاً لاذعان " النفط مقابل الغذاء " الذي فرضته امريكا على العراقيين حصاراً و إذلالًا، ابانَ تسعينات القرن الماضي .
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات، بروكسل