“الإنتفاضة الشعبية الجنوبية” تنشر الجيش في 18 بلدة حدودية
الحوارنيوز – صحافة
نجحت الإنتفاضة الشعبية الجنوبية أمس في تحرير عدد من البلدات ،ما مكن الجيش اللبناني من الإنتشار في 18 بلدة حدودية ،ويستعد للإنتشار في بلدات أخرى محررة،على الرغم من ممانعة قوات الطوارئ الدولية ومحاولتها الحؤول دون ذلك.
وفي هذا الإطار كتبت أمال خليل في صحيفة الأخبار:
سجّل يوم أمس، أكبر تطبيق لخطة انتشار الجيش اللبناني منذ وقف إطلاق النار. مدفوعاً بالأهالي العائدين إلى بلداتهم الحدودية المحتلة، أعاد الجيش تمركزه في عشرات البلدات. وما لم يستطع تنفيذه في شهرين، نفّذه في يوم واحد. الحواجز التي استحدثها عند مداخل البلدات المحتلة، كسرها الأهالي واجتازوها نحو بلداتهم رغم تربص قناصة الاحتلال، ما دفع الجيش إلى تتبعهم، والنتيجة أنه أعاد تمركزه في 18 بلدة حدودية في القطاع الغربي والقطاع الأوسط والقطاع الشرقي.
وفي تحديث لخريطة انتشاره، أضاف الجيش مساء أمس على لائحة مراكزه قرى بني حيان ومارون الرأس وعيترون ويارون وراميا والضهيرة ويارين وأم التوت والزلوطية والطيبة ودير سريان وبيت ليف وحانين والقنطرة وعيتا الشعب والقوزح. ومن المنتظر أن ينتشر قريباً في ميس الجبل وبليدا وحولا ومروحين ومحيبيب ومركبا وكفركلا والعديسة ورب ثلاثين وطلوسة والحمامص وسردا والوزاني والعباسية والمجيدية وبسطرة والسدانة وبركة النقار ودير ميماس.
ونجحت إرادة أهل الجنوب بإبطال مفعول مناورة العدو ومن خلفه لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في تطبيق استنسابي لبنود الاتفاق.
ما فعله الجنوبيون أمس، تزامن مع إجراءات اتخذتها قيادة منطقة الجنوب في الجيش، التي تعاونت مع الناس، وألغت قرارها السابق بـ«تشديد الإجراءات على مداخل البلدات المحتلة ومنع الأهالي من تجاوزها». وقد رفض ضباط الجيش التجاوب مع طلبات قوات اليونيفل مؤازرة الجيش في منع الأهالي من العبور، سيما أن قيادة اليونيفل التي تعبّر عن استيائها من طريقة تعامل رئيس لجنة الإشراف الجنرال الأميركي معها، قد خضعت للضغوط الأميركية وتقدمت بعرض لقائد قطاع جنوب الليطاني العميد إدغار لاوندس قبل يوم واحد من عودة الأهالي بتأمين الدعم لتشديد الإجراءات عند المداخل الرئيسية المؤدية إلى المنطقة الحدودية.
ميدانياً، رُصدت دوريات لليونيفل في الصباح الباكر بين بعض البلدات قبل أن تقلّص تواجدها بعد فشل خططها واجتياح الأهالي المنطقة التي كان يُفترض أن تصبح عازلة. وفي مشهد لافت، حضرت دورية مؤللة من قوات اليونيفل إلى طريق برج الملوك – تل النحاس من ناحية كفركلا المحتلة. وتوقفت بالقرب من آلية إسرائيلية خلف الساتر الترابي الذي استحدثه العدو أمام تجمع أهالي كفركلا لمنعهم من التقدم. وبعد ساعتين من التوقف، غادرت الدورية بعد وصول محلّقة إسرائيلية لمراقبة الحشد. ثم بدأ قناصة العدو باستهداف كل من يقترب من الساتر بإصابات قاتلة في الرأس والصدر، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة مواطنين.
لمّ الأهالي شمل جميع البلدات الحدودية المحتلة باستثناء كفركلا والعديسة حيث أطبق العدو عليهما بالقنص والقنابل الصوتية. وهاجمت دبابة ميركافا الناس المجتمعين عند مدخل العديسة لناحية الطيبة لإبعادهم. وخلال النهار، استشهد أربعة مواطنين وجُرح تسعة جراء إطلاق النار عليهم من المنازل التي يختبئ فيها جنود العدو في تلة المدرسة المقابلة.
وفي صحيفة الأخبار أيضا كتب داني الأمين تحت عنوان “تحرير القطاع الشرقي: لن نكون القرى السبع الجديدة”:
منذ أول أمس، بدأ عدد من أبناء القرى الحدودية التوجه إلى مشارف قراهم. حمل بعضهم هواتفهم وكاميراتهم وبدأوا برصد منازلهم، أو ما بقي منها، وأعدّوا العدة لليوم التالي. كان القرار هو الدخول إلى بلداتهم، والعبور بشكل جماعي، في وقت كانت دبابات العدوّ وجرافاته تتقدم إلى نقاط إضافية في وادي السلوقي وغيره، وتواصل جرف ما يمكن جرفه من مبان وأشجار وآبار ارتوازية، إضافة إلى رفع سواتر ترابية لإقفال الطرقات بشكل كلّي.
«تمادي العدو كان دافعاً للدخول بأنفسنا وعدم انتظار أي قرار لدخولنا، لأن أي تأخّر يعني ترك العدوّ يهدم ما بقي من أملاك وبنى تحتية» يقول ابن بلدة ميس الجبل أحمد حمدان الذي وصل إلى بلدة شقرا مع عائلته، السادسة من صباح أمس، مع عدد كبير من أبناء بلدته. ركنوا سياراتهم في الطريق المؤدي إلى وادي السلوقي، حيث كان الجيش قد وضع شريطاً شائكاً لمنع السيارات من العبور. وفي طريق مواز قريب، تجمّع المئات من أبناء بلدة حولا. نسوة وأطفال كانوا في مقدّمة المتجمّعين، بعضهم حمل رايات المقاومة وصور الشهداء، مع إدراكهم لخطورة الخطوة المقبلين عليها، فـ«الجيش لم يمنع حضورنا ولا تقدّمنا، بل منع السيارات من العبور، وهو أمر زاد من خطورة التحدّي، فقد كنّا مع عشرات الأهالي مجرّدين من أي حماية» يقول حسن قبلان، من ميس الجبل، لافتاً إلى أن «المغامرة هذه قد تفقدنا عزيزاً أو حبيباً، لكنّ المعنيين لم يتركوا لنا خياراً آخر». باتجاه بلدة ميس الجبل كانت أم أحمد تجرّ طفلها الصغير، تقول «سبقني زوجي على دراجته النارية، وأنا سأنتقل مع الأهالي سيراً على الأقدام». تدرك أم أحمد أن الرصاص قد يطاولها أو يطاول طفلها أو زوجها، لكنّ «الدخول إلى ميس بات واجباً لأن التراخي قد يؤجّل أو يمنع الانسحاب ويزيد من بطش العدو وتدميره للأحياء والمباني».
إلى حولا وميس الجبل
السابعة صباحاً انطلق الأهالي، يتقدمهم شبان سيراً على الأقدام أو على دراجات نارية باتجاه حولا وميس الجبل. وبعد أقلّ من ساعة، اقترب العابرون من البلدتين، رغم أن المسير طويل ومتعب. حوالي الثامنة صباحاً بدأت أصوات الرصاص تُسمع من داخل بلدة حولا. كان العدو يستهدف مباشرة أول الواصلين، فأصيب عدد من أبناء البلدة، ونقل صاحب إحدى الدراجات النارية أحد المصابين إلى مدخل شقرا. كانت الإصابة طفيفة. لكن، بعد ساعة تقريباً، بدأت تصل الأخبار عن إصابات متعددة في حولا واستشهاد الناشط علي غالب قطيش، الشاب اللطيف الذي كان يحاول نقل الطمأنينة إلى أبناء بلدته من خلال بث مشاهد أحياء البلدة وأزقتها، عندما قرّر العدو اغتياله مع عدد من رفاقه بإطلاق الرصاص عليهم مباشرة. استشهد علي وأصيب ثمانية آخرون، ثم أُعلن عن استشهاد اثنين من الجرحى، إضافة إلى أسر ثلاثة من أبناء البلدة.
لكن ما حصل لم يؤخّر تقدّم الأهالي، بل ازدادت الحشود، واقتنع الجيش بفتح الطريق أمام السيارات باتجاه المدخل الغربي للبلدة، حيث كان العدوّ قد رفع ساتراً ترابياً وتمركز بدباباته ليمنع التقدم، وقد عمد إلى حرق عدد من المنازل. بقي أبناء حولا يحاولون دخول الأحياء الغربية، وواجهوا جنود العدو مباشرة، وتم أسر أحد الشبان المدنيين أثناء هجوم من جنود العدو على عدد من المتقدمين. وحتى ساعة متأخرة بقي أبناء حولا خارج أحيائهم السكنية بعدما أمضوا نهارهم على الطريق العام، أو في عدد من المنازل في الجهة الغربية، ينتظرون تحرّك المعنيين ودخول الجيش.
«تمادي العدو كان دافعاً للدخول
بأنفسنا وعدم انتظار أي قرار لدخولنا»
المشهد تكرّر في بلدة ميس الجبل، لكن بوتيرة أسرع، إذ تمكّن العشرات من الدخول في ساعات الصباح الأولى سيراً على الأقدام إلى وسط البلدة، وصولاً إلى قرب مركز اليونيفل، وعلى بعد أمتار من دبابات العدو المنتشرة في الشارع العام الرئيسي. قرابة الحادية عشرة، فتح الجيش الطريق أمام سيارات الأهالي ليتقدموا بالمئات إلى داخل البلدة، فبدأ العدوّ يطلق الرصاص على الأهالي وأصاب بعضهم. كانت مشاهد الدمار كبيرة. المحال التجارية التي كان يقصدها مئات الزبائن من كل المناطق اللبنانية سُوّيت بالأرض، كذلك الحال بالنسبة إلى مئات المباني الأخرى. يلفت التاجر حسن شقير إلى أن «الدمار رغم حجمه الكبير، لن يمنعنا من العودة والإقامة في منازلنا، ما ننتظره فقط هو حضور الدولة ومؤسساتها، من خلال تأمين الكهرباء والمياه والباقي علينا، سنقيم هنا من جديد وهذا الوقت للعمل وإعادة الحياة أفضل مما كانت عليه». ويشير إلى أن «جميع الأهالي الذين دخلوا البلدة كانوا يعلمون أن الموت قد ينتظرهم لكنهم قرّروا التحدي وسننتزع النصر شيئاً فشيئاً وندخل باقي أحياء البلدة، فالعدوّ سيبقى جباناً مهما عظمت ترسانته العسكرية».
تحرير الطيبة وانتشال الشهداء
تجمّع أهالي الطيبة عند حاجز الجيش قرب نهر الليطاني في قعقعية الجسر، وانطلقوا صباحاً باتجاه وادي الحجير ومنه إلى دير سريان وصولاً إلى مدخل البلدة، هناك رفضوا الانصياع لأوامر الجيش بعدم التقدم، فتخطّت السيارات الطريق المقفلة، عبر جانبي الطريق العام، وتمكنوا من الوصول بسياراتهم. لم يكن مشهد ساحة البلدة المهدّم والأبنية المدمرة يميناً وشمالاً وأصوات الرصاص المنطلقة من دبابات العدو المتمركزة في تلة العويضة وبلدة العديسة المجاورة عائقاً للتقدم ودخول المنازل والأحياء. حضر المئات وأهالي وأقرباء الشهداء المفقودين في البلدة، من بينهم الشهيد الدكتور زهير منصور الذي حضرت شقيقته إلى مكان استشهاده في مركز الهيئة الصحية الإسلامية المهدّم، وهي تحمل الورود وتنتظر البحث عن جثمانه.
عضو المجلس البلدي عباس مستراح قال إن «الأولوية للبحث عن جثامين حوالي 43 شهيداً سقطوا في البلدة، وستبدأ البلدية العمل فوراً على إزالة الركام وتشغيل ما تبقّى من مولدات اشتراكات الكهرباء، علماً أن العدو استهدف عدداً منها ومن الجرافات والآليات الموجودة في البلدة». وقدّر مستراح «عدد الوحدات السكنية المهدّمة بما يزيد على 300 إضافة إلى عدد كبير من المؤسسات والمراكز الخدماتية المختلفة وأهمها مركز الهيئة الصحية الذي كان بمثابة مستشفى صغير يقدّم الخدمات الطبية والعلاجية لأبناء المنطقة».
وحتى العصر، لم يكن أبناء بلدات ربّ ثلاثين والعديسة وكفركلا قد دخلوا إلى بلداتهم باستثناء عدد قليل دخلوا وخرجوا بعد تعرضهم لإطلاق النيران، فتوقف القادمون إلى بلدة ربّ ثلاثين والعديسة في بلدة الطيبة بانتظار انسحاب جيش العدوّ، أما أبناء بلدة كفركلا فقد انتظروا قرب بلدة برج الملوك عودة بعضهم من حيث أتوا على أن يعودوا اليوم.
عيترون تنذر: الانسحاب أو المقاومة
على طريق عام كونين – بنت جبيل، نظّم الأهالي حواجز محبّة لاستقبال القادمين إلى بلداتهم من أبناء بلدات يارون، مارون الرأس، عيترون وبليدا، حيث نُثرت الورود وتم توزيع المياه والطعام ورُفعت صور الشهداء. منذ السابعة صباحاً بدأت سيارات الأهالي تصل إلى مداخل بلداتهم، وعلى خلاف المتوقّع استطاع أبناء بلدة مارون الرأس الوصول باكراً إلى مدخل البلدة التي يحتاج الوصول إليها إلى صعود طريقها الوعر، والتي تتمركز فيها دبابات العدوّ في أكثر من مكان، ورغم إطلاق النار وصل أبناء مارون حاملين الرايات وصور الشهداء، واقتربوا من السواتر الترابية التي يتمركز خلفها جنود العدوّ، هناك كان مشهد البلدة قد تغيّر بالكامل، إذ سُوّيت جميع المنازل بالأرض وجُرفت الطرقات حتى باتت معرفة معالم البلدة واتجاهات طرقاتها صعبة. أما في بلدة يارون فيشير رئيس البلدية علي تحفة إلى أن «الأهالي وصلوا إلى مدخل البلدة مع عوائل الشهداء، وفتحوا الطريق التي أقفلها العدوّ إلى أن وصلوا إلى المدخل الرئيسي حيث يتواجد جنود العدو خلف ساتر ترابي مرتفع، ولامست أيديهم فوهة مدفع الدبابة المتمركزة هناك، ورغم إطلاق النيران المتكررة باتجاههم فإنهم صمدوا وسيعودون اليوم وفي الأيام التي تلي ولكن بوتيرة مختلفة».
لم يقترب أحمد إسماعيل من منزله المهدّم في أول البلدة، وقف بعيداً لأنه يرفض أن «يراني أهالي الشهداء لأنهم قدّموا أغلى ما عندهم كي نعود إلى البلدة، ولن نأسف على أكثر من 330 منزلاً تهدّمت في البلدة، وكل همنا أن نبذل ما في وسعنا لطرد العدوّ مهما كلّف الثمن».
أما أهالي عيترون فلم يتمكنوا من الدخول إلى أحياء البلدة، بعد أن تقدّم العشرات منهم إلى مدخل البلدة ليجدوا دبابات العدو قد تمركزت في الشارع العام وفي أحياء مختلفة، وبدأت بإطلاق النيران باتجاههم، ما أدى إلى سقوط ثلاثة شهداء بينهم امرأة وجرح 12 آخرين. يقول حسن مراد إن «عناد العدوّ وجبروته لن يطولا كثيراً، فسيعود الأهلي غداً (اليوم) وفي الأيام التي تلي، وسيحاولون الدخول بالقوة».
يقول رئيس بلدية عيترون سليم مراد إن «الأهالي حملوا أمانة المقاومين والشهداء الذين دماؤهم أقوى من إصرار العدو على البقاء، وهم قدّموا اليوم (أمس) 6 شهداء و15 جريحاً وسيعودون غداً (اليوم)، ونقول لرئيس الجمهورية والمعنيين إننا دفعنا أغلى ضريبة من أجل الوطن والآن نقول لهم ننتظر دوركم ودور الجيش، وإلا فنحن المقاومة التي ستخرج هذا العدو، ولن نسمح بأن نكون كالقرى السبع، ولن ننتظر أياماً جديدة، فقد عمل العدو خلال الستين يوماً الأخيرة على تدمير أكثر مما دمّره خلال سنة كاملة من الحرب».