كتب حلمي موسى من غزة:
شعرت حكومة نتنياهو بالانتشاء من نجاح القوات الإسرائيلية في “تحرير” أسيرين إسرائيليين من منزل في رفح بعد عدة محاولات فاشلة لتنفيذ هكذا عمليات. ورغم أن هذا الانتشاء ظل محصورا في دوائر الحكم ولم يتخطاه لا إلى المستوى الجماهيري ولا حتى المستوى الإعلامي، إلا أن ذلك لم يعكس صورة الانتصار المطلوبة في ظل استمرار المقاومة وسقوط جنود إسرائيليين آخرهم قائد كتيبة في خانيونس.
وتتسم هذه العملية بأهمية ما في نظر نتنياهو لأنها تسبق اجتماعا مقررا لأعضاء مقترح باريس في القاهرة للبحث في تحريك مفاوضات تبادل الأسرى، إذ تعتبر إسرائيل نجاح العملية تأكيدا لقدرتها على ممارسة الضغط العسكري على حماس لتليين موقفها من تبادل الأسرى.
ولنبدأ من النهاية، ورغم مكالمة بايدن مع نتنياهو والتي حثه فيها على إرسال وفد إسرائيلي للاجتماع إلى رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ورئيس المخابرات العامة المصرية ورئيس الوزراء القطري، فإن أنباء إسرائيلية تشير إلى عدم النية لإرسال الوفد الإسرائيلي.
ورأت وسائل إعلام إسرائيلية أن الطريق إلى صفقة تبادل ما زال طويلاً، ولكن من وراء الكواليس تُبذل جهود لتضييق الفجوات وتليين مطالب حماس من أجل الاتفاق على الخطوط العريضة المحتملة. وحتى هذه اللحظة، لا ينوي الجانب الإسرائيلي إرسال ممثل إلى مصر لإجراء محادثات، لكنهم يقولون إن القرار لا يزال من الممكن أن يتغير.
ويوضح مسؤولون كبار في إسرائيل أن الفجوات في الصفقة لا تزال كبيرة، وهناك في الجانب الإسرائيلي إجماع كامل على أن الشروط التي طرحتها حماس غير قابلة للتفاوض. لكن مسؤولين سياسيين أكدوا أن القرار قد يتغير في الساعات المقبلة بعد محادثات وجهود تجري خلف الكواليس.
ومنذ تم تقديم رد حماس، الذي يتضمن عددا غير قليل من البنود الإشكالية من وجهة نظر إسرائيلية، عمل رئيس الموساد ديدي بارنيع مع مصر ومع رئيس وزراء قطر من أجل تضييق الفجوات والتمكن من الاجتماع من أجل التوصل إلى اتفاق، حيث يجري نقاش جدي حول الخطوط العريضة للصفقة. ويعمل رئيس الموساد، من بين أمور أخرى، مع رئيس المخابرات المصري ورئيس وكالة المخابرات المركزية للتحرك نحو الخطوط العريضة.
في كل حال من الواضح أن نجاح عملية تحرير الأسيرين الإسرائيليين في ظروف غير معروفة تماما إلا عبر المنظار الإسرائيلي. وإسرائيل تحاول الإيحاء بأن العملية تمت في ظروف بطولية وأنه جرى التخطيط لها منذ أسابيع وكانت بانتظار اللحظة المناسبة. وتحاول إسرائيل أن تعرض العملية وكأنها اختراق لقوات حماس، بل وتم الإعلان عن أن القوات الإسرائيلية تخطت خطوط دفاع ثلاث كتائب لحماس. غير أن معطيات ظهرت أشارت إلى أن الأسيرين العجوزين كانا في عهدة عائلة مدنية وليس في عهدة حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر، ما يشير ربما إلى أن “الاقتحام” جرى إخراجه بشكل درامي وسط ما لا يقل عن 50 غارة جوية استهدفت بيوتا ومساجد في إطار التغطية عليها.
وبحسب ما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية سبقت العملية استعدادات محمومة ونماذج عديدة، تعرف خلالها المقاتلون على البنية وآخر المعلومات الاستخبارية، وأعدوا خطط عملياتية مفصلة بالحالات والردود على كل سيناريو محتمل.
المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بموقع الأسيرين كانت في أيدي الشاباك منذ فترة، لكن أصحاب القرار كانوا ينتظرون الظروف المثالية من الناحية الاستخباراتية والعملياتية، والتي من شأنها أن تزيد من فرص نجاح العملية في منطقة الشابورة في رفح.
وحسب الإسرائيليين فإنه منذ بداية الحرب، يحاول الجيش والمؤسسة الأمنية باستمرار توفير فرص لتحرير الإسرى بقوة السلاح، وقد خاطر عدد غير قليل من الجنود بحياتهم بل وأصيبوا في عمليات الإنقاذ. لكن بالنظر إلى أن الأسرى موزعون في أماكن كثيرة، فوق وتحت سطح الأرض، ويخضعون لحراسة مشددة وأماكن مفخخة ، فإن النجاحات قليلة.
في عدد لا بأس به من الحالات خلال الأشهر الأربعة الماضية، كان لدى المؤسسة الأمنية معلومات حول موقع الأسرى في الوقت الحقيقي، لكن لم يتم إنقاذهم لأنه عندما تم أخذ الاحتمالات في الاعتبار مقابل مخاطر العملية، كان الاستنتاج هو أن فرصة إنقاذهم الآمن لم تكن عالية.وهذا ما كان متوفرا هذه المرة. لكن لوحظ أنه للمرة الأولى طوال الحرب يتم إشراك وحدة مكافحة الإرهاب الخاصة بالشرطة والمعروفة باسم “يمام”. وربما أن هذه المشاركة تنطوي على أبعاد سياسية وحزبية خصوصا أن الشرطة تخضع لإمرة وزير الأمن القومي بن جفير. وهكذا ورغم إيحاءات إعلامية بأنه تم استبعاد بن جفير من الاطلاع على قرار تنفيذ العملية إلا أن بن جفير نفسه كان في استقبال مرؤوسيه عند عودتهم من العملية. وهذا يبين أن بن جفير يمكنه الإفادة من هذه العملية وتجييرها لمصلحة حزبه ،خصوصا وأنه كثيرا ما يحارب على أنه لا يفقه شيئا لا في العسكرية ولا في الاستراتيجيا السياسية. وواضح أيضا أن نتنياهو يريد منح بن جفير ورقة تفيده في مستقبل الأيام حيث ليس من المستغرب أن يزعم بن جفير أنه أفلح في ما سبق وأخفق الجيش في تحقيقه.
ويتم عرض العملية على أنها تعبير، ليس عن شجاعة مقاتلين ،وإنما أيضا عن شجاعة قادة سياسيين اتخذوا القرار بتنفيذ العملية. وهنا يبدو أن نتنياهو هو المستفيد الأكبر من هذه الصورة. ومع ذلك هناك من يعتقد أن الخيط الفاصل بين النجاح والفشل في مثل هذه العمليات بالغ الدقة.
وتشير تقديرات في إسرائيل إلى أنه رغم النشوة البادية على قادة الحكم والأمن جراء نجاح هذه العملية، إلا أن تكرار النجاح في مثلها أمر غير مضمون. فالمقاومة في غزة تتعلم بسرعة ويمكنها أن تسد الثغرات، وهذا يجعل الركون إلى العمل العسكري لتحرير باقي الأسرى أمرا غير مضمون النتائج. وهو ما يقود بالضرورة إلى الاضطرار إلى خط التفاوض للافراج عن باقي الأسرى الأحياء منهم والأموات.
ومع ذلك أتاح نجاح العملية لوزير الحرب يؤآف غالانت وأنصار خط الضغط العسكري للإعلان أنه “سيكون هناك المزيد من العمليات. وهذا أعطى الجمهور في إسرائيل نفسا من الهواء النقي. لدينا مختطفون ونحتاج إلى الوصول إليهم”. وشدد غالانت على أن “وجودنا هنا يعتمد على الردع”. يجب أن يكون رمز هذا الحدث هو غزة المدمرة، وخان يونس المدمرة، والإرهابيون القتلى تحت الأرض، وعلى الأرض، هذا هو الرمز”.
وأضاف غالانت في حديثه مع المشاركين في العملية : “من هذا الإجراء بالذات، حدث انقلاب في تفكيرنا وفي تفكير حماس”. من الممكن الذهاب إلى أي مكان والقيام بأي شيء ويتم ذلك بطريقة واضحة وحادة للغاية، والجمهور اليوم يدرك أن هناك من يثق به”.