الإساءة إلى النبي وضرورة تغيير الخطاب الديني
حيدر شومان
عندما يُساء إلى النبي في فرنسا (أو في غيرها) ويُبرر الأمر بما يُعرف بحرية التعبير، لهو أمر مُستهجن، أو يجب أن يكون. وعندما تكون ردة الفعل جريمة وحشية بشعة بحق أستاذ مدرسة لهو أمر مستهجن أيضاً أو يجب أن يكون. وبين الفعل وردة الفعل ثمة تساؤلات ينبغي أن تُثار في كلا الميدانين:
-هل تُعتبر مثل هذه الإساءة مسألة فردية أراد صاحبها من خلالها التعبير عما وجد فيه أهمية استثنائية أحب أن يثيرها كما يمكن أن تُثار أي قضية في هذا المجال؟
-من أي مصدر، أو مصادر استقى الأستاذ المذنب الضحية (كما غيره من قبل) معطيات من الواضح أنها مكذوبة أو مبالَغ في تفاصيلها؟
-هل التعرض للنبي في كل فترة من الزمن (في فرنسا أو غيرها) هو أمر فردي ارتجالي لم يُخطط له ولم تُدرس تداعياته؟
-وهل يستأهل أو يستحق عنوان حرية التعبير عن الرأي في قضية جانبية لا تعني المجتمع الفرنسي (أو غيره من المجتمعات) تبعات ردود الأفعال الغاضبة في العالم الإسلامي ،وما يمكن أن ينتج عنه من سلبيات كمقاطعة البضائع الفرنسية مثلاً (وإن كنا نشك أن مثل ذلك قابل أن يتحقق)؟ وفي المقلب الآخر هناك تساؤلات أخرى:
-هل الجرائم التي تُرتكب كرد على الإساءة، كالجريمة التي ارتكبت بحق أستاذ المدرسة، هي ردود أفعال فردية ارتجالية دون إيعاز أو تحريض من جهة معينة لها محل معين من التأثير في الداخل أو الخارج؟
-وهل مثل هذه الجرائم تبرّد الغضب الذي من الممكن أن يتفاقم عند المجتمعات الإسلامية؟
-وأخيراً هل يُلام الخطاب الإسلامي على إساءة الآخرين لفهم الدين الحنيف وكثير من قضايا عقيدته والشريعة؟
لا شك أن التعرض للإسلام ونبيّه ليس أمراً مستحدثاً وسوف يستمر مع استمرار الفتن التي تُحاك، والعداوة التاريخية التي لم يبرد أتونها، لكن المستغرب هو ضعف ردة الفعل العامة عند المجتمعات الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ،وقد بات لافتاً في السنين الأخيرة لأسباب عديدة لن ندخل في تفاصيلها في هذه العجالة.
ولا نستغرب من وجود خيط رفيع مشترك يربط بين الفعل المسيء للدين أو لنبيّه والجريمة التي تُرتكب بعده، خصوصاً وأن كلا الأمرين له مردود سلبي على الإسلام من خلال التعرض لتفاصيل حساسة من تفاصيل الدين أو شريعته وعدم إلمام غالبية المسلمين بها والعجز عن التصدي للمفتريات الآتية من عمق الغرب الذي يُعتبر كافراً عند الكثير من المسلمين. كما أن الإساءة تطال المجتمعات الإسلامية التي تُحمَّل إزر مرتكب الجريمة التي غالباً ما تكون بشعة ولافتة حتى تأخد حيزاً كبيراً لدى وجدان المجتمعات الغربية التي يحلو لبعضنا وصفها بالمجتمعات الرقيقة المسالمة التي لا تفقه أو تطيق لغة العنف والدماء والقتل التي نبرع فيها ونجيد استخدامها.
ولا شك أن مثل هذه الجرائم الاستثنائية سوف تسوَّق وكأنها انعكاس حقيقي وعضوي لتعاليم الإسلام والنبي، خصوصاً وأن في تاريخنا الكثير من الأمثلة التي تبدو في ممارساتها الوحشية وغير الإنسانية وكأنها تبارك مثل هذه الجرائم وتجد لها المبررات.
ولهذا لن يهدأ التهجم الغربي وغيره على المقدسات الإسلامية ومحاولة تشويه رموزه وتعاليمه، وللأسف فإن كثيراً منها ينجح في الغاية التي رُسمت من أجله، وما خبرناه في العقود الأخيرة القليلة من ممارسات شاذة لبعض الجهات المتطرفة التي تحمل عنوان الإسلام في توجهاتها يساعد هذا التشويه ويصل به إلى مبتغاه الواضح والصريح.
لذلك علينا قبل التصدي لحملات التعرض للإسلام ورموزه أن نحصّن ساحتنا التي أصبح الكثير من جنباتها مهترئاً واهناً يشوبه الضعف والعجز، فلا يستطيع الخطاب الإسلامي راهناً مخاطبة أجيال الانترنت والتواصل الاجتماعي المختلفة إلا من خلال لغة القرون الغابرة ومفردات يشوب معظمها الجهل والتخلف. إن آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لا تتقوقعان في غياهب الزمان والمكان المحدودين، بل إن فيهما من الخطاب المتجدد ما يتواءم مع كل عصر جديد وأجيال قادمة. أما الالتصاق بالموروث القديم كله، وتقديس القدامى لأنهم قدامى، وكل ما يصدر عنهم من أقوال وأفكار وآراء، دون اعتبار لتطور الزمان والمكان والظروف العامة المحيطة بكل واحد منهم، وهذا وغيره من العوامل التي جعلتنا نعيش الماضي ونغرق في تفاصيله غائبين عن الحاضر وصور المستقبل.
على الخطاب الديني (ولا نقول الدين) أن يتطور بتطور الحياة وتقدّم الأجيال وتبدل الوسائل المعيشية بكل أشكالها، فلا يبقى الإسلام فكرة متخلفة في ذهن غارق في كهوف العصور المظلمة وظلالها الباهتة، وإنما يتألّق نوراً وسناءً وجمالاً كما أراده الله عز وجل ورسوله الأكرم ليكون حياة للإنسان في كل تفاصيل حياته العامة والخاصة.
لا نرضى عن أستاذ المدرسة وما تعرّض فيه للنبي الأكرم، كما لا نرضى عن الجريمة الوحشية التي ارتكبها الشاب المسلم، ولا نرضى عن الجهة أو الجهتين (أو أكثر) اللتين تقفان خلفهما، وعلينا أن نفهم المجتمعات الفرنسية وغيرها (ومنها المجتمعات الإسلامية أيضاً) أن الإسلام هو دين الرحمة والسلام، وإن برز في تاريخنا الأسود بعض الشخصيات المتوحشة التي لا تمثل الإسلام في شيء، كما علينا أن نبرز الصورة الحضارية التي تبرز هذا الدين الحنيف والتي كتبت خيوطها من خلال العلم والتقدم والتطور، وليس من خلال الاستغراق الغبي في حوادث الماضي البعيد ورموزه وننسى حاضرنا البائس والمستقبل الذي لا يبدو منيراً كما نراه من خلال معطياتنا الأليمة.