رأي

الإرهاب الأميركي وشرور العالم المعاصر:”فلسطين أنموذج لبعث جديد”(فرح موسى)

 

أ.د.فرح موسى – الحوار نيوز

منذ انعقاد مؤتمر يالطا على سواحل البحر الأسود في فبراير١٩٤٥م، بين أميركا والاتحاد السوفياتي وبريطانيا،بعد الانتصارعلى النازية والفاشية،حيث تم في هذا المؤتمر تقسيم إلمانيا والاتفاق على محاكمة النازيين،وغير ذلك مما هو متعلق بمصالح الدول المنتصرة، بدأت المنافسة الحادة على ترتيب المصالح وفق رؤى استراتيجية تتعلق بالمجالات الحيوية لكل دولة تحت عناوين شتى تضمر الكثير من التنافسات القاتلة التي كشفت عنها تحولات الصراع ومشاريع الهيمنة بين ما كان يسمى في حينه الحرب الباردة بين الجبارين،الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية.ولعل من أكثر التنافسات حدةً كان ظهور مشروع”مارشال”،الذي جاءت به أمريكا لإنماء الدول الأوروبية  التي دمرتها الحروب،وأرادت من خلاله الهيمنة على الدول المستفيدة منه؛وهذا ما رأى فيه الاتحاد السوفياتي وسيلة فعالة للحد من النفوذ الروسي(الشيوعي)،وعمل على الحد منه بما أتيح له من دول وقدرات هزيلة.؟فلم تكن أمريكا تنشد السلام من مساعدة أوروبا بقدر ما كانت تريد خلق الأجواء المناسبة لتدخلها في سياسات أوروبا في مواجهة الشيوعية.

ولا شك في أن أوروبا المنهكة بالحروب وجدت نفسها مضطرة للأخذ بالمشروع الأمريكي،وقد أدى ذلك بأوروبا إلى أن تكون القارة العجوز بحسب التسمية الأمريكية،فهي لم تخرج من تحت الوصاية الامريكية باستثناء تلك الدول التي منعها”ستالين”من القبول بالمشروع.وانطلاقًا من ذلك،نرى أن هذه الأمبراطورية الأمريكية أنهت الحرب العالمية باستخدام السلاح النووي في هيروشيما،ثم تابعت ذلك بالحرب ضد فيتنام١٩٦٥م،فقامت بقتل ملايين البشر للحيلولة دون المد الشيوعي،وتغليب أنموذجها الاقتصادي.

فأمريكا،كما يعلم أهل السياسة،قتلت من البشر في غزواتها تحت مسميات شتى أكثر مما قتل في الحروب العالمية. فمن لم تقتله بطائرات ال”بي٥٢”،قتلته بالحصار والعقوبات،كما تفعل اليوم مع كل الدول المناهضة لسياساتها الاستعمارية.وغير بعيد عنا ما ارتكبته هذه الدولة بحق العراق وإيران؛ وها هي فلسطين خير معبّر عن هذه السياسة،حيث يقتل الناس بالسلاح والجوع معًا.وكل هذا يجري تحت مسميات وشعارات الحرية والديمقراطية لدولة تمارس أبشع صنوف الإرهاب التي لم يعهدها العالم من قبل،لا في الحروب ولا في الحصار،فأن يقتل ملايين من الشعب الفيتنامي،وأن يُغزى العراق وأفغانستان وبنما وغرينادا والصومال،وأن تعتدي على إيران بالتسبب بالحرب العراقية الإيرانية،وأن تقتل الشعب الفلسطيني، كل هذا له مسوّغاته القانونية والإنسانية؛أما أن تقاوم الشعوب لنيل حريتها وتقرير مصيرها،فهذا هو الإرهاب بنظر أمبراطورية الشر الأمريكية..

ولكن يمكن لباحث متمرّس أن يقارب بين الأحداث،لتتحصل له نتائج في السياسة والاستراتيجية،بحيث يدرك أن أمريكا بعد ثمان سنوات من الحرب في فيتنام،عادت لتفاوض الثوار في باريس على هزيمتها تمامًا كما هي اليوم تفاوض في الدوحة والقاهرة على هزيمتها في فلسطين؛ومثلما أنه كان من نتائج الهزيمة في فيتنام سقوط “نيكسون”،وسايغون ،وتحقق الوحدة الفيتنامية،فكذلك،كما تظهّر لنا الأحداث من خلال صمود محور المقاومة،سيكون من نتائج حرب غزة وطوفان الأقصى تحرير فلسطين.وما يجري في البحر الأحمر من قصف للبوارج وحاملات الطائرات هو ما ينتظر تقديمه من قوى المقاومة لمشاريع الغرب والصهيونية في غرب آسيا،فإذا كانت أمريكا قد امتدت في طغيانها من مؤتمر يالطا،إلى مؤتمر مالطا الذي قدّم فيه “غورباتشوف”،مشروع هزيمته الشيوعية إلى حلف الناتو،فلم يعد ممكنًا صناعة العدو على النحو الذي يمكّن أمريكا من أن تحيي مشاريع الاقتصاد والتطبيع لتكون أكثر حضورًا وفاعلية في سياساتها التوسعية.

كما أنه لم يعد متاحاً لقوى الاستعمار الاستثمار في غباء الشعوب لإطالة أمد النزاعات في خدمة المشروع الأمريكي،وذلك إنما يمكن التثبّت من حقيقته بلحاظ ما يحدث من تحولات شعبية في الشارع الغربي ضد الإرهاب الأمريكي الصهيوني في فلسطين.لقد سبق للشعب الأمريكي أن عبر عن غضبه إبان الحرب الفيتنامية،وحقق هدفه بحمل الحكام الإرهابيين على وقف الحرب والقبول بالهزيمة،وهذا ما أدركته الشعوب مؤخرًا،فخرجت منددةً بالإرهاب والإبادة الجماعية التي ترتكبها الولايات المتحدة في فلسطين.فالغرب المستعمر لم يوفّق لخلق عدو إسلامي ،ليكون بديلًا للعدو الشيوعي، كما تظهّرلنا من كتابات إرهابية قدّمت للبنتاغون الأمريكي تحت عناوين بحثية فلسفية أعدها”هانتغتون”في كتابه “صدام الحضارات،و”فوكوياما”،في كتابه نهاية التاريخ.؟.

إن فلسطين عادت لتجهض المشروع الغربي بكل ما تظلّل به من مشاريع اقتصادية ودفاعية وتطبيعية،وغير ذلك مما يشاكل زعماء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.فأمريكا منذ هزيمتها في أفغانستان والعراق،بدأت تدرك أن أوهام الفكر والسلع والبروق الحضاري لم تعد تجدي نفعًا في الاستثمار السياسي،فإما أن تحضر بنفسها لتأكيد حيوية مشروعها الإرهابي في غرب آسيا،وإما أن تعمد إلى وسائل بديلة تستنفرها لغايات استعمارية،كما هو ديدنها دائمًا في التلميح إلى التطبيع مع القوى المتحالفة معها رغم كل ما هي عليه من ضعف وحرج اتجاه ما يجري في فلسطين.

إن مجريات الأحداث تكشف لمتأمل بصير،أن فلسطين ومحور المقاومة لن يعطوا أمريكا فرصة أن يكون لها مؤتمرات على شاكلة ما كان يحصل في يالطا،أو في مالطا،لأن الحرب الشعبية ذات الجذور الاستقلالية في وعيها،بل في دينها وسياساتها،هي التي تحدد المسارات،وترسم ملامح التحولات في غرب آسيا والعالم؛فإذا كان لأمريكا من مؤتمر ناجح بعد أحداث فلسطين،والردع الإيراني،والفتح اليمني،فليس أمامها سوى أن تعيد قراءة التاريخ،وكل التغييرات الجيوسياسية لتبني سياساتها الجديدة،بحيث تدرك أن القتل والإرهاب،وحروب الإبادة الجماعية لن تجدي نفعًا في مواجهة مشروع المقاومة لتحرير الأرض وإعادة الحقوق لأصحابها،وليكن لها عبرةُ في ما خسرته أمريكا في فيتنام طيلة سنوات.فماذا أنتم فاعلون أمام شعوب تمتد بها الجغرافيا إلى تخوم الغرب نفسه؟؟؟

لسنا نشك أبدًا في أنكم ستسمعون بسقوط كيانكم الصهيوني في فلسطين،كما سمعتم بسقوط سايغون الفيتنامية.إنها النتيجة الحتمية لصراع الحق ضد الباطل،كما قال تعالى:”بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه،فإذا هو زاهق…”.والسلام.

 

*رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى