كتب حلمي موسى من غزة:
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن بلاده ستبدأ في إسقاط المساعدات الإنسانية من طائرات سلاح الجو الأمريكي في غزة خلال الأيام المقبلة. وبحسب بايدن فإن المساعدات التي تدفقت على غزة حتى الآن ليست كافية، ولذلك ستحاول أمريكا التغلب على كافة العقبات من أجل إدخال المزيد من المساعدات إلى غزة، وأنها تحاول التوصل إلى اتفاق فوري لوقف إطلاق النار للسماح بإدخال المساعدات.
ويختلف إعلان الرئيس الأميركي عن إعلانات سواه، أن بايدن كان أصلا، وربما ما يزال، شريكا في الحرب على غزة، وذلك فإن إعلانه يعبر عن محاولة لإشهار الخلاف مع حكومة نتنياهو. وواضح أن الخلاف بين بايدن وحكومة نتنياهو ليس استراتيجيا، على الأقل حتى الآن، وهو ينحصر في قضايا تبادل الأسرى والهدنة وحجم المعونات الإنسانية لدرء المجاعة في قطاع غزة وخصوصا شمالها. ولكن هناك من يعتقد أن الخلاف أكبر حول ما يعرف ب”اليوم التالي” حيث ترى أمريكا مستقبلا لإسرائيل في ظل حل الدولتين لا يراه ولا يريده نتنياهو.
وقال مسؤولون أميركيون كبار الأسبوع الماضي إن حقيقة بحث البيت الأبيض موضوع اسقاط المعونات جوا يظهر مدى قلق إدارة بايدن من الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وحقيقة أنها تواجه صعوبة في زيادة حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة عبر إسرائيل. وقال أحد كبار المسؤولين الأميركيين: “الوضع سيء حقاً. نحن غير قادرين على إدخال ما يكفي من شاحنات المساعدات ونحتاج إلى إجراءات يائسة مثل إسقاط الغذاء من الطائرات في غزة”. والأهم من كل هذا أن أمريكا تدرك أن العقبة الأساس هي إسرائيل التي تمنع دخول المساعدات أصلا من مصر كما تمنع وصولها حصرا إلى الشمال من جهة وتضرب الشرطة الفلسطينية التي تحاول تأمين وصول المساعدات.
وجاءت مجزرة شارع الرشيد لتلقي أضواء جديدة على كل ما يجري في غزة. فمن جهة أسهمت في إعاقة التوصل إلى اتفاق بشأن التبادل كان الرئيس بايدن يأمل إنجازه قبل يوم الاثنين، ومن جهة أخرى أظهرت مقدار الوحشية الإسرائيلية التي لا يمكن منعها أو السكوت عنها. وقد اشار مسؤولون امريكيون إلى أن بايدن بات يفقد صبره تجاه نتنياهو، وأنه إذا ثبت أنه يعيق صفقة التبادل فإن حسابه عند بايدن سيكون عسيرا.
وكتب المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل أن “من المحتمل أن تلجأ الولايات المتحدة الآن الى استغلال الكارثة (مجزرة الرشيد) لزيادة الضغط على إسرائيل من اجل كبح نشاطاتها العسكرية والموافقة على تسوية سريعة. ولكن هناك لاعب آخر في القصة وهو حماس، التي لا تجد صعوبة في الادراك بأنها اصبحت تتمتع بقدر نادر من القوة على طاولة المفاوضات. في السيناريو المتشائم اكثر من وجهة نظر إسرائيل فانها قد تواجه طلبا دوليا شاملا وحاسما لوقف اطلاق النار من دون التوصل الى حل، حتى لو جزئي، لمشكلة الرهائن”.
وأضاف أن “نتنياهو يواجه الآن صعوبة مزدوجة، بل ربما مضاعفة، في ساحة الحرب إذ وجد نفسه في زاوية فيها ربما يمارس عليه ضغط كبير لوقف العمليات الهجومية في القطاع. في الساحة السياسية الداخلية وزير الدفاع يوآف غالانت انضم أمس لوزراء المعسكر الرسمي من اجل نصب كمين لنتنياهو في مسألة قانون التجنيد. هذا من شأنه، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، أن يجعل الرياح تهب في اشرعة حركة الاحتجاج على خلفية القمع الصارخ لمن يتحملون عبء الخدمة مقارنة مع المتهربين المعفيين من الحريديين. بطريقة أو باخرى تبدو وعود نتنياهو في نهاية الاسبوع بتحقيق النصر الكامل والسريع جوفاء اكثر من أي وقت مضى”.
وأشار هارئيل إلى أن “روح اليأس، التي يصاحبها القلق الشديد، تسود كل حديث يجري في هذه الفترة في العاصمة الامريكية ويتعلق بمستقبل الشرق الأوسط. ما زال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مؤيدا قويا للصهيونية، لكن ادارته معادية للحكومة الإسرائيلية الحالية كما لم تكن أي إدارة أمريكية أخرى معادية لحكومة إسرائيلية في الماضي. لا شك أن الولايات المتحدة وقفت الى جانب إسرائيل بعد 7 تشرين الأول، لكن مرت خمسة اشهر تقريبا منذ اندلاع الحرب في القطاع، والآن الامريكيون يجدون صعوبة متزايدة في فهم التوجه الذي يسير اليه نتنياهو”.
ولاحظ أن “الهجمات على تصرفات رئيس الحكومة وسياسته هي تقريبا موضوع يومي، جزء منه بالتسريب لوسائل الاعلام الامريكية، وجزء منه بالتصريحات العلنية. الاسبوعان المقبلان سيكرسان لجهد آخر من اجل التوصل الى استكمال صفقة جديدة لاطلاق سراح المخطوفين، تقريبا في بداية شهر رمضان في 10 آذار. ولكن اذا لم يتم تحقيق أي تقدم فانه ربما يوجه اصبع الاتهام الى إسرائيل أيضا. اذا كانت إسرائيل هي التي تصمم على وضع العقبات أمام انهاء الصفقة فإن هذا الامر يمكن أن يتمثل بتصريح صريح للرئيس الأمريكي يفيد بأن نتنياهو هو الذي افشل المفاوضات. يجب عدم استبعاد أيضا إمكانية أن يقرر الأمريكيون وقف استخدام الفيتو على قرارات ضد إسرائيل في مجلس الامن. بايدن حذر في هذا الأسبوع علنا بأنه اذا واصلت الحكومة الخط الصقوري الحالي فإن إسرائيل يمكن أن تفقد الدعم في ارجاء العالم”.
وخلص إلى أن “خيبة أمل أمريكا تنبع مما اعتبر في الإدارة الامريكية مزيجا من الغطرسة ونكران الجميل من قبل إسرائيل، ليس فقط أن الرئيس بايدن وقف الى جانب إسرائيل على الفور بعد البدء في المعركة، بل أنه ارسل على الفور تهديدا لإيران وحزب الله بعدم الانضمام للهجوم الذي بدأه رئيس حماس يحيى السنوار. في نفس الوقت اهتم بايدن بأن يعيد ملء مخازن السلاح للجيش الإسرائيلي بضع مرات بواسطة القطار الجوي والبحري للشحنات”.
وأشار تقرير صادر عن مركز بحوث الأمن القومي أعده الباحثان الداد شفيت وتشاك فرايلخ، إلى أن “الوقوف الأميركي إلى جانب إسرائيل في حرب «السيوف الحديدية» لم يسبق له مثيل، ربما باستثناء حرب يوم الغفران. فالولايات المتحدة تشارك اسرائيل في هدف القضاء على حماس وخلق واقع أمني جديد في قطاع غزة والمنطقة الحدودية. ومن الناحية العملية، كان هناك تقسيم غير رسمي للعمل بين البلدين، حيث ركزت إسرائيل على حماس وعملت الولايات المتحدة على تثبيط همة إيران ووكلائها عن التصعيد إلى حد شن حملة إقليمية. ولكن في الوقت نفسه، وضعت الإدارة حدوداً لتصرفات إسرائيل، ولطبيعة القتال في غزة، وطالبت بتقليص الضرر الذي يلحق بالمدنيين وبتوفير الحد الأقصى من المساعدات الإنسانية؛ واحتواء الحرب في قطاع غزة ومنع التصعيد في ساحات أخرى؛ ومنع ترحيل الفلسطينيين من القطاع؛ والانتقال السريع إلى المرحلة الثالثة من الحملة والتخفيف من حدتها. وتركز الإدارة الآن على جهود التوصل إلى اتفاق لإعادة المختطفين يتضمن هدنة طويلة الأمد، تركز خلالها على تعزيز الخطوات التي ستؤدي إلى نهاية الحرب وتصميم نظام إقليمي جديد على أساس إقامة الدولة الفلسطينية، والتطبيع مع السعودية، وإنشاء جبهة ضد إيران. لكن عدم الاستعداد الإسرائيلي لصياغة مفهوم “اليوم التالي” ومعارضتها للرؤية التي وضعتها الإدارة، وكذلك نية إسرائيل توسيع الحملة في قطاع غزة إلى منطقة رفح أيضاً هي أبرز نقاط الخلاف بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الامريكية”.
وبعد أن استعرض التقرير مواقف أمريكا إلى جانب إسرائيل طوال الحرب حتى في مواجهة الأسرة الدولية، وخصوصا في مجلس الأمن، رأى أن “هناك عددا من التطورات المحتملة التي يمكن أن تشكل معضلات صعبة للإدارة بالفعل في الأسابيع المقبلة وتؤثر على العلاقات مع إسرائيل. ويظهر الانزعاج في الإدارة من تنامي شعورها بأن قرارات رئيس الوزراء في ما يتعلق بطريقة إدارة الحرب بشكل عام، وقضية المختطفين بشكل خاص، تتأثر باعتبارات حزبية. ورأى أن تطورات قضية المختطفين، وبعضهم مواطنون أميركيون، يمكن أن تشكل الأساس لتمديد الحملة، بل وحتى لقرار إسرائيلي بشن عملية واسعة النطاق في رفح، قبل الاستعدادات الأولية اللازمة لذلك، وتؤدي أيضاً إلى تصعيد كبير من جانب حزب الله على الساحة الشمالية. ومن المرجح أن تستخدم الإدارة أدوات كبيرة لحمل إسرائيل على إظهار أقصى قدر من ضبط النفس. وبشكل رئيسي، تخشى الإدارة أن تجد نفسها، في القضايا الثلاث، في حاجة إلى دعم الإجراءات الإسرائيلية المخالفة لمواقفها”.
وخلص التقرير إلى أنه “هكذا تصبح إسرائيل على نحو متزايد الجانب “المذنب” في الخطاب الأميركي. إن عقوداً من الإحباط والغضب المتراكم، في مواجهة رفض إسرائيل المستمر للمواقف الأمريكية الأساسية، وفي مقدمتها الحاجة إلى تعزيز حل الدولتين في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تصل الآن إلى آفاق جديدة، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. الجانب الليبرالي من الحزب الديمقراطي. ويساهم هذا أيضاً في تنامي الشعور بالإكراه الجيد من جانب إسرائيل، وهو ما يكافئ الولايات المتحدة على دعمها لسنوات عديدة، مع الرفض المستمر وحتى الاستخدام السياسي من قبل رئيس الوزراء لمعارضته لمواقف الولايات المتحدة”.