بقلم أسامة سبلاني*- ديربورن -ميتشيغان
من أكثر الجوانب المؤسفة للأزمة المستمرة في لبنان، طريقة التعامل مع التحقيقات الجنائية في أعمال العنف الكبرى وهذا هو الحال منذ تأسيس لبنان في القرن الماضي.
معظم التحقيقات إما أنها لم تجر على الإطلاق، أو تم إجراؤها بطريقة غير مهنية، أو خرجت عن مسارها بسبب التسييس.
بعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت في شهر آب الماضي، دار حديث داخل لبنان وخارجه عن الحاجة لتحقيق مهني ونزيه وموثوق حول الانفجار. لكن، ولسوء الحظ وبعد مرور عام على العملية، عدنا إلى نفس العبارات القديمة: التسريبات، والتحليلات، وتغيير القضاة وحملات التشهير والاستغلال السياسي، وغيرها من الاقوال.
إنه أمر محزن وإجرامي بشكل حرفي استخدام دماء مئات الضحايا لتحقيق المكاسب السياسية في بلد يسقط في الهاوية بشكل سريع يوميا.
والأمر الذي يدعو للاسف والحزن هو أن أحد الشخصيات الأمنية اللبنانية البارزة والمهمة من حيث الفعالية والمهنية والاحترام في داخل وخارج لبنان هو أحدث أهداف حملة التشهير المنظمة والشريرة التي تأسست في التحقيق بانفجار مرفأ بيروت.
لقد أشارت التسريبات الأخيرة من التحقيق من ضمنها من قبل قاضي التحقيق طارق البيطار بحد ذاته، إلى أن السلطات لديها أدلة كافية لتوجيه الاتهام الجنائي ضد مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وطلب القاضي بيطار من وزير الداخلية محمد فهمي رفع الحصانة عنه من دون أي أساس قانوني في اطار الواقعية.
وتم ذلك في حين جرى الأمر بشكل انتقائي بالنسبة الى حصانات قادة القوى الامنية الآخرين بمن فيهم قائد الجيش العماد جوزيف عون ورئيس المخابرات العسكرية السابق العميد المتقاعد طوني منصور وآخرين، بالرغم أن الجيش أكثر انخراطا في تخزين الذخيرة والمواد المتفجرة في الميناء من غيره.
والأسوأ من تصرفات القاضي بيطار هو الجوقة التابعة لعدد من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المنظمة التي انضمت للحملة وبدأت بمهاجمة اللواء إبراهيم في محاولة خبيثة لتدمير مصداقيته واغتيال شخصيته.
ويجب على المرء ان يتساءل عن سبب الهجمات المنسقة على اللواء عباس إبراهيم ولماذا الآن في هذا التوقيت؟! ولماذا الاتهامات والإشاعات الاضافية المزيفة عن فساد مالي وحسابات مملوكة خارج لبنان؟! والتي وبالمناسبة لقد اثبت انها معلومات خاطئة ولا أساس لها من الصحة. ويترافق كل هذا مع تسريب مسؤوليته المحتملة في انفجار المرفأ وهو توقيت يعتبر في غاية الصدفة.
هل من يقف وراء هذه الحملة يحاول إعاقة قدرة اللواء ابراهيم في تدخله الشخصي لتحرير الرهائن كما فعل في مناسبات عديدة في السابق؟ او هل يحاول منعه من أن يكون مبعوثا يتمتع بكامل ثقة كل لبنان في العالم العربي وخارجه؟ لا يخفى على أحد أنه لعب دورا رئيسيا ومحوريا في إنقاذ الرهائن الأميركيين واللبنانيين والدوليين كالأطفال الألبان في مخيم الهول وراهبات معلولا واللبنانيين المحتجزين في دولة الإمارات العربية المتحدة، والأمريكيان سام ونزار زكا، والكندي كريستيان باكستر وغيرهم.
آخر ما يحتاجه لبنان اليوم هو أن يفقد أحد المسؤولين فيه الذي يتمتع بالمصداقية ويحظى بالاعجاب والاحترام مصداقيته دون دليل واضح على انه ارتكب أخطاء.
هناك سبب مهم لإبقاء تحقيقات الهيئة الكبرى للمحلفين وجميع التحقيقات الرئيسية في الولايات المتحدة الأميركية سرية الى ان يتم توجيه الاتهام إلى شخص ما بارتكاب جريمة، خاصة إذا كانت تلك التحقيقات تتضمن شخصيات عامة في البلاد.
يجب أن يكون الغرض من التحقيق دائما العثور على الجناة وليس الانتقام من الخصوم السياسيين المفترضين، وعندما يتم استخدام النظام القضائي في خدمة السياسيين تصبح الحقيقة الضحية الأولى وعندها لن يتم تحقيق العدالة.
من المستفيد من ذلك؟ انه الفاسد والمذنب المرتكب.
نعم لا احد فوق القانون ومنهم اللواء عباس ابراهيم وكذلك القاضي بيطار، ولذلك يجب إجراء التحقيق بشكل مهني وسري.
ما يؤلم اللبنانيين الأميركيين أن يروا هذا يحصل في وطنهم الحبيب وكلنا رأينا ماذا حدث للتحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما تحول إلى أداة سياسية.
هذا التحقيق أفشل من قبل أشخاص كانوا مقربين جدا من الحريري وهم قرروا أن نشر التحقيقات في القضية في وسائل الإعلام هي فكرة جيدة.
لا ينبغي ان تتكرر نفس الأخطاء مرة أخرى في التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، لا لسبب آخر بل من أجل المئات الذين استشهدوا وآلاف الجرحى والذين فقدوا أملاكهم، وكذلك ومن أجل لبنان.
هل يمكن لهذا البلد أن يجري تحقيقا واحدا بشكل جدي وأن يعيد ثقة شعبه والعالم بأسره بالنظام القضائي اللبناني؟
لقد حان الوقت لذلك.
*ناشر موقع “آراب أميركان نيوز” وجريدة “صدى الوطن” في ديربورن – ميتشيغان في الولايات المتحدة
زر الذهاب إلى الأعلى