كتب أكرم بزي
تعتبر مبادرة الحزام والطريق أكبر سلاح صيني لمد نفوذ الصين الشعبية كقوة على رأس النظام الدولي العالمي، من خلال استخدام آليات القوى الناعمة المتمثلة في نقل الاستثمارات ورؤوس الأموال وتكنولجيا الإنتاج إلى محيطها الآسيوي، ومجموعة الدول الصاعدة، والدول الأوروبية، والدول الأفريقية.
وتحتل منطقة الشرق الأوسط أهمية لوجيستية للصين تحديداً بدرجة أكبر من أهميتها لمبادرة الحزام والطريق. فلا يقع إقليم الشرق الأوسط داخل أي من المسارات الست الرئيسية للمبادرة، ولكنه يلعب دوراً لوجيستياً في نقل الطاقة إلى شرق آسيا وأوروبا، كما يلعب دوراً في نقل البضائع ما بين آسيا وأفريقيا. ولذلك تطمح الصين في دمج الخليج العربي ومصر بطريق الحرير البحري. وهو ما دفع الصين إلى طرح مبادرات لتطوير سلسلة من مجمعات الموانئ الصناعية المشتركة التي تربط الصين بالخليج وبحر العرب والبحر الأحمر، وحوض البحر الأبيض المتوسط.
البروفسور روبرت دي كابلان، يعتبر من أهم المفكرين الأميركيين المعاصرين المهتمين بالشأن الصيني – الإيراني، ويعبر عن رأيه بالاتفاق الإيراني – الصيني بأنه “التحالف الذي لا يهزم”. ولموقع إيران المتوسط بين نطاق نفوذ دولتين عظيمتين بريطانيا وروسيا، جعلها منطقة تنافس شديد بينهما، وكذلك أنها كانت أحد المعابر الرئيسية التي كانت تستخدمها قوات الحلفاء لمد الإمدادات للاتحاد السوفيتي السابق أثناء مقاومته للغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، ويمكن تقسيم إيران لأربع أقاليم جغرافية رئيسية، وهم: إقليم المرتفعات الغربية، إقليم المرتفعات الشرقية، إقليم المرتفعات الشمالية، إقليم الهضبة الوسطى، وبالتالي فموقعها يعتبر نقطة تجاذب سياسي أمني عسكري اقتصادي بامتياز بين الدول العظمى “روسيا – الصين – الولايات المتحدة الأميركية”.
يقول دي كابلان: “تمثل الصين في القرن الحادي والعشرين تحديًا فريدًا في المقام الأول لأنها إمبراطورية من البر والبحر، نظرًا لخط ساحلي يبلغ طوله 9000 ميل على طول أحد الممرات البحرية الأكثر حيوية في العالم وموقعها القاري في أوراسيا الذي يحد خصومًا تاريخيين مثل الهند وروسيا”.
“طريق الحرير” مشروع عن طريق البر والطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب، ستصل الصين عبر آسيا الوسطى ما بعد الاتحاد السوفيتي بإيران ، حيث ستمتد الخطوط الفرعية إلى أوروبا والشرق الأوسط. وعن طريق البحر ، تقوم الصين ببناء أحدث الموانئ والمساعدة في تمويلها من خلال التطبيقات التجارية والعسكرية من بحر الصين الجنوبي عبر المحيط الهندي وحتى البحر الأحمر إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
فالصين بحاجة إلى أمن الطاقة لأنها تعتمد اعتماداّ كبيراً على المواد النفطية الخام والتي تستوردها من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي غالباُ ما تكون ضمن منطقة النفوذ الأميركي، وبالتالي ستكون خاضعة لبرامج وبروتوكولات العقوبات الأميركية والتي ستشكل عائقاُ أمام الحاجات والطموحات الصينية، فـ أكثر من 50% من النفط يأتي عبر الخليج، ثم يمر عبر البحر المتوسط الى خليج عُمان ومن ثم المحيط الهندي ثم الى الصين، وهذه الطريق خاضعة للأساطيل الأميركية المنتشرة على طول هذا الخط، وبإمكانها ساعة شاء أن تعرقل كل هذا المسار فيما لو اضطرت الى ذلك وبالتالي ستكون الصين تحت رحمة أميركا، لذا كان لا بد للصين من ان تفتش عن بدائل عملية وأكثر أماناُ لها فوجدتها في روسيا أولاً لما لديها من احتياط غاز يعتبر الأكبر في العالم، ومن ثم إيران والتي تعتبر ثاني أكبر احتياطي نفط وغاز في العالم وكلاهما غير خاضعتين للنفوذ الأميركي، مما يشكل عاملاً أساسياً وجوهرياً في تمتين العلاقات بينهما وإنشاء حلف قوي يشمل الصين وروسيا وإيران والدول التي تدور في محيطاتهم السياسية والاقتصادية والأمنية واللوجستية.
هنا يأتي دور الممرات الأرضية بينهم والتي تشكل دور أساسي في المشروع الصيني القديم الجديد “طريق الحرير”، والتي تربط الصين لغاية الآن بـ أكثر من 120 دولة في العالم من خلال 6 مسارات رئيسية تربطها بأفريقيا وآسيا وأوروبا، والتي تعتبر إيران نقطة ارتكاز محوري أساسي في هذا الطريق لما تشكله عملية الربط بين الشرق والغرب، (لطالما شكلت عبر التاريخ نقطة عبور أساسية ما بين الأمبراطوريات التي كانت حاكمة آنذاك.
يقول دي كابلان: عن الدرس المستفاد: “إمبراطورية الصين الجديدة لا تقاوم إلا إذا لم تقدم الولايات المتحدة بديلاً. بينما يستعد الأمريكيون لما يسمى بالحرب الباردة مع الصين ، من المهم عدم المبالغة في نوايا بكين. إن الصين قاسية ، لكنها لا تسعى إلى الغزو بالمعنى التقليدي لأراضيها والبحار المجاورة لها. سوف تسعى للهيمنة والتأثير على الاقتصادات الأجنبية ، ولكن ليس المجتمعات الأجنبية والطريقة التي تحكم نفسها بها. الصين ليست قوة ثورية على الرغم من لقبها الشيوعي”.
على الضفة الأخرى من الآراء السلبية تجاه المشروع الصيني هناك من يرى بدائل أكثر إيجابية كـ فيليب لو كوري من برنامج أوروبا وآسيا في مؤسسة “كارنيغي انداومنت للسلام الدولي” إنه مع تزايد أهمية الأمن المعلوماتي بالنسبة للعديد من الحكومات حول العالم، فإن اصرار الاتحاد الأوروبي على الشفافية قد يكون أكثر جاذبية من الانخراط مع الصين في “طريق الحرير الرقمي”. وأضاف لو كوري أن هذا المشروع “يسمح لشركات الاتصالات الصينية ببناء بنى تحتية في هذه الدول، ما يتيح لهذه الشركات الوصول إلى البوابات والمنصات الالكترونية وأي شيء رقمي”.
وأشار إلى أن بعض الدول بدأت تدرك “أنه ليس من الجيد وضع البيض كله في سلة واحدة، وأن الاعتماد على الامبراطورية الصينية يشكل مخاطرة كبيرة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتحكم في المعلومات والتكنولوجيا”.
ولكن ماذا عن الاتفاق النووي: فالصين تدعم عودة العمل بالاتفاق النووي حيث إنها “قد تكون أفضل فرصة لتجنب ظهور امتلاك دول جديدة للأسلحة النووية في منطقة معرضة للصراع وهشة من حيث الاستقرار، وحيث نمت حصص الصين بصور كبيرة من مصادر الطاقة والقطاعات الاقتصادية الأخرى بشكل كبير”. وبالرغم من حاجة إيران إلى الاتفاق النووي مع أوروبا والولايات المتحدة، لكنها ليست مستعجلة، فلطالما أجادت إيران لعبة استغلال الوقت وكانت ناجحة في ذلك، ولكنها الآن وبهذا الاتفاق تعتبر أقوى وأكثر قدرة على المناورة في الملف النووي، وبالتالي فرض شروطها هي لا شروط الآخرين عليها.
زر الذهاب إلى الأعلى