العالم العربيسياسة

إيران بين حدثين بارزين في العراق ولبنان(د.جواد الهنداوي)

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص

             

حدثان بارزان ، من بين وقائع  واحداث المنطقة ، يسترعيان المتابعة والتحليل والاستنتاج : الاول في العراق ، والثاني في لبنان.

كلاهما سياسيّان ومتزامنان ،  وكلاهما يهّمان الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها في المنطقة ، وكذلك ايران .

الحدث الاول انتخابات العراق وما ترّتب عليها من نتائج واختيار رئيس مجلس النواب ومساعي تشكيل الحكومة.

 لم يشهد الحدث ، حسب علمنا  ومتابعتنا ،تدخلاً ايرانياً مباشراً او غير مباشر ، من اجل وحدة الكتل والاحزاب الشيعية ، وخاصة بين التكتل الصدري  والاطار التنسيقي ، وتهنئة السيد قاليباف ،رئيس البرلمان الايراني ، للسيد الحلبوسي ، تعني عدم استياء سياسي ايراني لما حصلْ ، وتأييداً برلمانياً ، وتعني ايضاً رسالة ايرانية ايجابية للخطوات السياسية الدستورية القادمة (اختيار رئيس الجمهورية واختيار رئيس الوزراء) .

تهنئة السيد قاليباف هي رسالة لأطراف البيت الشيعي المتخاصمة: عدم استياء اوعدم معارضة لما اقدمَ عليه الصديق (السيد مقتدى الصدر) ، ودعوة الى الحليف بقبول الامر الواقع ، والتعامل معه، واستخلاص العِبر والنتائج ، وان في السياسة كّرٌ وفّر ، ومواجهة واحتواء ، ومصالح ومبادئ ، وخُدعة وذكاء وبصيرة ودهاء .

ثلاثة اسباب تُعلّل ابتعاد ايران عن ارهاصات هذا الحدث ،الذي يخّصُ المكوّن السياسي الشيعي ،فما هي؟

– الاتفاق النووي بين ايران والغرب اهّم بكثير من حدث العراق ، واهّم مِنْ ذا الذي سيتولى رئاسة مجلس النواب العراقي او رئاسة الوزراء في العراق . ايران ،و بابتعادها عن حدث العراق ،تُقّدمْ ، وبصورة ضمنيّة ، تجربة ملموسة ، للامريكين و للغرب ، بعدم التدخل ، ولكنها لا تناقش موضوع نفوذها في المنطقة . التدخل شئ والنفوذ شئ آخر . ويمكن ان يكون عدم التدخل في حدث ما وفي وقت ما ، عاملاً مساعداً لتوسع النفوذ وليس انحساره ، والعكس صحيح.

المكُّون الشيعي والمؤسسات السياسية في العراق هي رافد واحد من روافد النفوذ الايراني في العراق . علاقات ايران مع المكوّنات الاخرى ، والحدود المشتركة مع ايران ، والعلاقات الدينية والاجتماعية ، والعلاقات الرسمية بين العراق وايران في مجال الاقتصاد والجيش والحشد الشعبي والفصائل الأخرى ،جميعها روافد تؤسس لإيران نفوذاً في العراق .

– لعل فشل المكوّن الشيعي في التوافق قبل الدخول الى قبّة البرلمان هو أول اثر سياسي على غياب الشهيد قاسم سليماني. الآن ، ليس للقيادة الايرانية في طهران ترف الوقت لاضاعته من اجل حلفاء او أصدقاء عجزوا عن التوافق في ما بينهم . حال لسان الشارع الايراني يقول ” كفانا مع العراق تضحية قاسم سليماني على طريق المطار ” ، وبغدرٍ مِنْ أصدقاء العراق ( امريكا ).

وما يهّمُ ايران ، في الوقت الحاضر ، ألا ينجّر او لا ينزلق العراق نحو اقتتال اهلي ، لأنّ جغرافية العراق و استقراره هما جزء من الامن القومي الايراني ، وسياسة ايران تتسّمُ بالصبر الاستراتيجي ،مثلما قال الرئيس الاسبق للولايات المتحدة الامريكية ، السيد اوباما ، خلال حديثه لمجلة “ذي اتلنتيك” قبيل مغادرته البيت الابيض ، وتتسّمُ ايضاً بالواقعية ،و الشاهد هو تعامل و تعاون ايران مع حكومة طالبان في افغانستان.

 – مثلما جزِعت المملكة العربية السعودية من حلفائها وأصدقائها في لبنان ، ها هي ايران ايضاً تصل ، على ما اعتقد ، الى ذات الشعور ازاء اصدقائها و حلفائها في العراق . صبر ايران ، على ما اعتقد ،لم يعد يطيق ، اخطاء  وتقصير وفساد جهات وأحزاب ، وشخصيات ، وفي نظر الشارع العراقي ، محسوبين عليها سياسياً و مذهبياً . ايران ستتركُ الحلفاء و الاصدقاء في العراق يتنافسون في التصريحات ،  ويختلفون و يتوافقون في المواقف ، ويحتكمون للقضاء او لتدخل المرجعية ، ولا تخشى على نفوذها في العراق ، فليس لدولة عربية او اقليمية او دولية نفوذ في العراق يوازي النفوذ الإيراني. للآخرين اداور مهمة ولكنها مؤقتة وعابرة.

 وتاريخ نفوذ ايران في العراق لم يبدأ عام ٢٠٠٣ ،عام سقوط النظام السياسي الصدامي ، وانما سادَ سلباً وايجاباً  بحروب او بسلام وبوئام منذ خمسينيات القرن الماضي .

الحدث اللبناني

 الحدث الثاني هو الذي شهدهُ لبنان ، يوم ٢٠٢٢/١/١٢ ، بانعقاد مؤتمر او تجمّع المعارضة في الجزيرة العربية ، في الضاحية الجنوبية في بيروت ، وبرعاية حزب الله اللبناني .

جاء انعقاد المؤتمر تكريساً لخطاب السيد حسن نصر الله ، الذي القاه يوم ٢٠٢٢/١/١٠ ، والذي انتقد فيه المملكة العربية السعودية ، ووصفها بالداعم  والممّول للارهاب في العراق وفي سوريا وفي لبنان ، والاعتداء على اليمن .

لم يكترث السيد حسن نصر الله ، في خطابه تجاه السعودية ، لا في اجواء النوايا الايرانية الايجابية تجاه العلاقة مع المملكة ، ولا في حرص  رئيس الوزراء اللبناني السيد نجيب ميقاتي على عدم ازعاج المملكة . موقف حزب الله تجاه المملكة ، والذي جاء رداً على وصفها له بالارهاب ، يدّلُ على تحرر الحزب من ايّ املاءات تتعارض مع مصلحته و كرامته ومصلحة لبنان ؛ سواء كانت هذه الاملاءات من حليف كإيران او من جهات سياسيةً ورسمية لبنانية.

ارادَ الحزب بتبنيه مؤتمرا للمعارضة  السعودية ، ان يوجّه رسالة الى الداخل اللبناني والى الخارج ، مفادها بأنَّ سوء الحال الاقتصادي والنقدي للبنان لن يُثنْ الحزب عن التشابك الاعلامي والسياسي مع ايّ جهة عربية او دولية تنالُ من سمعة و كرامة ومواقف الحزب .

وجدَ الحزب فرصة لجعل الاشتباك الاعلامي والسياسي بين الحزب و المملكة  ، بين خطاب للملك سلمان بن عبد العزيز وخطاب للسيد حسن نصر الله ، وليس بين المملكة ولبنان ، وليس بين صحيفة الشرق الاوسط السعودية وصحيفة الأخبار اللبنانية .

 كيف تعاملت الادارة الاميركية مع الحدثيّن في العراق وفي لبنان؟

كان تدخل امريكا في ما حدثَ في العراق تدخلاً غير مباشر ، ومن خلال حلفاء امريكا وخاصة الامارات و تركيا ، وكان دور هاتيّن الدولتيّن محدوداً على توحيد وتوجيه المكوّن السني . لم تكْ امريكا بحاجة الى مزيد من الجهد والمال لتوجيه البوصلة لضمان مصالحها، وتعزيز دور حلفائها في العراق ،لانها حققّت المُراد قبل الانتخابات باسقاط حكومة السيد عادل عبد المهدي و بزعزعة الصف الشيعي سياسياً واجتماعياً .

لا لأميركا ولا لحلفائها حول او قوّة على حزب الله في لبنان ، لذا تجدُ لبنان ،دولةً وشعباً عرضة للرهان وللابتزاز في خبزه ووقوده و دوائه ، ومن خلال عقوبات على الشعب والضعفاء وحماية امريكية للفاسديّن والمتواطئين في تجويع الشعب ونهب امواله.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى