إنتصرت غزة .. وكفى ! (حيدر شومان)
بقلم حيدر شومان – الحوار نيوز
أخجل عندما أتحدث عن غزة كي لا يخدش صوتي أنّات آلامها، وأخجل عندما أكتب عن مأساتها خوفاً من أن يلوث المداد الخانع عزة دماء شهدائها، وأخجل عندما أبكي ولو بنشيج صامت، لأن أطفالها في الميدان حيث آتون الحرب لا يبكون.
أخجل من كبريائها وصلابتها وصبرها المستحيل، وقوة عزمها عند كل الشدائد، وامتناعها عن الاستغاثة، فالعرب وإن استغاثت لا يسمعون، وإن سمعوا لا يستجيبون، وكذلك حال المسلمين في معظم أصقاع البسيطة الواسعة. لقد قرروا أن يتركوا السيوف تقطّع الأجساد الخائرة، والجوع حكاية جديدة في زمن التطور والتقدم، فهل يجوع الأطفال في هذا الزمن البائس؟ وهل يشب الألم نيراناً عند الجروح النازفة ولا مستشفى ولا دواء؟ وهل تدفن الأجساد الطاهرة على الترب الأسمر بلا أكفان؟ فهل تعيش غزة عصور الماضي الغابرة حيث لا أخلاقيات ولا نواميس؟
لا غرابة في أن يرتكب العدو مجازر دموية في أناس يعتبرهم وحوشاً بشرية يجب قتلها والتخلص من وحشيتها، فهذا هو ديدنه منذ عقود طويلة، لكن الغرابة في أن شعارات براقة ورايات صارخة عنوانها الإنسان في كل الدروب، تُرمى في وجوه مطلقيها ويباركون راميها ويشدون على يده ليكمل طريقه بلا هوادة. فهل الإنسان هنا غير الإنسان هناك؟ وهل تتفاوت الإنسانية بين بقعة وأخرى وزمن وآخر وأناس وآخرين؟ وهل تختلف معايير الحرب والسلام بين أرض وأرض؟ أسئلة لا تحتاج أجوبة لأن الوضوح فيها جلي لا غموض فيه على الإطلاق. والغرب الذي تعلمنا منه الكثير ها نحن اليوم نتعلم منه أكثر، ونكبر بحريته أكثر.
ولا غرابة أيضاً في أن يحمي العدوَّ معظمُ بلاد الغرب، فالمعادلة واضحة والمؤامرة لم تعد خافية على أحد منا مهما تبلّدت عقولنا وساءت إدراكاتنا، لكن الغرابة أن يسيء إليك ابن جلدتك ومنطقتك ودينك وقوميتك، من خلال الصمت المريب أحياناً، والسكين التي يطعن بها ظهرك أحياناً أخرى، ويشارك العدو حربه الكبرى عليك. وربما ليس هناك من غرابة خصوصاً وأن ما يحدث اليوم في غزة قد حدث فيها الأمر نفسه من قبل، كما في كل بقاع فلسطين ولبنان وغيرهما، وكانت ردود الفعل هي عينها من الوضاعة والنذالة والحقارة وما يردافها من كلمات تضيق بها هذه الأسطر القليلة. فلا تجزعي يا غزة من تآمر القريب والبعيد، فعندما تموت الروح يسقط الجسد على قارعة الضعف والهوان.
واستطعت يا غزة البقاء، لم تلق السلاح، ولم تحنِ الهامات، وانتفضت بكل كبرياء، وما منعك الألم من أن تثأري للأطفال، وتهزمي الطاغوت، وعلى الرغم من كل الجراحات انتصرت، فموت الأطفال والنساء ليس هزيمة، ودمارك ليس خسارة، وما سيبقى في الوجدان بعد آلاف السنين حكاية الأرض التي صمدت على الرغم من كل العذابات، وبقيت على الرغم من كل الجرائم، وانتصرت على الرغم من كل الجراحات… سيكتب التاريخ: غزة انتصرت وكفى!