رأي

إلى صديقي النبيل حلمي موسى في غزة (زياد حيدر)

 

بقلم الصحافي زياد حيدر*

 

في بالي كلامٌ أرغب في قوله اليوم من دون تأخير. هو سلامٌ وعناقٌ وقُبلٌ من الوجدان لصديقي النبيل حلمي موسى في غزة. منذ تعرفت عليك في بداية تجربتي في “السفير” وأنت تدهشني.

 منذ اليوم الأول فرضت نفسك صديقًا حميمًا، وأخًا حكيمًا.وأنا منذ التقيتك وأنا أريد أن أشكرك على الصحبة التي لا تعوض التي منحتني إياها، سواءً في لقاءات سورية أو لبنان. أريد أن أحضنك وأتمنى لك يومًا سعيدًا كسائر البشر والأصدقاء.

قصة حريتك المدهشة لا بد أن تروى يومًا، بعد السجن لما يقارب العقدين، وعبورك سيناء هربًا من سفاحي الاحتلال، وقصة المحامية الإسرائيلية التي دافعت عنك، فمنحت ابنتك اسمها اعترافًا منك بالجميل، وتقديرا منك للإنسانية التي تضيء أحيانًا في وجوهٍ غريبة.

كنت أنا ضيفًا على بيتك مرارًا. وكنت تمنحني سريرك في الغرفة المطلة على أفق بيروت، والشرفات الكسولة للمدينة الصاخبة.

لا أستطيع أن أنسى أحاديثنا الطويلة، وتأملك العميق في ما يقوله محللو مجتمع الاحتلال، على الشاشات الكثيرة المنصوبة أمام طاولتك. لدرجة أنك نلت لقب “العدو الحميم الذي يراقبنا” من صحفهم، ومن مراقبيهم.

علي أن أشكرك وكثر آخرون على صفحة يوم الإثنين، في صحيفة “السفير” التي بقدر ما كانت تكشف عقل مثقفي الاحتلال وداعميه، بقدر ما كانت تكشفنا أمام أنفسنا.

أيضًا أريد أن أعبر عن امتناني للرحلة التي لا تنسى والتي نظمتها لي مع العزيز واصف عواضة إلى الجنوب، في أقاصي لبنان بعد وقت قصير من تحريره البطولي.

لافتات ” 90  كم إلى القدس” التي تفطر القلب، والحجر المرمي على ذيل الشيطان قرب بوابة فاطمة، والبصقة التي تفش الخلق في وجه غزاة أرضنا، فيما رؤوس الأفاعي تحدق فينا  من جحور الجار المتوحش.

أريد أيضًا أن أقول لك كم استمتعت بساعات الجلوس في ظلام صالات السينما نشاهد فيها ما ترميه في وجهنا صناعة الترفيه الأمريكية.

كنت تشاهد وتعلق دون توقف، وتضحك دون حرج، وكنت أنا أتذمر ،ولكن دون أن أنسى كم أحبك.

كيف لي ألا أمر على حبك لسورية الذي كان يحرجني أنا ابن البلد. المنزل الذي اشتريته وأردته لآخر العمر في المخيم. زياراتك ورحلاتنا للجنوب والشمال وأينما سمح لنا الوقت.

أتمنى أن تسامحنا في هذا السياق أيضًا. لم يكن مناسبًا ولا لائقًا بك ما جرى في 2009.

لكنها أنظمة عمياء. تعتقد أنه يحق لها كل ما ترغب دون مساءلة أو تدقيق. بعدها لم تزرنا، وتوقف تجوالنا المشترك في الصالحية والحمرا وزيارات “شامدان” متجر الأغاني القديمة برفقة صاحب القلم الأخضر، جوزيف سماحة.  باعدت بينك وبين سورية، نتفهم ذلك، فقد جُرحت في الصميم، وأنت المحب المخلص للشام.  لكننا جميع من يحبك فيها يعرف أن دمشق  لم تبارح قلبك.

أتذكرك في لقائنا شبه الأخير العام  2011  في مقهى بيروتي  قرب الجامعة الأمريكية، تبدي حسرتك على ما ينتظر سورية من أفق مظلم. تشبه بينها وبين بلدان أخرى شهدت احتجاجات كبيرة وسلمت، وأخرى حفرت لنفسها حُفر جحيمها.

بعدها بوقت قصير اعتكفت في غزة. لم نكن نتمنى هذا ولم نكن نريده. جميعنا كنا بحاجة إليك، وكلنا كنا نشعر بأن مقدورنا أن نكون إلى جانبك أنت أيضًا.

 ولكن من يلوم امرئٍ أراد العودة لأرضه. لأشجار بستانه. لإخوته وعائلته الكبيرة.

لقد مننت علينا بوجودك يا حلمي. قاوم. نرجوك. قاوم. وابق سالما. كلنا نحبك، وأنا تحديدا .أحبك كثيرًا.

*هذه خواطر أرسلها الصحافي السوري زياد حيدر  إلى حلمي موسى شخصيا في غزة في الأيام الماضية

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى