كتب حلمي موسى من غزة:
كثيرة هي الإشارات المتناقضة التي تطلقها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن موقفها من الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفسطيني، وخصوصا في غزة. وعدا الدفاع المتكرر عن جرائم إسرائيل في المحافل الدولية، وخصوصا في الأمم المتحدة، وآخرها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الجزائرى لوقف الحرب، تحاول هذه الإدارة الإيحاء مؤخرا بخلافات مع إسرائيل حول المدنيين. كما أنها تقف إلى جانب إسرائيل في محكمة العدل الدولية وترفض الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة وتعارض موقف الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا.
ومع ذك ثمة من يحاول الإقناع بأن الرئيس بايدن، لاعتبارات مختلفة، غيّر موقفه وبات أقرب إلى الموقف الدولي من الحرب الإسرائيلية، ويدللون على ذلك بتكرار استخدامه مؤخرا لعبارة وقف إطلاق النار. وتكررت مؤخرا على لسانه عبارة الحاجة إلى “وقف إطلاق النار” في قطاع غزة، بعد شهور من دعواته المستمرة إلى “هدنة”. وتحدثت وكالات أنباء دولية عن أن هذا التغيير الطفيف في الموقف يجعل بايدن أقرب إلى الموقف العالمي وإلى مواقف منتقديه داخل حزبه الديمقراطي. ومعروف أنه بأوامر بايدن استخدمت البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة حق النقض ثلاث مرات في مجلس الأمن الدولي ضد مشاريع قرار لوقف فوري لإطلاق النار. ومع ذلك عرضت أمريكا مشروع قرار يدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لتمرير المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى وفق مقترح باريس ولمنع هجوم بري واسع على رفح.
وحسب معلقين فإن التغيير الآن ينعكس في مشروع القرار الذي صاغته الولايات المتحدة في مجلس الأمن ، والذي يدعو للمرة الأولى إلى “وقف إطلاق النار” ، رغم أنها صياغة حذرة لا تدعو إلا إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في “أقرب موعد عملي”. كما يُربَط وقف النار بصفقة تبادل الأسرى، ويعرب عن معارضته للعملية الإسرائيلية في رفح. وفي هذا السياق أيضاً تشتد حدة اللهجة الأمريكية عندما حذرت وزارة الخارجية الليلة الماضية من أن عملية في ظل الظروف الحالية، مع احتشاد أكثر من مليون لاجئ في المدينة القريبة من الحدود المصرية سيؤدي إلى “كارثة” .
ومعروف أن بايدن أعلن في الثامن من فبراير خلال مؤتمر صحافي أن رد إسرائيل في غزة “تجاوز الحد”، ما اعتبر الانتقاد الأشد حدة، وأوضح أنه يضغط “بشدة حالياً من أجل وقف لإطلاق نار يتعلق بالرهائن، كما تعلمون، أعمل بلا كلل من أجل هذا الاتفاق”، وبعدها قال بايدن إنه أجرى محادثات مع نتنياهو، بشأن وقف إطلاق النار، وبعدها أيضا كرر حديثه عن “ضرورة إعلان وقف مؤقت لإطلاق النار لإخراج الرهائن”.
ونقلت وكالات الأنباء عن باحث كبير في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي، قوله إن التغير في خطاب بايدن لا يعكس تغييراً كبيراً، لكنه يشير إلى قلق الإدارة إزاء هجوم محتمل على رفح. ومع ذلك لاحظ جيرمي سكاهيل في موقع “انترسبت” الأمريكي أنه “بينما يروج البيت الأبيض لروايته المُتعِبة حول “فقدان صبر” بايدن، فإنه يظل ملتزماً بحرب إسرائيل على غزة . وشدد الكاتب على أن الموقف الحالي لإدارة بايدن بشأن الحرب على غزة يتمثل في أنه لا توجد جريمة حرب إسرائيلية متطرفة للغاية، بحيث لا يمكن لجو بايدن التفكير في وقف إطلاق النار، ناهيك عن قطع تدفق الأسلحة الأمريكية والدعم المالي لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
ولفت سكاهيل الأنظار إلى موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي على مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل لمواصلة احتلالها وقصفها للفلسطينيين في قطاع غزة. وأكد أن بايدن يظل متحديًا في رفضه المطالب العالمية بالوقف الفوري للهجوم العسكري الإسرائيلي على السكان العزّل الذين يتضورون جوعا. وأنه لم يرفض بشكل قاطع الاقتراحات التي تشير إلى أنه يستخدم التهديد بوقف المبيعات العسكرية لإسرائيل فحسب، بل تقوم إدارته حاليًا بإعداد شحنة جديدة من الذخائر القوية إلى تل أبيب.
وشدد الكاتب على أنه “مع اقتراب عدد الضحايا في غزة من 30 ألف شخص، مع تأكيد وفاة أكثر من 13 ألف طفل بنيران إسرائيلية ، يشعر خبراء الدعاية في البيت الأبيض بالقلق بشأن الانتخابات الأمريكية لسنة 2024. وهم يحاولون يائسين إظهار صورة عامة للتعاطف مع شعب غزة والترويج لفكرة أن بايدن قد وصل إلى نهاية صبره مع حليفه نتنياهو. وفي مواجهة سلسلة كارثية من التصريحات العامة لبايدن، حيث ادعى أنه التقى مؤخرًا بزعماء العالم “المتوفين منذ فترة طويلة” ناهيك عن تقرير المحقق الخاص حول قدراته العقلية، تسعى حملة إعادة انتخاب الرئيس إلى إعادة الاستقرار في خطابه العام”.
ولفت إلى أنه منذ أن قضت محكمة العدل الدولية رسميًا بوجوب المضي قدمًا في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وأصدرت سلسلة من الأوامر الطارئة التي تحذّر إسرائيل من عدم المشاركة في أعمال الإبادة الجماعية، كثفت تل أبيب عملياتها العسكرية وفرضت حصارًا على المستشفيات وقصفت المواقع المدنية.
وذكر أن إسرائيل تستعد لغزو بري واسع النطاق محتمل لمدينة رفح، التي تقع على الحدود مع مصر وتعرضت لقصف إسرائيلي مكثف في الأيام الأخيرة، ما أدى إلى خلق فخ موت غير آمن مساحته 25 ميلاً مربعاً حيث يحاصر الآن 1.4 مليون فلسطيني – بعد أن طلبت منهم إسرائيل الفرار إلى هناك من أجل البقاء في أمان.
وواضح أن هذه ليست مواضع التناقض البادية في موقف بايدن وإدارته. وتكفي هنا الإشارة إلى ما تعلنه هذه الإدارة من نية للاعتراف بالدولة الفلسطينية وسعي لبلورة خطة سريعة لتسوية إقليمية تقوم على التطبيع وصمتها على تحركات نتنياهو وحكومته العلنية ضد موقف أمريكا هذا. كما أن إدارة بايدن التي تسرب للصحافة أنباء عن إعاقة أو اشتراط تزويد إسرائيل بأسلحة وذخائر تسرع في إيصال أسلحة وذخائر لإسرائيل حتى بشكل يتعارض من موجبات القانون الأمريكي. وهذا ما يدفع كثيرين للاعتقاد بأن التسريبات حول استياء بايدن وإدارته ليست أكثر من أحابيل لاضعاف المعارضين له داخل الحزب اديمقراطي وتعزيزا لفرص إعادة انتخابه.
ونقطة أخرى تظهر أيضا تناقضا في تعاطي أمريكا مع إسرائيل بشأن غزة ومستقبلها. فإسرائيل تعمل بجهد واضح من أجل تغيير جوهري في واقع قطاع غزة، سواء لجهة إنشاء حزام أمني على طول حدود القطاع أو لجهة إنشاء محور فاصل بين شمال القطاع وجنوبه. ولم تضعف اعتراضات أمريكا وإعلاناتها المتكررة عن رفضها تغيير حدود القطاع ومساحته أو فصله من الجهد الإسرائيلي المتواصل، سواء لإنشاء الحزام الأمني عبر تدمير آلاف البيوت والمزارع أو لإنشاء محور الفصل بين شمال وجنوب القطاع.
وإذا لم يكن هذا كافيا فهاكم هذا الخبر: استضاف رجل الأعمال الإسرائيلي حاييم سابان الرئيس بايدن في منزله في لوس أنجلوس يوم الثلاثاء في إطار حفل لجمع التبرعات لحملته الانتخابية الرئاسية. وفي اختبار كورونا قبل الحدث، تبين أن نتيجة سابان إيجابية وبالتالي تغيب عن الحدث. ورغم ذلك، أجرى محادثة عبر تطبيق Zoom مع الرئيس بايدن تناولت، من بين أمور أخرى، الحرب في غزة والعلاقات مع إسرائيل.
وقال سابان لموقع “والا”: “لن أعطي للعالم تفاصيل محددة حول المحادثات الفردية التي أجريها مع الرئيس بايدن، لكن يمكنني القول إن محادثتنا أعادت التأكيد بالنسبة لي على حقيقة أن الرئيس بايدن يهتم بشدة بأمن إسرائيل ويريد ضمان أن تظل دولة يهودية وديمقراطية ومزدهرة”.