رأي

أميركا والتحديات الثلاثة (جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز- خاص

 

تحديات ليس كغيرها، لكونها استراتيجية، ومتزامنة، وجغرافيتها العالم بأسرهِ ، وهي التي تواجه، وبضراوة،  أميركا سياسياً وأقتصادياً وأخلاقياً ، بمعنى انها تحدّيات فلتتْ من قبضة و ادارة أميركا.

الشرق الاوسط و ملفاته هو التحدي الاول، والحرب الروسيّة -الاوكرانيّة هي التحدي الثاني، ومنظمة بريكس ومستقبلها هي التّحدي الثالث . وهي تحديات كونيّة تحاصر النفوذ الاميركي وتؤدي الى تآكله.

لنتناول التحدي الاول .فقد كَتَبَ الصحفي سايمون تيسيدال، في صحيفة الغارديان البريطانية، بتاريخ ٢٠٢٣/٨/٢٠ ،مقالاً بعنوان “هل انتهى عصر العم سام” ،ناقش فيه الثلاثية السياسية، التي يحلم بها الرئيس بايدن، لتعينه على الانتصار في الانتخابات المقبلة، وأطراف هذه الثلاثيّة هم: صفقة سعودية اسرائيلية تقود الى التطبيع، ودولة فلسطينية، وتفاهم مع إيران. (ملخصّ المقال مترجم ومنشور في جريدة رأي اليوم بتاريخ ٢٠٢٣/٨/٢١). ويعتقد كاتب المقال بفشل الرئيس بايدن بتحقيق ايَّ تقدم او انجاز في هذه الثلاثيّة. ونشاركه، جزئياً، الرأي. وسبب الفشل هو اسرائيل، وخاصة في ظل حكومة أكثر تطرفاً وعنصريّة من الحكومات الاسرائيلية السابقة.

 نواة التحدي الاول أو تحدي الشرق الاوسط هو مصلحة اسرائيل وليس بالضرورة مصلحة الولايات المتحدة الاميركية، فأمل التطبيع بين اسرائيل  والمملكة العربية السعودية ، والذي يسعى اليه الرئيس بايدن وتحثّه على ذلك اسرائيل هو لأجل اسرائيل ، والدولة الفلسطينية المنشودة اميركياً، هي تلك التي ترضى بها اسرائيل.

 الجهدُ الوحيد  الذي سينجح في هذه الثلاثية هو التفاهم الأميركي الايراني ، لأنَّ أمرْ هذا التفاهم تحرّرَ نسبياً من الارادة الاسرائيلية ، ولأنه يُدار وبنجاح من قبل إيران ،وسنشهد قريباً نتائج لهذا التفاهم على صعيد الملف النووي ،وعلى صعيد رفع العقوبات، وتحرير كافة الاموال الايرانية المُجّمدة . ستجدُ أميركا في التفاهم مع ايران ، مُتنفساً لها من حصار التحديات الاستراتيجية التي تواجهها ، وإنجازاً تسّوقه ادارة الرئيس بايدن للرأي العام الأميركي .

اما التحّدي الثاني فهو فشل الحرب التي اراداتها أميركا ضّدَ روسيا ، في اوكرانيا ، والتي تتحّول تدريجياً ،الى حرب استنزاف ضّدَ أميركا واوروبا . فشل عسكري وسياسي وفشل على صعيد الاعلام و الرأي العام الغربي الاوروبي  والأميركي . وستضطر أميركا ، ولوضع نهاية للحرب ، الى التخّلص من الرئيس الاوكراني زيلينسكي ، والمجئ بآخر كي يمضي بالتفاوض مع روسيا وقبول شروطها للسلام ، و باسم ارادة الشعب الاوكراني ،وأميركا و الغرب يحترمان هذه الارادة !

تابعتْ  وشهدتْ ،بكل تأكيد ،الدوائر الأميركية والغربية ، قمة بريكس ،والتي اختتمت اعمالها تواً ( في ٢٠٢٣/٨/٢٥ ) ، وًكُلُّ ما نوقش في القمّة ، و تمخّض عنها مهّم ،على كافة الصُعدْ ، وما هو أهم انضمام دول ، بعضها في خصام مع أميركا كإيران ، و اخرى في صداقة  ووئام مع أميركا كالمملكة العربية السعودية ، والامارات ، ومصر . ومثلما صرّحَ وزير خارجية روسيا بأنَّ قبول هذه الدول كان بمعيار اهميتها و مكانتها الدولية وتأثيرها في العلاقات الدولية ،  والجميع يدرك بأنَّ توسّع بريكس و زحفه على دول مهّمة للسياسة الأميركية أمرٌ لا يسّرُ الغرب وأميركا والناتو . الأميركان لا يستبعدون توسّع بريكس ،ليس فقط جغرافياً ، وانما نوعياً ،بمعنى ان تتعدى نشاطات واهتمامات بريكس الجوانب الاقتصاديّة الى نواح أمنية و تعاون عسكري ومناورات عسكرية مشتركة بين اعضائه .

اهداف بريكس ومنذ تأسيسها ،عام ٢٠٠٦ ،  هي تنمية البلدان وخاصة بلدان العالم الثالث ، والحفاظ على السلام العالمي ، ولا شئ يمنع من ان تتعاون دول المنظمة عسكرياً و ترّوج لفكرة وعقيدة تأسيس قوة او تعاون مشترك للحفاظ على السلم العالمي . عقدت قمة بريكس، وكان شعارها هو التنميّة للدول الافريقية ، وفي وقت تنتفض فيه دول افريقية ضدّ الهيمنة  والاملاءات الأميركية والفرنسية .

كيف لا تشعرُ أميركا بالقلق ، وهي ترى الدول الاساسيّة لمنظمة او لمحور بريكس ( الصين ،روسيا ،ايران ) تقضّمُ نفوذ أميركا الاقتصادي والسياسي وقريباً النقدي ؟

شعور أميركا بالقلق و بخسارة تدريجية لنفوذها ، يجعلها اكثر تمسكاً بما تبقى لها من نفوذ في جغرافية العالم ، وبالأخّص في منطقتنا. لأميركا قدَمان في منطقتنا: قدم  عدواني ( سوريا ،لبنان ،ايران ، اليمن ) ، وقدم سياسي دبلوماسي ،عِبْرَ اتفاقيات صداقة ، وتعاون استراتيجي عسكري واقتصادي ،وعمل منظمات دولية . وجغرافية هذا القدم العراق ،دول مجلس التعاون الخليجي ، والسلطة الفلسطينية ، و مصر . قد تسحبُ أميركا قدمها العدوانية من المنطقة لفشلها ، وللكلفة الباهظة التي تتحمّلها مادياً  ومعنوياً ، ولكن تسعى أميركا الى تثبيت قدمها الودّي والدبلوماسي في جغرافية منطقتنا ، وخاصة في العراق ،الذي تعرفّتْ عليه ميدانياً منذ عقديّن من الزمن ،فترة ود و حُب قصيرة ،مقارنة مع علاقة أميركا بدول مجلس التعاون ومع مصر.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى