إقتصاد

أصحاب المولدات ينفخون جيوبهم ..وبطون الفقراء تزداد ضمورا(محمد هاني شقير)

بلدية صريفا نموذج لحساب الاستهلاك العقلاني

كتب محمد هاني شقير خاص الحوار نيوز

قبل نهاية كل شهر يتهامس المواطنون بصوت عالٍ في المدن والقر ى ،مشفوعًا بقلق الباحثين عن لقمة عيش أولادهم التي تزيد مرارتها يومًا إثر يوم، بتوقعات خيالية لأسعار اشتراكات مولّدات الكهرباء، ويبدأون بالبحث عن مصادر تمويلهم المجففة اصلاً في محاولة منهم لتسديد تلك الفواتير.

وفيما يضطر بعضهم إلى تقسيطها بين اسبوعين وثلاثة أسابيع، فإن آخرين تجدهم قد ألغوا اشتراكاتهم ولجأوا الى خيارات أخرى من بينها شراء “لمبات” تشريج تدوم إنارتها نحو ثلاث ساعات ،أو تركيب UPS وبطارية لا تقل تكلفتها عن الـ 350$، ومن كانت ظروفه أفضل يعتمد الطاقة الشمسية لمنزله بتكلفة تبدأ من 1700$ وتزيد بحسب قدرة الشاري المادية. 

كل هذه الخيارات وغيرها، التي يلجأ إليها المواطنون لتأمين تيارهم الكهربائي يتسبب بها على نحو أساسي عاملان اثنان: 

1_ عدم وجود رقابة جدية وصارمة من قبل الوزارات والبلديات والأجهزة المعنية.

2_ الجشع الذي يعمي قلوب أصحاب المولّدات وبعض البلديات على حد سواء. 

فالسرقة من خلال أسعار اشتراكات المولّدات جارية “على عينك يا تاجر”. ففي حين يستغل القطاع الخاص الظرف بكل ما أمكنه من احتيال، ومن بين ضروبه أنه يمتنع، حيث يستطيع، عن تركيب عدادات، فإن كثيرًا من البلديات هي الأخرى لا ترحم المواطن وتستغل التسعيرة التي تحددها وزارة الاقتصاد وتعتمدها قاعدة رئيسة في فواتيرها الباهظة الثمن، وهي بدل أن تدقق بشكل صحيح وعادل بمصارفاتها ومدفوعاتها وعلى ضوئها تحرر فواتيرها، فإنها تنتظر تسعيرة الوزارة لتستفيد من الحد الأعلى الممكن للتسعيرة على حساب جيوب مواطنيها، وبخاصة الفقراء منهم، وفي هذا الصدد فإن وزارة الاقتصاد قد حددت سعر الكيلو واط عن شهر تشرين أول بـ 5200 ل. ل. الأمر الذي لم يرق لأصحاب المولّدات الخاصة ،فشطحوا بأسعارهم صعودًا إذ تراوحت بين 6500 ل. ل. و 7200 ل. ل. للكيلو واط الواحد، ما يؤكد أن لا رقابة عليهم وأنهم، أي أصحاب المولّدات الخاصة تحديدًا، يشكلون “مافيا” لا تقل جشعًا عن جميع الكارتيلات والمافيات التي تتحكم بلقمة عيش اللبنانيين، ويجري كل ذلك في ظل غياب مريب للدولة وأجهزتها الرقابية.

 وكي لا نتهم برمي الكلام جزافًا فقد أطلعنا على عمل بلدية بلدة صريفا في منطقة صور، وهي تقدم في قطاع الاشتراكات نموذجًا ايجابيًا وعقلانيًا يمكن للبلديات ولأصحاب المولّدات الخاصة الاقتداء بها، فيحققون ارباحًا بقدر عادل يسهم في تخفيض الفواتير الكبيرة عن كاهل الناس. 

فبلدية صريفا أجرت دراسة دقيقة ومنصفة لمجمل تكلفة المولّدات، وخرجت بنهايتها بتسعيرة أقل بكثير من التسعيرة التي وضعتها وزارة الاقتصاد، الأمر الذي يطرح علامات استفهام جدية عن الأرقام التي تضعها تلك الوزارة وكيفية احتسابها التكاليف، ومن يحددها فيها.

لقد خصصت بلدية صريفا ستة مولدات للقرية، لكنها تشغل ثلاثة منها، والثلاثة الباقية هي للحالات الطارئة، وتبلغ قوة كل مولّد 500 KVA.  

بلغ مجموع المصارفات لشهر تشرين اول على الورقة والقلم خمسمئة وستة وخمسين مليون وخمسمئة ألف ل. ل. (556500000) ثمنًا لمادتي المازوت والزيت وأتعاب موظفين. وقد سجل في ذلك استهلاك إجمالي المشتركين مئة وتسعة وخمسين ألف كيلو واط ( 15900) أي أن تكلفة الكيلو واط الواحد تكون 3500 ل. ل. فأضافت البلدية الى فواتيرها مئة وخمسين ل. ل. عن كل كيلو واط فضلاً عم رسم الاشتراك الشهري الثابت البالغ عشرة آلاف ل. ل.(10000) في حين يعتمد آخرون رسمًا أعلى، محققةً بهذه الأرقام القليلة ربحًا في حدود ستة وعشرين مليون ل. ل. مبلغًا شهريًا صافيًا لصالح صندوق الاشتراك بغية استخدامه في صيانة المولْدات، ووفرت على المستهلكين ما يوازي ٣٠% من قيمة الفواتير التي نظمها أصحاب المولّدات الخاصة، وأكثر من ٢٠% من قيمة الفواتير التي نظمتها البلديات وفق تسعيرة وزارة الاقتصاد.

في المحصلة العامة، يمكن للبلديات التمثل ببلدية صريفا، وتخفيض فاتورة الكهرباء رحمةً بالمواطنين، ويمكن لأصحاب المولّدات الخاصة ايضًا تخفيض فاتورتهم بما يحفظ حقوقهم لجهة الاستهلاك ومرتبات العاملين عندهم، كأن يزيدوا قدرًا قليلا على الأرقام التي اعتمدتها بلدية صريفا، وتبقى تسعيرتهم تحت الرقم الذي حددته الوزارة، وهكذا يحققون ارباحًا مقبولة ولا يرهقون المستهلك.

وهنا نشير الى أن الرشوة التي تقدمها وزارة الاقتصاد للقطاع الخاص بإعطائه ارباحًا خيالية من خلال التسعير المضاعف لثمن الكيلو واط ،هدفها تعزيز دوره على حساب دورها المفترض أن تقوم به الدولة لجهة تأمين التيار الكهربائي للمواطنين، وهكذا فإن هذا القطاع الذي سبب عجزًا كبيرًا في ميزانية الدولة من عشرات السنين ولغاية اليوم أصبح “بقرة حلوب” لكارتيلات الاشتراكات بتشجيع من الدولة ومؤسساتها. 

والواضح أن أصحاب رؤوس الأموال لا يهمهم سوى مراكمة أرباحهم وزيادة ثرواتهم، وهم لا يأبهون بحال الناس وظروفهم المعيشية، وكل ما يعنيهم هو نفخ جيوبهم على حساب ضمور بطون الفقراء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى