دولياترأيسياسة

أبعاد سياسية استراتيجية لتبني ايران القصف الصاروخي على أربيل(د.جواد الهنداوي)

 

د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص               

مرور ثلاثة ايام على واقعة أربيل أتاحت لي متابعة ومطالعة تقارير صحفيّة غربية واسرائيلية ، تشتركُ جميعها بتناول الموضوع ،من زواية العداء الاسرائيلي -الايراني والهجمات المتبادلة بين الطرفيّن .

رّكزت التقارير على أربيل ليست كمدينة عراقية او كعاصمة لاقليم كردستان ، وانما كهدف للقصف الصاروخي ضّد ” مركز استخباراتي اسرائيلي ” حسب الرواية الايرانية الرسميّة .لم تتناول التقارير ،ولو بذكر ، سيادة العراق او عن العراق ، و أُختُزِلتْ الواقعة بذكْرين : قصف صاروخي ايراني على قاعدة موساد اسرائيلية في أربيل ! ( لملاحظة ذلك ؛ تقرير بعنوان هجوم أربيل …نهج ايراني جديد للرّد على اسرائيل ،عاموس هارئيل ،هارتس ٢٠٢٢/٣/١٤ ، وكذلك مقال بعنوان ؛ هل تسير اسرائيل و ايران بحرب منفردة ” ل يوآف ليمور ، اسرائيل اليوم بتاريخ ٢٠٢٢/٣/١٤ ، وكلا المقاليّن منشوريّن في صحيفة راي اليوم الالكترونية ،بتاريخ ٢٠٢٢/٣/١٥ ).

    أصبحَ اقليم كردستان ، في متناول الصحافة الدولية ، وفي واقع الحال ، موضوعاً للحديث عن ثلاث وقائع : قصف تركي  وقواعد تركية بحجّة ضمان الامن القومي التركي و لمقاتلة حزب العمال الكردستاني ، وقصف ايراني ضّدَ تواجد الموساد الاسرائيلي ، و خلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد  وحكومة الاقليم على اكثر من قضيّة ، واهمها بيع و ايرادات النفط وايرادات المنافذ  الحدودية والموازنة . وهذه الوقائع هي حقائق لا مُبالغة فيها ولا تضليل ، وتتناقلها مصادر اعلام موزونة ، و صديقة للكُرد وبشكل متواتر ، ويعيش المواطن العربي والكردي تداعياتها ونتائجها .

تبّنتْ ايران رسمياً القصف الصاروخي على هدف اسرائيلي في أربيل ، باعتبارهِ وكراً للموساد، وكان منطلقاً لهجوم بالمسيرات الاسرائلية على معسكر في كرمنشاه ، في ايران بتاريخ ٢٠٢٢/٢/١٤ ( حسبَ الرواية الرسمية الايرانيّة ) ، و ادعّت ايران بانها سبقَ وان اعلمت الحكومة الاتحادية و حكومة الاقليم بذلك ،وطلبت منهم منع استخدام اسرائيل لاراضي الاقليم منطلقاً لشّن هجمات على ايران .

  لايران علاقات جيدة مع أربيل وعلاقات مُميّزة مع السليمانية ، و زيارات متبادلة ومستمرّة وعلى ارفع المستويات ، وكذلك ثقة مُتبادلة بين الطرفيّن و احترام متبادل للمصالح المشتركة ، وايران ، مثلما دول اخرى في المنطقة ، على علم واطلاع بالعلاقات الكرديّة الاسرائيلية ، وهذه العلاقات ، مثلما هو واقع الحال ، لم تكْ عائقا امام العلاقات الكرديّة الايرانية الجيدة مع أربيل و الممُيزة مع السليمانية . هذه عوامل تجعل المُحلّل والمتابع لواقعة أربيل يعتقدُ بصحة الرواية الايرانية ، وبالاسباب التي دعت ايران باستخدام هذا العدد من الصواريخ ، وبتبني ايران رسمياً وعلناً لعملية القصف ، وبخلاف هذا الاعتقاد ،علينا ان نتساءل اذاً لماذا ايران تقصف أربيل ؟

   المُلفتْ في الأمر ايضاً هو الموقف الامريكي ،حيث صرّحت نائبة وزير الخارجية الامريكي بأنَّ القنصلية الامريكية في أربيل لم تكْ الهدف او المقصودة بهذا القصف ، وتشير بعض المعلومات (غير مؤكدّة ) الى أنَّ ايران سرّبت اشارات واضحة للامريكين بنيتها بشن عملية عسكرية للدفاع عن امنها الوطني وللدفاع عن النفس في العراق .

 اسباب تفسّرُ موقف الادارة الامريكية ازاء واقعة أربيل ، والذي تميّزَ بخلوهِ من الوعيد والتهديد والتهويل ،رغم حّدة وعلانية الهجوم الصاروخي الايراني . سَبَقَ لامريكا ان دعت اسرائيل الى الكف عن شّنْ هجمات ضّدَ مصالح ايران في المنطقة وضّدَ منشآت ايرانية ، كما تحرصُ امريكا في الوقت الحاضر على تهدئة الوضع مع ايران التي تتفاوض معها ، بصورة غير مباشرة ،على الملف النووي .

   لا يمكن لاسرائيل أنْ تكتفي بعلاقات اقتصادية ( نفط ) محدودة المنفعة مع اقليم كردستان . اسرائيل تطمعُ بالكثير ، وخاصة تجاه عدوها واهدافها الاستراتيجية ، ولا تقنع بالقليل ، وسيكون حال الاقليم ، وفي غياب موقف حاسم ،بين ما تريده او ما تفرضهُ اسرائيل وما تريده وما تفرضه ايران . تستسهل اسرائيل الاعتداء على ايران ،انطلاقا من اراضي الغير ،سواء من كردستان او من اذربيجان ،طالما سيكون الرّدْ الايراني ايضاً على اراضي الغير وليس في تل ابيب .

استخدام ايران لصواريخ بالستيّة وتبنيها الهجوم هو بداية مرحلة جديدة للتعامل مع الاعتداءات الاسرائيلية ضّد مصالحها وافرادها والتي تنطلقُ من اراضي الغير ، وهذا يعني عدم تردّد ايران بتكرار وبتبني هجومات مشابهة او أعنف ،  وخاصة في المستقبل وبعد الاتفاق النووي الثاني ، حيث ستدرك ايران حرص العالم و امريكا على مُداراتها من اجل النووي وعدم ازعاجها لامور اخرى،اقل اهميّة لمصالح امريكا و الغرب .

  أماّ عن السيادة ، اصبحَ، للاسف ،الموضوع من إنشائيات ميثاق الامم المتحدة ، بل واصبحَ العرف السائد ليس احترام سيادة الدول وانما احترام الامن القومي والاستراتيجي للدول ، وعندما تُنتهك سيادة العراق عند قيام امريكا بقصف مطار بغداد واستهداف مصالح ايران ، لم تتردد ايران من الرّدْ على الاعتداء بقصف مصالح امريكا في بغداد. عندما يصبح العراق ساحة لتبادل الاعتداءات، تتحيّدْ، للاسف ،سيادته، ولا يمتلك الاّ الادانة والاستنكار .

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى