ثقافةكتاب

محمد حسين النائيني وتأسيس الفقه السياسي

 

قراءة سلوى فاضل – الحوار نيوز

 

من هو محمد حسين النائيني؟

ولد النائيني عام 1860 وتوفي عام 1936، حيث كان الحكم القاجاري لإيران (1796–1925) هو المسيطر حينها بعد أفول زمن الإمبراطورية الصفوية (1501–1736) الطويل. وعلى ما يبدو من تاريخ إيران فإنّ حكم الإمبراطوريات ظلّ هو السائد وعلى مدى قرون بوجه الإمبراطورية العثمانية مع ما تمثّل كل منهما. وهو(النائيني) الذي أقام في العراق طويلا، ودُفن في الصحن العلويّ أيضا رغم ولادته في مدينة نائين الإيرانية.

 

بلاد فارس بين القاجاريين والصفويين

 

وكانت القوميّة الفارسية قد نشأت في خراسان شرق إيران بعد القرن الثاني للهجرة، أيّ ما بين 719 إلى 816 ميلادية.

وأول من عزز النزعة القوميّة الفارسية لدى الإيرانيين هي دولة الصفويين التي واجهت الدولة العثمانية. وبعد أفول الصفوية تابع القاجاريون حكمهم وصولا إلى الشاهنشاهية (1925–1979) التي سقطت مع إنتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام 1979. وإن كانت بلاد فارس قد وقعت لفترات طويلة تحت نير الاحتلال خلال الحرب العالمية الأولى على يد كل من القوات البريطانية والعثمانية والروسية.

 

“تنزيه الأمة”

اشتهر النائيني بكتابه “تنزيه الأمة” الذي أورد فيه أفكاره التأسيسية في إطار الفقه السياسي الإسلامي. كما اشتهر بتنظيره السياسي لما عُرف بحركة “المشروطة” الدستورية لكونه صاحب مدرسة فقهيّة أصوليّة، فأفكاره ونظرياته في الاستبداد والتنظير للسلطة من داخل الفكر الإسلامي السياسي كانت الأساس، وهو الذي صار قريبا من السلطة عكس ما كان عليه حال العديد من المراجع الشيعية في ذاك التاريخ.

 

الفصول

 

من هنا، يهتم “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” في نشر كتابه هذا حول النائيني والموسوم بـ”محمد حسين النائيني وتأسيس الفقه السياسي” الذي يقع في 382 صفحة موّزعة على  فصول عدة تصل إلى عشرة. يشترك في شرحها وتفصيلها كبار الكتّاب السياسيين الإيرانيين والعرب، وهم: عبدالهادي الحائري، وحسين آباديان، وأبو القاسم يعقوبي، ومحسن كديور، وموسى النجفي، ومحمد النوري، ومحسن الأمين، وجعفر عبدالرزاق. وتوّزعت الفصول العشرة على عناوين محددة بدأت بحياة النائيني، ومن ثم ينتقل الكُتّاب إلى الجذور الفكرية لكتابات النائيني السياسية، وإلى النائيني والمفهوم الديني للحكومة الدستورية، ومنها إلى ابتكارات النائيني في علم الأصول، وابتكارات النائيني في الفقه، والنائيني والدولة الدستورية، وتنبيه الأمة وتنزيه الملّة اجتهاد الشيعة في نقد وتقييم الديموقراطية الاجتماعية.

 

مؤلفات سياسية

 

اللافت في الكتاب الذي عرّبه محمد حسين حكمت وأعدّه عبدالهادي الحائري، هو إفراد فصل كامل حول مؤلفات النائيني التي بلغت 12 مؤلفا، أبرزها تنزيه الأمة. ففي الفصل التاسع يتناول محسن الأمين حياة وفكر النائيني، في حين أن الكتاب يُفصّل تحت عنوان “النائيني شرعية الحكومة الملكية الدستورية”. وقد تُرجمت كتبه إلى الفارسية والإنكليزية، كما كُتب عنه عشرات المؤلفات، حيث تناولت فكره ونظرياته عشرات المؤلفات باللغات الفارسية والإنكليزية والعربية…

 

من إيران إلى العراق

 

ومن نائين إلى أصفهان، التي كانت مركزا للحوزة العلميّة، يممّ وجهه نحو العراق، فانتقل من النجف الأشرف إلى سامراء شمالاً، ودرس على آية الله محمد حسن الشيرازي (1815_ 1895)، صاحب فتوى التبغ الشهيرة ضد شركة “الريجي” البريطانية التي حصلت على إمتياز التنباك عام 1890 في إيران، فحرّمه المرجع الشيرازي، قاضيّا بذلك على أحلام الاستعمار البريطاني الإحتكارية، كون هذا المنتج إيراني وطني وحق للشعب.

وبعد وفاة المرجع الشيرازي، ارتحل النائيني إلى النجف وبقيّ فيها حتى وفاته عام 1936 حيث قاد الثورة الدستورية بالتعاون مع الثلاثي “الخراساني (محمد كاظم الخراساني 1839ــ1911)، والطهراني (الشيخ آغا بزرك الطهراني 1876-1970)، والمازندراني (الشيخ عبدالله  المازندراني1840 -1912) مما عرّضه لسيل من ردود الفعل القاسية من أعداء الحركة الدستورية الكثر.

وذكر عبدالهادي الحائري أنّ الثورة العراقيّة التي انطلقت 1920 كانت واحدة من نتائج الجهود والمعارك التي قادها مجموعة من العلماء ومنهم النائيني.

كما ميّز الحائري حياة النائيني بثلاث مراحل، هي: مرحلة الانتفاضة ضد الديكتاتورية، ومرحلة الزعامة الوطنية في العراق، ومرحلة العلاقة الوديّة مع الحكّام والملوك.

ويُعتبر كتابه “تنبيه الأمة وتنزيه الملّة” مُلخصا يستهدف إفهام العامة، وهو كتاب يبحث في أنظمة الحكم بشكليها الإستبدادي والدستوري. وعن رفض الإسلام للاستبداد مع دعوة إلى تشكيل حكومة معتدلة مقيّدة بالدستور وقائمة على أساس القانون. ويتناول أيضا امكانية قيام حكومة في غيبة المهدي المنتظر، إضافة إلى النظام الدستوري الغربي الذي رأه النائيني كأفضل الأشكال المتاحة للحكم. ويتحدث في الفصل الخامس عن شروط تطبيق الشعب لإدارة الحكومة. وقد جاء كتابه ردًا على كتابات “شعبة الاستبداد الديني” التي كانت تُهاجم الدستوريين. لكنه ككتاب إعتُبر أنه صعب الفهم على العامة، رغم سعيّه الحثيث للوصول لأفهامهم.

وقد وصل النائيني إلى ذروة المرجعية بعد معاناة طويلة، فكان أن عوّض ذلك من خلال اعادة نشر كتابه “تنزيه الملة” بعد 45 عاما، حيث لقيّ ترحيبا كبيرا من قبل القرّاء والمهتمين فيه. كما تمت ترجمته إلى لغات عدة، منها العربية، ونُشر في مجلة “العرفان” اللبنانية الشهيرة 1935. والمعروف أن الإمام الخميني استند في كتاباته حول الدولة الإسلامية وولاية الفقيه إلى استدلال النائيني.

 

تأثير الكواكبي

 

تأثر الشيخ النائيني بعبد الرحمن الكواكبي صاحب “طبائع الإستبداد”كثيرا، حيث استعمل المصطلحات نفسها الواردة في “الطبائع”، ورغم ذلك اعلن النائيني طلاقه للسياسة، متوّجها نحو العلم. لكن هذا الطلاق لم يستمر طويلا، إذ عاد مُجددا إلى الساحة العراقية مع انطلاقة الحرب العالمية الأولى عام 1914 بعد تحالف العثمانيين مع الألمان، فأصدر بيانا مشتركا يدعو فيه إلى الوحدة الإسلامية والجهاد بوجه المستعمر. بعد موقفه هذا من المستعمر البريطاني تم ابعاده إلى مدينة قم المقدسة وشكّل مع عدد من العلماء جبهة دفاعية.

وللإطلاع على الفكرة الدستورية لدى العلامة النائيني التي حصرها في كتابه البارز “تنبيه الأمة وتنزيه الملة”، هذا الكتاب الذي حظيّ بمباركة مرجعين كبيرين في النجف هما: محمد كاظم الخراساني، وعبدالله المازندراني. سنطل هنا على نظرية الدولة الدستورية القائمة على مبادىء عديدة:

الأول: أن أسس وقواعد الدولة الدستورية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله محمد (ص) وأقوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والتي استفاد الغرب منها فشق طريقه نحو التقدّم والرقيّ.

الثاني: على الحكومة القيام بحفظ النظام الداخلي للدولة، ومقاومة تدّخل الأجانب، وتهيئة القوى الدفاعية والاستعدادات الحربية.

الثالث: ثبوت نيابة الفقهاء والمراجع للإمام المغيّب، مع اشتمال مجلس النواب لعدد من المجتهدين العُدول.

الرابع: تقوم الدولة الدستورية على تدوين الدستور وتفعيل الرقابة.

الخامس: مشاركة الشعب من خلال مجلس شورى الدولة.

السادس: ضرورة الحرية والمساواة. فالحرية في مواجهة الاستبداد. أما المساواة فهي تساوي جميع أفراد الشعب أمام القانون.

وبهذا يكون الفكر السياسي الشيعي قد سلك طريقا جديدا في مرحلة ما بعد الحكم الإمبراطوري الاستبدادي وبداية زرع بذور الثورة، وبالتالي الجمهورية الاسلامية، التي اتجهت نحو وضع نظريات جديدة في الحكم قائمة على التأصيل الفقهي الشيعي المتنوّع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى