سياسةمحليات لبنانية

انفجار بيروت النووي والحملة ضد الحزب

 

كتب علاء المولى
هو زمن فاصل في تاريخ المدينة، عروس المتوسط، حجز لنفسه مكانا في كتابات ال
مؤرخين. كارثة وطنية ضخمة تختلط فيها عناصر الجريمة المؤكدة مع فرضية التخريب الاسرائيلي المرجحة.
جريمة محبوكة مافيويا ،دون استبعاد وجود بعد أمني فيها منذ البداية، أبطالها والكومبارس فيها مسؤولون لبنانيون كبار من عوالم الأمن والادارة والسياسة والقضاء إضافة طبعا إلى صاحب وطاقم السفينة.
توقيت الجريمة أتاح تحقيق أهداف سياسية اولها إسقاط حكومة دياب، بفعل عوامل عدة أهمها الحملة الضخمة والمنسقة التي انخرطت فيها أطراف سياسية وإعلامية؛ ونفس هذه الحملة تسعى لإسقاط رئيس الجمهورية بعد إخفاقها في إسقاط مجلس النواب. وبطبيعة الحال ،لم توفر الحملة حزب الله من مراميها متوسلة فنونا متنوعة من الأساليب ومروجة لمفاهيم وأفكار ابتكرتها غرف سوداء. فصار الحزب حاكم البلد والعارف بكل شيء تارة، وتارة أخرى يصير العنبر رقم ١٢ ملكه وفيه مستودع أسلحة استهدفت من قبل العدو.
وفي نفس سياق الحملة سمعنا بالحياد والدعوة للتدويل واستدعاء الانتداب.ورغم حصول كل ذلك في سياق واضح المؤشرات والاستهدافات،ينزلق البعض إلى فخ تحويل الأنظار إلى حزب الله من خلال الإصرار على تحميله المسؤولية ،ولكن هذه المرة بطريقة متذاكية تقر له، كذبا وزورا، بمسؤوليته عن الأمن الوطني ومن ثم تستنتج أنه أخفق في هذه المهمة!!!وعلى طريقة "عنزة ولو طارت" ،تستمر هذه الهستيريا الجماعية وتنتشر مثل الكورونا لتصيب أشخاصا يفترض أنهم "أصحاء" العقول.
البائس في المشهد لا ينحصر في خفة رمي الإتهامات جزافا،فبعض الصبية يتطاولون لتطويل قاماتهم، ولكن في استسهال تجاوز حصول جريمة أصلا وهي جريمة متمادية منذ سنوات ؛فهل يعقل، في زمن رفع الصوت ضد الفساد وطلب المحاسبة ،أن يجري التركيز على الحزب أكثر من الاهتمام بالتحقيق ومساراته ونتائجه؟
هذا الحزب هو أرقى عناصر قوتنا، ورجالاته مناضلون لبنانيون وليسوا أبطالا هوليوديين ،واعترف علنا بما يمكن اعتباره إخفاقا أو عجزا أو خرقا أو إهمالا،فلماذا هذا الحقد الأعمى في اغتنام أي سانحة للتصويب عليه؟
والمثير للسخرية، والغثيان، أن اولئك الذين يحاولون نفخ دوره كمسؤول عن أمننا الوطني ،هم أنفسهم من يحتجون ليل نهار أذا ما شاهدوه يقوم بمهام أمنية فيتهمونه أنه يتحرك لحماية "النظام"،في "شيزوفرينيا" لا مثيل لها الا في عالم ثوار السوشيل ميديا.
وتمثل النجاح الآخر للحملة المنسقة جيدا في تعميم فكرة ان الحزب يعرف ان التفجير حصل نتيجة عمل اسرائيلي (صاروخ تكتيكي – عبوة خاصة الخ) لكنه يتحاشى الإقرار بذلك تفاديا لموجب الرد المماثل في مثل هذه الحالة. وحسب هؤلاء فإن الحزب "يجب" أن يعرف سواء لأنه جايمس بوندي أو لأنه حاكم البلد ويعرف كل شاردة وواردة، بما في ذلك عن صواريخ السام ٧ التي وجدت في مستودع في الأشرفية بعد الانفجار.
  الحقد أو عمى البصيرة، فقط، يفسران كيف لَمتنور حر ومستقل(حقا) أن ينساق وراء كل ذلك بثقة العالم المطمئن إلى دقة أبحاثه؛يفتي ويقطع، بلا وجل ولا حساب، بواحدة من أخطر الكوارث التي حلت ببيروت وأصابت المجتمع بشظايا لا نعرف إلى أين يمكن أن تأخذنا.
في الحقيقة فإن الأمر غاية في الوضوح ولا يحتاج كل هذا الهرج المعيب:
١/ الفساد والاهمال والاستقواء والزبائنية تقف خلف قبول وتخزين النترات كل هذه السنوات وخلافا لعدة أصول وقواعد.ولذلك لا بد من تحقيق جدي لا يقف عند اي حد، وهذا ما يجب أن يشغل المناضلين.
٢/ثمة إخفاق أمني فظيع وقد يكون مشبوها يطال مختلف قيادات جميع الأجهزة الأمنية دون استثناء، وكذلك يطال المنظومة الأمنية للمقاومة. وهذا أمر يستدعي الاهتمام أيضا، خصوصا لجهة محاسبة المسؤولين في هذه الأجهزة وتحصينها لاحقا من خلال تدابير استثنائية ضرورية. وحسب تسريبات اعلامية فإن جهاز الأمن في الحزب قد شهد تغييرات نوعية ذات طابع عقابي.
٣/التخريب أو العدوان الاسرائيلي يجب أن يبقى فرضية قوية خلال أعمال التحقيق بحثا عن أدلة قد تؤكد حصوله؛ ومن غير دليل واضح ومؤكد لا يمكن توقع الحزب بالرد، علما انه قد يرد بصمت في حال تثبت من الفرضية بناء على قرائن أو أدلة ضعيفة. علما أن لبنان، كله، يجب أن يكون معنيا بالرد في حال ظهور ادلة حاسمة على تورط العدو.
أما الوضاعة في محاولة الاستغلال السياسي للكارثة الوطنية فيجب أن تكون مرفوضة، كما يجب عزل القيمين عليها والمنخرطين فيها، بدل التسمر أمام الشاشات ببلاهة من يغرف كل ما يقال.
يكفي غباء أن سمحنا للمنظومة، المسؤولة عن الكارثة، بإسقاط حكومة حسان دياب التي كانت تشتبك معها ولو بالحدود الدنيا.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى