رأي

ترقب أحداث وتطورات كبرى بين استراتيجية التمشرق وتسارع خطواتها (علي يوسف)

 

كتب علي يوسف – الحوار نيوز

عاد وكثرالحديث عن طريق الحرير واستعادة استراتيجيتها منذ فترة ليست قصيرة نتيجة ثلاثة تطورات تاريخية مهمة  :

١- بداية تراجع الدور الاوروبي   وتعزيز اطلاق صفة القارة العجوز على اوروبا وتسليم مقاليد قيادة  قرارها الى الولايات المتحدة الاميركية تدريجا ..

٢- بدء تراجع الهيمنة الاميركية بفعل:

أ- عدم قدرتها  على ان تكون او تتمتع بمواصفات الدولة العظمى  رغم كونها الاقوى في العالم والتي سيطرت على القرار الدولي منفردة بعد انهيار  الاتحاد السوڤياتي   ، إذ لم تستطع ان تُنتج حلولا لأي من المشكلات الدولية، كما لم تستطع ان تُنتج استقرارا وحلولا للدول التي تدخلت فيها عسكريا ولم تستطع ان تنجزاستقرارا نسبيا في اي منطقة من العالم، بل ذهبت الى تبني سياسات التدخل العسكري والاستقواء وتعميم نظريات الفوضى التي اطلقت عليها صفة الخلاقة وامتهنت سياسات الاضعاف والتدمير والعقوبات الخ….

ب- تحول  التعامل الاميركي الدولي الى ما يشبه التعامل المافيوي، وخصوصا  من قبل الرئيس ترامب الذي اعطى الاولوية لسياسات استقطاب الخوات المالية، اما بالتسليح او بالاتفاقات المفروضة ،خصوصا بعد  ان تحقق الإكتفاء النفطي الذاتي لأميركا ، بحيث لم تعد  لها مصالح تجارية  واقتصادية مباشرة مع الدول النفطية ومناطقها، وتحويل  هذه العلاقات الى علاقات رقابة وفرض انصياع  لسياساتها المتعلقة بإجراءات تساعد على الحد من تطور الدول المنافسة،  وخصوصا الصين والدول  الكبيرة النامية ،إما عن طريق التلاعب بأسعار الطاقة وإما عن طريق   التحكم بتوافر الكميات  وفرض قيود على التجارة  والاتفاقات التجارية والاقتصادية الدولية بمختلف اشكالها…. وهذا بالطبع ادى الى استياء دولي شعبي خصوصا، وبدء  محاولات التفلت من الهيمنة الاميركية في العديد من دول ومناطق العالم ..

٣-بروز التحالف التاريخي المهم ولأول مرة بين الصين كمنافس اقتصادي وتكنولوجي  لأميركا ،وبين روسيا التي تشكل مصدرا اساسيا للطاقة والقوة العسكرية  الضخمة ، وذلك بفعل  سياسات الغطرسة الاميركية  ..وتوسيع هذا التحالف القوي والنامي اقتصاديا وعسكريا ليضم دولا كبرى كالهند والبرازيل  وجنوب افريقيا ومن ثم ايران  وانشاء مجموعة دول البركس التي شكلت  محور استقطاب دولي  مغر، نتيجة امكاناتها الاقتصادية والبشرية والعسكرية والتزامها  القانون الدولي في العلاقات الدولية   …

 

إلا أن سياسات  استعادة تفعيل طريق الحرير أو ما يُسمى “الاتجاه شرقا ”   تسارعت في الفترة الأخيرة   وتميزت بخطوات استراتيجية كبرى  متناسقة او تتلاقى في نفس الاتجاه  مستفيدة من فشل السياسات  الدولية الاميركية خصوصا والغربية عموما ،وتراجع المصلحة التجارية المباشرة للدولة الأميركية مع دول آسيا وافريقيا والخليج  العربي والشرق الاوسط   …ووجود تخبط وفوضى  في السياسات الاميركية والغربية .

ومن ابرز هذه الخطوات :

– الحرب الاوكرانية لمواجهة الفاشية الجديدة واستعادة الهوية الروسية لمناطق موجودة ضمن أوكرانيا، ووضع حد لمحاولة ادخال اوكرانيا في حلف الناتو وخطوات توسيع نطاق وتواجد الناتو على الحدود مع روسيا في ما يشبه محاولة التطويق التي تهدد الأمن القومي الروسي ..

-تسريع تعزيز التوسع  الصيني في العلاقات الاقتصادية  مع دول افريقيا ودول الخليج  وخصوصا السعودية التي تحاول تحقيق التوازن بين امنها الاقتصادي وبين امنها السياسي والاستقلال والتخلص من سياسات الابتزاز الاميركية ،وكذلك ايران التي تتعرض للحصار الاميركي خدمة للمصالح الاسرائيلية ولمحاولة تنفيذ سياسات الاخضاع عليها …

-تعزيز التوسع  الصيني  اقتصاديا والروسي عسكريا ومحور البركس ،في اتجاه  الدول الآسيوية والخليج وافريقيا والشرق الاوسط  وأميركا اللاتينية  الجنوبية عبر مشاريع تنمية مجدية ومقنعة ومن ضمن مراعاة القوانين الدولية وسيادة الدول وفي إطارات وسياقات تحافظ على احترام  سيادة الدول وتشكل نقيضا  لممارسات الاخضاع الأميركية.

 

تسارع الخطوا

ويمكن في فترة الاسابيع الأخيرة ملاحظة خطوات متسارعة ابرزها :

١- رعاية الصين لاعلان اتفاق  ايراني -سعودي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال شهرين، بما يمهد لدخول السعودية محور البركس لاحقا بعد ايران ، مع ما يعني ذلك من انعكاسات  وتحولات في منطقة الخليج ..وبدء الحديث فورا عن امكان استثمار سعودي في ايران بما يمكن ان يعزز الاستثمارات المشتركة ..

 

٢- مباشرة روسيا في مساع لرعاية  مصالحة تركية –سورية ، وهو أمر من  شأنه ليس فقط  تحقيق الاستقرار في  المنطقة  والقضاء والانتصار على مشاريع الفوضى الاميركية بكل اشكالها ومواصفاتها وأهدافها، وإنما ايضا سيسمح بإعادة رسم مشاريع نقل وتسويق  ثروات النفط والغاز ، وفقا لمصالح دول المنطقة ومن ضمن استراتيجيات توسع محور البركس والمصالح الاقتصادية التي يستتبعها….

٣-عقد قمة روسية -سورية تناولت تعزيز الاستثمار في سوريا في ٤٠ مشروعا استثماريا، وكذلك موضوع المصالحة السورية- التركية والتي يستلزم تحقيقها انسحابا تركيا من شمال سوريا واستعادة السيادة السورية على الاراضي السورية ..

٤- عقد اجتماع  لنواب وزراء خارجية روسيا وتركيا و سوريا وايران لبحث تفاصيل تحضير المصالحة السورية- التركية وتأمين شروطها…

٥- توجه رئيس جهاز الأمن القومي الأيراني الى دولة الامارات المتحدة لتحذير المسؤولين في الإمارات من التوغل الصهيوني في الامارات والذي يتجاوز التطبيع  في العلاقات الى جعل الامارات ملجأ احتياط للهجرة اليهودية على ابواب ايران مستندا في ذلك الى اقدام الكيان الصهيوني على انشاء شركات التكنولوجيا العالية في الامارات،وهو امر لايُقدم مجانا في العادة ويُخفي محاولة استيطان صهيونية ترافق الاستيطان التكنولوجي … إضافة الى محاولة استباق هذا الاستيطان  ببيع الامارات منظومة  اسلحة حماية  صاروخية . ولعل تجميد صفقة شراء السلاح الاسرائيلي من قبل الامارات بعد الاتفاق الايراني – السعودي يأتي في سياق فهم رسالة الزيارة قبل حصولها مهما كانت المبررات التي أُعلنت لهذه الخطوة …

٦- توقع قمة صينية-روسية قريبة جدا  يُمكن اعتبارها القمة الأكثر استراتيجية والتي يُفترض انها ستحدد برنامج عمل المرحلة المقبلة الذي يستجيب لمخاطر خطوات كبرى قد تفرضها التطورات. ويُرجح ان تصل الى حروب واسعة على المستويات الدولية والاقليمية في اكثر من منطقة توتر في العالم ، خصوصا وان توسع محور البركس ليشمل الصين ومحيطها وروسيا ومحيطها ومعظم دول آسيا وافريقيا والخليج والشرق الاوسط واميركا الجنوبية سيشكل  شبه حصار للولايات المتحدة الأميركية ، وهي التي كانت تعمل لمحاصرة الصين وروسيا ولن تقبل بانقلاب السحر على الساحر.

في الخلاصة اننا امام مرحلة حواسم تاريخية ترسم توازنات ما بعد الحرب العالمية الثالثة التي تشتعل الآن بأشكال متنوعة وتتجه لتكون أكثر سخونة في اكثر من منطقة من العال ..

والأمل  والرجاء ان نبقى خارج  مفاعيل النووي !

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى