سياسةمحليات لبنانية

لبنانيّون ضدّ لبنان – الجزءان الثاني والخامس: الواقعيون، المعتدلون (المتآمرون، الخونة… سابقًا)

سيتساءل القارىء عن سبب عدم إحترام التسلسل الزمني وصدور الأجزاء الأول والثالث والرابع (1) قبل الجزء الثاني الحالي (والخامس معًا) وهو سؤال وجيه.  كان الجزء الأول قد صدر في ربيع العام 2018 والثالث في 19 أيار 2019 والرابع في 29 أيار 2019.  لقد تعمّدت تأخير الجزء الثاني الذي كان عليه أن يتناول مفاعيل زيارة بعض "مسؤولي" لبنان الى "الويلات الأميركية" من تسريبات لمضمون محاضر الجلسات المنوّعة والمروّعة (بفتح وكسر الواو) والتي تمّ تحويل الإنتباه عنها وبالتالي الجدل من صلب الموضوع الى "جريمة" من سرّب الأخبار، في إتقانٍ كبيرٍ للعبة واضحة المرامي والتي تُنَفَّذ بواسطة السؤال "ماذا عن؟"، أيْ ما بات يُعرَف بالأجنبية ب "what about?" وسيلة المُحاوِر لحرف الإنتباه والنقاش من صلب الموضوع الى جزئيّاته.  لقد تجنبتُ الكلام يومها الى ما بعد صدور حكم القضاء وبات علينا الخضوع لإمتحان القدر.
الجزء الثاني: " ليلة السكاكين الطويلة " (2).
إذن أصبح الآن ممكنًا العودة الى الكلام عن فضيحة وفضاحة التسريبات، تحت عنوان "أوراق دبلوماسية" في واشنطن، بعدما تمّ البت بالتُهم عن المتّهمين الثانويّين.
وباختصار نقول: ورد الى العلن، ولم تنفِهِ أيّ من المراجع الرسمية، لا اللبنانية ولا الأميركية، التي "آخر همّها" الرأي الآخرعلى أيّ حال، ما كان قد ورد في جريدة "الأخبار" في حينه عن إجتماعات حصلت في مقرّات الإدارة الأميركية.  وكان قد استُدْعِيَ إليها "كبار" (مع التشديد على هذا التكبير) مسؤولين لبنانيّين من كلّ صنوف المواقع والصفات والرُتَب والوظائف في مجلس النواب والحكومة واللجان البرلمانية والإدارة العامة بمختلف إختصاصاتها الدبلوماسية والإقتصاد والمال والسياسة الخارجية والبرلمانية وغيرها.  وكان قد رشحت تفاصيل التوجيهات و"التأنيبات" على هذا و"التوبيخات" بسبب ذاك من الأمور و"التحذيرات" من مغبّة ذلك و"الإنذارات" لتلك منها والهدف الواضح: "العقوبات" … على حزب الله.  كما وكان هناك المجال لإملاء سائر طلبات العدو الإسرائيلي فيما خصّ الحدود البرية والبحرية والنفط والغاز والإقتصاد والمال.   و نسي المُسْتَدْعون أن فقط الحرّ يفاوض، ولكن لا يهمّ.
لقد عادت الوفود مُطْمَئِنّة مُطَمْئنة الى "عدم توسّع" ال"عقوبات" (مرحليًّا فقط) لتشمل مرجعيات وأشخاص مُساندة أو حليفة أو مجرّد "موجودة" في "كون" لبنان بحكم تقسيماته الطوائفية التوافقية التصادمية ومرجعياتها الداخلية والخارجية.
"أوفٌ … خَيّيييي !" وتنفّسنا الصعداء !
ومع ظنّي أن ما أريد أن أذهب إليه بات واضحًا جدًّا ومن دون الخوض مجدّدًا في خضمّ التسريبات، يمكن التأكيد أن ما جرى من إنصياع "لبناني" لأوامر العدو (وأكرّر، كلّ من يُملي علينا هكذا "عقوبات" هو عدو) قد مهّد الطريق للمادة التي سأستعملها في الجزء الخامس من هذه المقالة.  وللتذكير كان قد تمّ تأخير صدور الجزء الأول من مقالات "لبنانيّون ضدّ لبنان" الذي نبّه في حينه الى تدارك الأعظم، … ويبدو أنّه سيكون هناك دائمًا "أعظم" ممّا نحن ننحدر إليه من مبدأ أن كلّما وصلنا الى القعر، يبادر سياسيو لبنان الى تلزيم حفر قعرٍ جديدٍ أعمق من الموجود ..!  مع أن الجزء الأول كان قد خلص الى توجيه نداء الى النواب (الجُدُد يومذاك) من أجل النهوض بلبنان !  (الجُدُدْ ؟؟).
الجزء الخامس:  الآمر والمأمور والمصير الضائع بينهما.
لقد صدرت "عقوبات" أميركية جديدة بحقّ نائبين في مجلس النواب اللبناني وأحد أبرز الحزبيين وكلّهم يمثلون شريحة واسعة من اللبنانيين ورأي أوسع منه في موضوعات التشريع وإدارة الدولة والموقف من الحدود ومن الصديق والعدو ومن السيادة والخيانة وكلّ ما يمكن أن يتفرّع عن ذلك.
لنذهب معًا الى ردّات الفعل والمواقف التي ملّ اللبنانيّون من متابعتها.  لقد كانت باهتة، غير فعّالة، متناقضة بل متعارضة، تدعو الى التأويل والتفسير فالتبرير.  من هنا أدعو الى العودة الى أصل كلّ شيء قبل مناقشته.  ف"العقوبات" ليست إلّا إجراءات أحادية الجانب من إدارة دولة مارقة خالفت وتخالف القوانين الدولية ومضمون المعاهدات وبنود الإتفاقيات ومنطوق الشرائع الإنسانية.  إذ أنّ على العقوبة أن تصدر عن محكمة رصينة معترف بها من طرفي النزاع، وهذا ليس الواقع.
كان على الدولة ومؤسّساتها: رئاسات، مجلس نيابي ونواب، مجلس وزراء ووزراء، وغيرهم من مسؤولين "حريصين" على لبنان وعلى حالهم، كان عليهم إدانة الأمر ورفضه واتّخاذ الإجراءات الفورية التي تشير وتعبّر عن رفضهم وتعالج مفاعيل إجراءات الخارج، ومن باب المعاملة بالمثل (وأين من ذلك السياديّون !).  ولأنّ هذا لم يحدث، فانتظروا أيّها اللبنانيّين المزيد من الإعتداء على كرامتكم وحريتكم ومن التضييق واستجلاب كلّ وسيلة تهدف الى إراحة العدو الإسرائيلي والذهاب باللبنانيّين الى قبول شروط الإستسلام للعدو تحت مسمّيات مختلفة، متنوّعة، متغيّرة، "حضارية" ودائمًا وفقًا للحاجة.
وهل تظنّون أنه قد خُفِيَ على "الخارجة عن القوانين الدولية والإنسانية" أن النائبين "المُعاقَبين" قد نالا أعلى عدد من أصوات الناخبين؟  فهي منغاظة أصلًا من فائض القوة الإنتخابية لدى حزبهم.  وهل يجهل أحدٌ أنّ لا أموال أو أصول لهما يمكن أن تطالها "العقوبات"؟  ماذا إذن ؟  هي إملاءات موجّهة الى سائر اللبنانيّين ومؤسّساتهم الرسمية والخاصة الإقتصادية والمالية.
وبعد ذلك يتكلّم البعض عن "العمل على إيجاد إرادة لبنانية جامعة".  ونسأل: أين تجدونها هذه الإرادة والخيانة والعمالة والحثالة تنخر في الجسم السياسي والإقتصادي اللبناني وبدأت تتسرّب الى المجتمع ؟
وتذكّروا دائمًا القول الحكيم: " إذا لم تكن لتهتم بالسياسة فهذا لا يعني أنّ السياسة لن تهتمّ بك ".  وها هي قد اهتمّت بك بالفعل.. !
أيها اللبناني، لقد آن أوان العودة الى حيث لا ينفع إلّا اللغة الخشبية، لغة الحقّ.  فعليك أن تسمّي "المجرفة مجرفةً" كما في القول الإنكليزي (3).  هناك مواقف خيانة تُرتَكَبْ باسمك، باسم لبنان، باسم شعبه ونوابه المنتخبين (المنتحِبين) وسلطته.  عليك أن تحاسب المرتكبين والمقصّرين، في الداخل أولًا، قبل تفاقم الأمور الى ما لا تُحْمَد … وما زالت الفرصة سانحة، فالبعض يجب أن يعرف أن كأس آثامهم قد امتلأت.
هذا وأرى من البديهي تكرار التحذير من مغبّة لعب بعض الجهات، أفرادًا و"زعامات"، بموضوع الحدود على أنواعها وبملكية بلدات لبنانية ومزارع وقرى يوزعونها من دون صلاحية على الناس والدول من منظار إقطاعي مضى وبقول رجعي قضى، وهم صدّقوا بالفعل أنّ " الحقيقة هي من أهمية بمكان أنه يجب حمايتها بالأكاذيب ".
وكما السكوت عمّا سبق ذكره خيانة، فالخيانة موصولة الى كلّ "باحث" و"محلّل" و"استراتيجي" ومطبِّع يتفنّن في تفسير الخلفيات والموجبات والإحتمالات والفرضيات وما إليها وكلّها تبريرات لما جرى ويجري من هبوط وقد أصبحت الغاية من كلّ ذلك الهبوط بحدّ ذاته لأن الصعود يتطلب صلابة وصدق واستقلال وإخلاص وفهم وخبرة ونضج واستعداد وتضحية وجلّها مفقود عند الذين حكّمناهم بمصيرنا.
لا بدّ من التحذير في هذه المرحلة ألّا يفرحنَّ أحدٌ منكم بما يحصل، لا العميل ولا المُتَآمر والدخيل و"الحليف" و"الصديق"، فهذه "العقوبات" ستطالكم جميعًا ولو بعد حين.  وكلّما فشلت سابقاتها من تحقيق أهدافها، وستفشل لا محال، كلّما اقترب مُصابُكم طالما أنّ الهدف المدمِّر لم يبلغ حدّه بعد !
أقول قولي هذا وأنا أوافق الصحافي القدير إبراهيم الأمين قوله " لا أمل من النقاش معك " ("الأخبار" في 15 تموز 2019).
والى الجزء السادس …على ضوء المزيد ممّا عانينا منه.
بيروت، في 19 تموز 2019 .                                                                 حيّان سليم حيدر
                                                                                        مواطن لبناني … قيد التَيْئيس.
ملاحظة مكرّرة ودائمة: للذين يعتبرون أن كتاباتي تتّسم بالسلبية المطلقة ولا تقدّم الحلول أقول: نعم لدينا حلّ لكلّ مشكلة إلّا أنّ الحلّ لا يُعْطى إلّا لمن يفهم معنى الوكالة العامة ولديه الرؤية ويتحلى بالأخلاق المطلوبة لأخذ الحلّ الى نهاياته المرجوّة.  والى ذلك الحين ..!
(1) يمكن الحصول على المقالات بطلبها عبر البريد hayyanhaidar@hotmail.com  أو الواتس آب 03-869555
(2) تذكيرًا بالمجزرة النازية الشهيرة.
(3) To call a spade a spade

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى