رأيسياسةمحليات لبنانية

هَلْ مِنْ بِدايَةٍ ما لِلتَّحضِيرِ الجِدِيِّ لِمَرحَلَةٍ سِياسِيَّةٍ مقبلة؟!(د.وجيه فانوس)

 

د. وجيه فانوس* – الحوارنيوز

يُشيرُ التَّقريرُ الرَّسميُّ “World Economic Situation and Prospects 2020””، “الوضعُ الاقتصاديُّ العالميُّ وآفاقُهُ 2020″، الصَّادِرُ عن منظَّمة الأمم المتَّحدة سنة 2020،  إلى أنَّ الرُّؤيةَ الاقتصاديَّةَ هي أَحَدُ العوامِلِ البارِزَةِ في انتِظامِ المحرِّك الفِعلِيِّ للشَّأن السِّياسيِّ الدَّوليِّ، بجميعِ أبعاده؛ بما في ذلكَ الأبعادُ العَسْكَرِيَّةُ والاجْتِماعِيَّةُ والدِّبلوماسِيَّةُ. ويَذْكُرُ التَّقريرُ أنَّهُ غالبًا ما تُحَدِّدُ الظُّروفُ الاقتصاديَّةُ تّغَيُّيراتُ السِّياسةِ، التي تَختارُ الحُكوماتُ سَنَّها؛ إذْ، وعلى سَبيلِ المِثالِ وَلَيْسَ الحَصرُ، فَإنَّ ثَمَّةَ قَدرًا كَبيرًا من ارتباطِ السِّياسةِ الحكوميَّةِ لدولةِ الوِلاياتِ المتَّحِدَةِ الأمِيركِيَّةِ، بِمَساقاتِ نُمُوِّها الاقتِصادِيِّ؛ وخاصَّةً عَبْرَ إنْشاءِ كَياناتٍ تِجارِيَّةٍ جَديدةٍ.

 فَالبُعدُ الاقتِصادِيُّ، وما يَرسُمُهُ مِن مَعاِلمَ وحُدودٍ، وما قَد يُعَيِّنُهُ مِن مَجالاتٍ، يَقودُ حَقيقةَ المَصالِحِ المُشتَرَكَةِ بَينَ الدُّولِ، في كَثيرٍ مِن الحالاتِ؛ كما يُساهِمُ في تَعيِينِ جَوْهَرِ سِماتٍ أساسٍ لِعلاقاتِ هذهِ الدُّولِ في ما بَيْنَها؛ مُحدِّدًا السِّياساتِ الخارجيَّةِ التي تَقودُ كَثيرًا مِن علاقاتِها المُشْتَرَكَةِ. واستنادًا إلى ما يُمكنُ مِن مَفهومِ السِّيادةِ الرَّاهنةِ لِهذا المَنْطِقِ، وخاصَّةً في كثيرٍ مِن المحافِلِ الدُّوَلِيَّةِ في الزَّمَنِ العالَمِيِّ الرّاهِنِ، إذ الفاعليَّةُ القُصوى المشهود لها، لِشَبَكاتِ الاتِّصالِ العنكبوتيَّة، الجامعةِ لمصالِحِ كثيرٍ من الشُّعوب والمؤسَّسات العالمِيَّةِ، ووسائطِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ،َ الرَّابطةِ بينَ حلقاتٍ كثيرةٍ مِن مصالِحِ فئاتِ المُجتمع وأفرادِهِ؛ فإنَّ عديدًا من مفاهيمِ المصالحِ الاقتصاديَّةِ للشُّعوبِ، ومعها كثيرٌ مِمَّا بات يُعتَبَرُ مِن مجالاتِ رفاهِيَّتِها، أصبح يَتقدَّمُ على ما عداه، مِن أمورٍ ومفاهيم وقِيَمٍ كانتْ تُصّنَّفُ أساسيَّةً؛ غير أنًّها باتت، ضمن هذا الحالِ، عند بعضهم، بحكم التَّقليديَّة، مع ما قد يرتبط بها مِن خلافاتٍ في السِّياسة.

تُظْهِرُ الأخبارُ السِّياسيَّةُ المُتداولَةُ مُؤخَّرًا، عبرَ وكالاتِ أنباءٍ عالمِيَّةٍ، أنَّ الرَّئيسَ التُّركِيَّ، أردوغان، وهو المُنادي العنيدِ بِمُحارَبَةِ غَصبَ السُّلطةِ الصُّهيونيَّةِ الحاكِمَةِ لأرض “فلسطين” وحقوقِ ناسِها، يَستَعِدُّ، في قريبٍ عاجِلٍ ، لِزِيارةِ “دولةِ الإماراتِ العربيَّةِ المُتَّحدةِ”، وإجراء محادثاتٍ مشترَكَةٍ مع القَيِّمينَ على الشَّأنِ السِّياسيِّ فيها؛ في الوقتِ الذي صارت سُلطةُ هذهِ الدَّولةِ تعيشُ اعترافًا رسميًّا مُعلَنًا، لَمْ يجفّ حِبرهُ، بهذا الكيانِ الصُّهيونيِّ، وما انفكَّت تستقبلُ كبارًا مِن قادَتِهِ على أرضِها، عاقِدَةً معَهُم اتِّفاقاتٍ تجارِيَّةٍ وأمنِيَّةٍ وسياسيَّةٍ، ما فَتِئَ طولُ حبلُها في تزايدٍ لافتٍ. وتُظهِرُ الأخبارُ، كذلك، أنَّ رئيسَ “الجمهوريَّةِ الإسلاميَّةِ في إيران”، رئيسي، وهو من كِبار المُنادينَ، دولِيًّا، بمحاربةِ غَصبَ الكيانِ الصُّهيونِيِّ لأرضِ “فلسطين” وحقوقِ ناسِها، ومن أبرز المُناوئينَ لِسياسةِ الدَّعمِ التي ما فتِئَت تُقَدِّمُها الإدارةُ السِّياسيَّةُ لحكومةِ “الولاياتِ المُتَّحِدَةِ الأميركيَّةِ” لهذا الكَيان الصُّهيونِيِّ؛ يَستَعِدُّ، راهِنًا، لتعزيزِ علاقاتِ “طهران” مع “الدَّوحةِ”، بزيارةٍ قريبةٍ جِدًّا لهُ إلى “دولةِ قطر”؛ والدَّولةُ التي تَسْتَضيفُ على أرضِها، وبرعايةٍ رسميَّةٍ مِن حُكُومَتِها، إحدى أكبر القواعِدِ العسكرِيَّةِ الأميركيَّةِ، عُدَّةً وعتادًا وعديداً؛ معَ الإشارةِ إلى أنَّ حُكومَةَ “دولة قطر”، مِن الدُّولِ التي سَبَقَ أنْ عقدَت علاقاتٍ ثُنائيَّةٍ عديدةٍ مع حكومةِ الكيانِ الصُّهيونِيِّ الغاصبِ لأرضِ فلسطين ولحقوقِ ناسِها.

 

يُمْكِن الإلماعُ، انطِلاقًا مِن منطِقِ هذا جَمِيعِهِ، إلى القَوْلِ بأنَّ ثمَّةَ ملامحَ، أو إشاراتٍ، مُعَيَّنةً تُكَنِّي انتِهاءً لِمرحَلَةٍ سِياسِيَّةٍ راهِنَةٍ في “لبنان”؛ وتُشيرُ، في الوقتِ عَيْنِهِ، إلى ما قد يُفيدُ ضرورةً لِلْبدءِ بالتَّحضيرِ الجِدِيِّ لمرحلة سياسيَّةٍ قادمَةٍ.

مِن أبرزِ هذه الملامحِ أو الإشاراتِ، أنَّ ثمَّةَ توافقات تأسيسيَّة في موضوعِ ترسيمِ الحدودِ البحريَّة بين “لبنان” والكيان الصُّهيوني الغاصبِ لأرضِ فلسطين، بدأت تطفو على سطحِ الأخبارِ المتداولةِ. ولعلَّ مِن أبرزِ ما يؤكِّد هذا التَّوافُقِ، ما حصلَ، مؤخَّرًا، مِن نَشْرٍ مُذْهِلٍ، بل صاعِقٍ، لِخبرٍ صحفِيٍّ نَسَبَ إلى رئاسةِ الجمهورِيَّة اللُبنانِيَّةِ، كلامًا مفادُهُ نَقَلُ التَّركيزِ على خطِّ التَّرسيم، موضوع التّفاوُض، مِن كَوْنِهِ  الخطّ ٢٩ إلى أنَّهُ الخطُّ ٢٣؛ مع سيطرةِ صمتٍ إعلامِيٍّ طاغٍ من قِبَلِ دوائر القصرِ تجاهَ هذا الخبر. واللّافتُ، في سِياقِ هذا النَّقل، ما رافقه مِن ملامِح هدوءٍ لبنانيٍّ، تكاد تكون مفاجئة؛ وما صاحبها، تالِيُا، مِن ترحيبٍ، موازٍ، مِن قِبَلِ الجههِ الإسرائيليَّة.

ومِن هذهِ الإشاراتُ، أو الملامِحِ، أيضًا، أنَّهُ مِن المُتَوافَقِ عَلَيْهِ راهِنًا، أنَّ وِلايةَ السيِّد رئيسِ الجمهوريَّةِ اللُّبنانِيَّةِ، العِماد مِيشال عُون، قد أَصبَحَت في شُهورِها الأخَيرةِ؛ وهِيَ، حتَّى اللَّحظةِ، وبِناءً على كثيرٍ مِن مُعطياتٍ داخليَّةٍ وإقليميَّةٍ ودوليَّةٍ، لَيْسَت بِوارِدِ أيِّ تَمديدٍ، أو حتَّى محاولةٍ لِتسويفٍ في حَسْمِ مَوعدِ انتهائِها؛ الأمرُ الذي يَعني، أنَّ لا بُدَّ مِن تَحضيرٍ لِوُصُولِ رَئيسٍ جَديدٍ للجُمهوريَّة، بكلِّ ما يُمكنُ أنْ تَعنِيهِ هذه الجِدَّةُ محلِيًّا وإقليميًّا ودولِيًّا.

ثمَّة، مِن جهةٍ أُخرى، مَن يَرى أنَّ الأزمةَ اللُّبنانيَّةَ الرَّاهنةَ، بأوْجُهِها المالِيَّةِ والاقتصاديَّةِ، ناهيك بِتِلكَ السِّياسيَّةِ، وما قد يرتبطُ بها مِن شؤونٍ إقلِيميَّةٍ ودَوْلِيَّةٍ، قد استهلَكَت كثيرًا مِنْ الوقتِ والزَّادِ المُحتمَلَينِ لها؛ خاصَّةً في ظلِّ ما تَضُجُّ بهِ المنطقةُ، حالِيًّا، مِن إيقاعاتٍ لِطَرحِ تَفاهُماتٍ مُستَحدَثَةٍ بينَ بعضِ دُوَلِها وحكومةِ الكَيانِ الصّهيونيِّ، الغاصِبِ لأرضِ فِلسطين؛ وما يُرافِقُ هذه التَّفاهُماتُ مِن مساعي تَشجيعٍ دَوْلِيٍّ، أوروبيٍّ وأميركيٍّ بِشَكلٍ خاصٍّ؛ وما يُصاحبُ كلَّ هذا مِن زياراتٍ لافِتَةٍ، لِمَبْعوثينَ دَوْلِيينَ؛ وتحضيراتٍ يَقومونَ بِها لِتأمينِ مَصالِحَ اقتصاديَّةٍ وسياسيَّةٍ دولِيَّةٍ لحكوماتِهِم، في مراحلَ لاحقةٍ.

يَرى مُتابِعونَ مُختَصُّونَ في تحليلِ مَساراتِ المفاوضاتِ القائمةِ حاليًّا في فييِّنَّا، بَيْنَ “واشنطن” و”طهران”، ما يُوحي وكأنَّ مجالاتِ هذه المفاوضات، بدأت تُلَوِّحِ لهم بما يُمكن اعتبارهُ توافقات تأسيسيَّة وأساسيَّة، بَيْنَ جانِبَيْ التَّفاوُضِ؛ الأمرُ الذي قد يَنعكِسُ، بِبَعضِ إيجابِيَّاتٍ، قد تَجِدُ مَسالِكَ لها في العَلاقَةِ بَيْنَ العاصِمَتَيْنِ؛ كَما يَحتملُ أنْ تَتْرُكَ بَصماتٍ لها على مساراتٍ ما، ضمنَ الوَضعِ الدَّاخليِّ في لبنان.

إذا كان، كذلكَ، ثمَّةَ شِبْهَ تَوافُقٍ مُذْهِلٍ، بينَ كثيرٍ مِنَ المُراقبينَ والمُحلِّلينَ والاستقصائِيين والإحصائيينَ، بأنَّ الانتخاباتِ النِّيابيَّةِ العتيدةِ، إنْ حَصَلَت، فَلَنْ تقود، بِحُكْمِ بِنائِيَّتِها القائِمَةِ، واستِنادًا إلى المُعطياتِ المُتوافِرَةِ عن نَوْعِيَّات التَّرشيحِ المُتَوَقَّعةِ ومَنْطِقِ فاعِلِيَّتِها، سِوى إلى إمكانيَّاتٍ للتَّغييرِ النَّوعيِّ، قَد لا تَتَجاوز ١٥٪؜ في أقصى حدٍّ متوقَّعٍ لها؛ مِمَّا يجعلُ مِنها انتخاباتٍ شكلِيَّةٍ أكثر بكثيرٍ منها انتخابات تحصيلِ تغييرٍ نوعِيٍّ في الإيقاعاتِ السِّياسيَّةِ للوجودِ الوطَنِيِّ في لبنان.  

المُرَجَّحُ، والأكثر عملانِيَّةً، ضمن هذا الحال، أن يكون إخراجُ اللُّبنانيينَ من الأزمة الرَّاهنةِ، وليدَ تداعِياتِ قرارٍ شمولِيٍّ عمليٍّ، انضوائيٍّ لهم، واستيعابيٍّ للأساسيِّ من خصوصيَّاتِهِم؛ أكثر منه نتيجة تغييرات، تتنامى في وجودهم، جرَّاء هذه الانتخابات النِّيابيَّةِ، فيما لوحصلت. وإذا ما كان من تحقُّقٍ لفاعِلِيَّةِ هذا القرار الانضوائيِّ الاستيعابِيِّ.

ويبقى ثمَّةَ رهانٌ مختلفٌ تَمامًا، ههُنا، يعتمدُ على جَوْهرِ الإفادةِ الفعلِيَّةِ لحركيَّةِ المُسّيَّرةِ الجَوِيَّةِ “حسَّان”؛ التي أقضَّت مضاجعَ العدوِّ الصُّهيونِيِّ الغاصِبِ لأرضِ فلسطين، إبَّان اختراقِها لسبعين كلم من الدَّاخلِ الفلسطينيِّ، مثبتةً قدرةً استكشافِيَّةً لها، ومُدَلِّلَةً على عُقْمٍ ما في فاعِلِيَّةِ ما يُعلَن عن أنَّهُ القُبَّة الحديديَّةٍ للدِّفاعاتِ الصُّهيونِيَّةِ على أرضِ فلسطينِ المغتصَبَةِ. فهل ستكون حركيَّةُ هذه المُسّيَّرةُ، ومثيلاتها، لصالِحٍ ضغطٍ تفاوضيٍّ، ضمن ما قد يوحي بأنَّهُ بِدءٌ ما للتَّحضيرِ الجِدِيِّ لمرحلةٍ سياسيَّةٍ قادمَةٍ، أم هو زأرةُ قوَّةٍ فاتِحَةٍ لمزيدٍ من مجالاتِ فرضِ القوَّةِ واستِخدامِها في وَجْهِ الغَصبِ الصُّهيونيِّ لأرضِ فلسطين وسَلْبِ حُقوقِ ناسِها؟!

قد يكونُ الجوابُ الشَّافي عن هذا التَّساؤلِ، لا يتطلَّبُ أيَّ مجالٍ للتَّكَهُنِ أو التَنَبُّؤِ؛ إذ فيهِ منطلَقٌ يشهُدُ على حقيقةِ واقِعِ ما تنتظرهُ المرحلةُ المُقبِلَةُ من هذه المعايشةِ المأساويَّة، الصَّامدةِ والصَّابرةِ والمأساويَّة الشَّديدةِ الأكلافِ، المُلْقاةُ على كاهلِ الشَّعبِ في لبنان.

*رئيس ندوة العمل الوطني – لبنان

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى