سياسةمحليات لبنانية

هل بدأت تتغير ملامح الحراك الشعبي؟


إن النظرة العامة للحراك الشعبي الذي بدأ منذ أيام، تؤسس لمرحلة جديدة مغايرة لكل المراحل التي عاشها اللبنانيون أحزاباً وطوائف وتبعيات تفرق فيما بينهم وتجعل الحذر من الآخر أمراً يجب اتخاذه. فعندما يتحد اللبنانيون فجأة تحت راية واحدة ومطلب واحد يلعن السلطة الفاسدة التي حكمت البلد عقوداً طوالاً من خلال منهجية واحدة وحطمت كل أركان الدولة ليصبح لبنان من أكثر الدول تخلفاً وفقراً وفساداً، فلا يمكنك إلا أن تتحسر على عقود الأزمات والخلافات والحروب التي عاشوها بوحي من زعمائهم وقاداتهم. هذا الحراك لو سار على الدرب السليم سيشكل حالة مميزة لم يعهدها لبنان من قبل، وسوف تكون قوة راجحة ضد أي استغلال ديني أو سياسي أو حزبي يتحكم بتفاصيل عيش المواطن اليومية، وبمصيره الوجودي وهويته وكينونته.  
هذه الصورة التي شهدناها في هذا الحراك الشعبي العظيم في أيامه الأولى، والذي كان غضبه شاملاً لكل رموز السلطة دون استثناء، بدأت تتغير ملامحه في بعض الصور فجأة وأخذت بعض القنوات التلفزيونية العربية واللبنانية تسلط الأضواء عليها بشكل مبالغ فيه، لتعود بنا الذاكرة إلى مسيرات 8 و 14 أذار وما تختزنه كل منهما من احتقان ضد الأخرى ورموزها. ولو ألقينا الضوء على ما تبرزه مثل هذه القنوات وتسعى لجعله مفهوماً سائداً يبقى في الوجدان، لرأينا أن غضب الناس يطال شخصيات أو أحزاباً قليلة من فريق واحد، وهم التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل ورموزهم. وليس من غرض هذه الأسطر الدفاع عن أحد واتهام غيره، فهذا ما دأبت عليه الكتابات الكثيرة منذ نصف قرن، ولم تستطع أن تنال فعلياً من فاسد واحد، لكن أكثرها ساهم في تأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية والحزبية. هذا الحراك الذي أثلج صدورنا في ندائه الموحد ومطالبه المشتركة والغضب الشامل على الجميع، وإن كان في هذا الشمول شيء من الظلم، واعتبرنا أن الشعب استيقظ فجأة من سباته العميق وخرج من عباءات التعصب والتقوقع والفرقة. فلماذا التعرض لشخصيات دون أخرى مع أنها كانت ولما تزل من أبرز التيارات المشاركة في الحكومات الفاسدة المتعاقبة لأكثر من ثلاثين سنة؟ ولماذا اللعب على هذه الوتيرة التي سوف تشكل حساسيات عند أطراف تدين بالولاء لهذه الشخصيات، بغض النظر عن صوابية ذلك أو عدمه؟ أفلا يدعو ذلك إلى الشك بأن هناك أيادي خفية تسعى لحرف هذا الحراك وتوجهاته نحو مسار آخر ليس فيه إمكانية تحقيق الأهداف المرجوة التي هبّ الناس من كل حدب وصوب من أجلها؟ لو أنك تشاهد كمراقب محايد لا دراية لك بخصوصية الوضع اللبناني لبعض القنوات العربية لظننت أن غاية هذا الحراك هو الدعوة لنزع سلاح المقاومة والقضاء على كل من يدعمه.
وعندما نخوض في هذه الجزئية فإننا لا نعتبر أن ساحة الحراك عموماً يشوبها مثل هذه الموبقات، لكننا نرى أن في بعض الأماكن القليلة نسبياً، من يثير مثل هذه الحساسيات وتسعى بعض القنوات التلفزيونية والكتابات الصحفية لتضخيمها وإبرازها كواقع مهيمن على الأجواء لغايات ليست خافية على أحد.
إننا ندعو لحماية هذا الحرك بكل قوة، والعمل على عقلنته وتوجيه بوصلته بما يخدم الأهداف العامة، وذلك من خلال تشكيل مجموعة تمثل الناس ممن عرفوا بالنزاهة والأمانة والإلمام بالواقع اللبناني، وهم كثر كما حدثنا بذلك تاريخهم. وبالإضافة لحماية هذا الحراك فإن هذه المجموعة ستحدد بشكل علمي ومحدد المطالب العامة التي يسعى إليه المتظاهرون، ويمكن لها أن تدرس الورقة الاقتصادية بما لها وما عليها، فإن في بنودها الكثير مما لا يتاح لغالبية الناس فهما بالشكل المطلوب واستيعاب أبعادها، خصوصاً وأن واضع هذه الورقة هم السلطة الفاسدة التي سوف تقوم بإجراء إصلاحات في أماكن الخلل التي كانت ولا تزال السبب في وقوعها، ما يعني أن وجود مراقبين على إصلاح ما يمكن إصلاحه هو أمر لا يمكن استبعاده لعدم الثقة بها.
إن اتحاد اللبنانيين تحت راية العلم اللبناني والثورة على الفقر والجوع والفساد والطبقة السياسية لهو أمر لم يحدث من قبل لما لمجتمعنا من خصوصيات في تنوعه على أكثر من صعيد، لذلك يجب احتضان هذا الاتحاد لأن فيه الضمان لمستقبل أفضل يعيشه اللبنانيون، والوقوف في وجه كل الأعاصير المحيطة بنا. فلنحذر كل عوامل التفرقة التي يسعى لها البعض، ولنشدد على النقاط المشتركة التي تظلل الجميع، وإن كنا ندعو للحذر من المؤامرة فليس ذلك هاجساً أو مرضاً أو هروباً، فنحن اللبنانيين نعيش المؤامرات الخارجية منذ أكثر من قرن، ولدغنا من الجحر نفسه مئات المرات، أفلا يجب أن نحذر أخيراً؟  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى