سياسةمحليات لبنانية

حاكم المصرف.. والنهب المنظم


د. سعيد عيسى
بات الدفاع عن رياض سلامة لمن أراد ذلك صعبا، إذ إنّه تحوّل مع الوقت إلى واجهة تجهّل المسؤول الفعلي عن السياسات الماليّة والمصرفيّة، ومسيئا لمن يتبوأون السلطة اللبنانيّة، الحاكمين بأمرهم، خصوصا في ظلّ انكشاف صورتهم التي لم يعد لأيّ واجهة حجبها مع عصر الاعلام بأنواعه كافة؛ فحاكم مصرف لبنان يتحمّل جزءًا كبيرًا من السمات التجميليّة للسّلطة، من خلال ظهوره الإعلاميّ حينًا، وبياناته حينًا آخر، أو من خلال إضفائه مسحة من التفاؤل على أوضاع البلاد الماليّة وهي تهبط متسارعة إلى حفرة بلا قعر.
إنّ احتجاز المصارف اللبنانيّة لأموال المودعين تتحمّل مسؤوليتها السّلطة السياسيّة، من خلال القرارات التي تتخذها، لكنّها لم تقم بذلك دون اقتراحات من حاكم المصرف، ومن ثمّ الشروع بالتنفيذ الفعليّ، وهذا يفضي إلى اعتباره مسؤولا عن إخفاء الحقيقة بواسطة القرارات التقنيّة التي يصدرها وينفذّها، وهو هنا موظّفًا لدى السّلطة، مؤتمرًا بأوامرها، مستمِدًا منها ثباته الطويل في موقعه، ونفوذه وحظوته لدى النّافذين فيها.
كانت وظيفة الحاكم إخفاء الحقيقة ردحًا زمنيّا طويلا عن اللبنانيين، عبر سلسلة لا متناهية من التطمينات الزّائفة، ولا يزال، واختار المشاركة في جريمة النّهب الممنهج للودائع، التي طالت ما يزيد على مليوني مودع، مقيم ومغترب، لبنانيّ ومن غير جنسيات، وعبر الهندسات الماليّة التي أفادت منها المصارف، ومن خلالها السياسيين، وسمحت بتضخّم ثرواتهم أضعافًا مضاعفة.
كما شكّلت السلطة السياسيّة حواشي لها، كذلك فعل رياض سلامة، شكّل حاشيته ومريديه، وكما ائتمر هو بأوامر السّلطة ونفّذ لها ما تريده، كذلك فعلت حاشيته، نفّذت له ما أراد، فكانت له بوقًا في الإدارة والإعلام والمؤتمرات، هلّلت له وكبّرت، أضفت عليه هالة قلّ نظيرها، وكان هو يخرج إلى الإعلام بسلسلة من التلفيقات والأوهام لتغطية النّهب المالي الممنهج والمستمر.
لن تقوم قائمة للقطاع المصرفيّ بالمعنى الذي تغنّت به المصارف وكان يشاركها في غنائها رهط كبير من اللبنانيين، انكشف هذا القطاع على فضيحة أخلاقيّة، بكلّ ما للكلمة من معنى، على سطو منظّم، تشاركت به مع السّلطة السياسيّة عبر رياض سلامة، دون أن يرف لهم جفن، إلي حدّ من الوقاحة بات معه انعدام وجود شخصيّة واحدة منهم، تملك من الشجاعة الخروج إلى النّاس ومصارحتها بالسّلوك الذي حصل وإدانته، بما يحفظ لهم ماء الوجه.
أمام اللبنانيين مهمّة جلل، شاقّة ومتعبة، إذ عليهم أن يزيحوا عن كاهلهم سلطة سياسيّة بكلّ عجّها وعجيجها، مع شركائها من المصارف، القابضين على الحياة المصرفيّة، ومعهم وسيطهم رياض سلامة، عليهم أن يدفّعوهم ثمنًا غاليًا لما فعلوه بهم وارتكبوه بحقّهم، وسلبوهم تعبهم وجنى أعمارهم وقضوا على مستقبلهم، ومستقبل أولادهم وأحفادهم، لعلّ الانتفاضة، والصراخ القائم، المفعم بالغضب والوعي، يمكنّ المسلوبين من أن يفعلوا شيئا؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى