سياسةمحليات لبنانية

مُدمِن سجل عدلي!!

 


د.أحمد عياش
كعادتي كل صباح في فصل الشتاء، اتكىء على مظلتي السوداء وانا اسير في شوارع بيروت كسائح انكليزي ثقيل الحضور والخطى، اتجه كمواطن مبرمج ذهنياً واراديا الى مركز قوى الامن الداخلي في فرن الشباك حيث اطلب يوميا سجلا عدليا بإسمي.
بالتأكيد لا انسى شراء "طابع" من دكان مقابل المركز.
لا يبدي عناصر قوى الامن الداخلي اي اندهاش من زياراتي اليومية، اعتادوا معي عدم السؤال والجواب إذ لا فائدة تذكر معي عند أي محادثة او حوار.
ميؤوس مني في اي تحقيق او جدال.
جميعنا يعرف ما عليه ان يفعل.
اقف باحترام منتظرا دوري، اصل الى الحاسوب، اقدم هويتي من دون اي كلام،  تبادل نظرات وايحاءات فقط، اضع الطابع امام الموظف (ة)، تبحث عن النشرة في الحاسوب، تعطيني افادة عن سجلي العدلي وامضي.
أعرف تماما ان الموظف (ة)  ينظر في الحاسوب ولا يرى، اعتاد عمله اليومي الميكانيكي -الاوتوماتيكي معي، رغم اني احمل هاتفا خلويا الكترونيا كبديل عن دماغي البخاري كتمويه وكتضليل.
منذ مئة سنة تحديدا وانا اواظب على سلوكي الرصين اليومي المتكرر للحصول على سجلي العدلي.
عبّرت مرارا ومرارا عن قلقي وعن توتري وعن انزعاجي وعن خوفي من ايام العطل التي اضطر فيها ان افعل المستحيل لأتجنب نوبات الهلع والحصر والآلام العضلية المتعددة والمتوزعة بين ساقيّ و ذراعيّ واحشائي وكتفي مع صداع وشعور بخفقات قلب سريع يواكبه احساس قريب بالموت الشنيع وبخطر داهم سيلحق بي وبمن احب من حولي.
نعم صحيح، انها عوارض الفطم عند الادمان.
ادماني على طلب السجل العدلي.
ليست مسالة بسيطة ان تحرمني الدولة الراحة والاطمئنان في ايام العطل العادية وفي ايام عطل الأعياد الرسمية.
هكذا انا ومنذ اعلان دولة لبنان الكبير اقوم بواجباتي نحو ذاتي لأطمئن على سير العدالة والامن في ذاتي اولا وثانيا في بلادي.
الاخطر من بلادي، امني وعدالتي الداخلية في كينونتي.
الامن النفسي في خطر.
اقرأ يوميا افادة سجلي العدلي، أطمئن انّي لم أقتل احدا ،لم اسرق احدا ،لم اختلس مالا، لم أفسد في الارض،لم اشارك في مجزرة دموية او مجزرة مالية او مجزرة صحية او مجزرة سياسية او مجزرة اقتصادية او مجزرة عاطفية او مجزرة نفسية و اني لم اغتصب حالي او ان اغتصب امرأة تشبه دولتي او تشبه الاحزاب الحاكمة.
افعل ذلك يومياً في الواقع ، بحركة اعتيادية متكررة، ميكانيكية-اوتوماتيكية.
اقوم بذلك لأني في البال ما توقفت للحظة عن تعذيب والقاء القبض ومطاردة وشنق وقطع رؤوس انذال بلادي.
اخاف ان تكتشف القوى الامنية القتلى والرؤوس المتدحرجة التي اتسبب بها يوميا وانا اسير متكئاً على مظلتي السوداء كسائح انكليزي بليد، ثقيل الحضور والخطى في شوارع العاصمة.
اخاف ان استيقظ ذات يوم وقد امتلأ سجلي العدلي بكل الجرائم الوطنية من حيث ادري ومن حيث لا ادري.
الاحتياط واجب يا رفاق السلاح والدرب في البال .
هكذا علمني ابي عن جدي عن جد جدي رحمهم الله.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى